أحمد زكي وقع في مصيدة تقليد السادات

فيلم سينمائي يفتقد روح السينما الحقيقية في تتابعه وفي أدائه وهزيل في مشهد الاغتيال

TT

طارق الشناوي تختلط دائما حدود السياسة بحدود الفن، لا أحد يمتلك رؤية حيادية تعزل ما هو سياسي عما هو فني، الخيط دقيق جدا خاصة عندما نتناول حياة زعيم سياسي مثل أنور السادات لا يستطيع أحد أن يعود الى زمن السادات وهو يدير ظهره لما حدث ويحدث في الشارع السياسي المصري والعربي رغم مرور 20 عاما على رحيله. واعتقد أن الكاتب أحمد بهجت والمخرج محمد خان والنجم أحمد زكي لم يستطيعوا الانفصال تماما، عما يجري حاليا من تساؤلات حول جدوى الدعوى للسلام وهو الهدف الذي سعى اليه الرئيس محمد أنور السادات وهو ايضا الهدف من تقديم فيلم «أيام السادات».

يسرد السيناريو حياة السادات وكفاحه قبل ثورة يوليو (تموز) ولديه مساحة من المواقف التي لعبها السادات وكان فيها مطاردا من الشرطة ومطرودا من القوات المسلحة في النصف الأول من الفيلم، كنا أمام حالة فنية درامية ثرية جدا وبلا قيود فلا يوجد منصب ما رسمي لأنور السادات ومن هنا كان يبدو هذا التحرر في التناول هو ما نجح في أن يقدمه أحمد زكي من خلال علاقته مع «منى زكي» التي أدت دور السيدة جيهان السادات في المرحلة الأولى من عمرها، حيث لعبت دور فتاة صغيرة تسمع عن بطل يطارده رجال الاحتلال الانجليزي وهو في نفس الوقت يكبرها بأربعة عشر عاما ومتزوج وله أطفال لكنها تحبه فلقد أصبح هو فتى أحلامها، وفي نفس الوقت فإنه لا يمتلك مالا يمكنه من الزواج الا أنها تتمسك به وتصر على الزواج منه.

أدت منى زكي الشخصية بقدر كبير من التلقائية وكان أحمد زكي متقمصا للسادات أكثر منه مقلدا له وهو جزء ممتع على مستوى دراما الفيلم الا أنه بعد ذلك يبدأ في الاستسلام للقيود الدرامية في الجزء الثاني من الفيلم والذي يعود به الى المرحلة التي توقف عندها وهي لحظة تنصيب أنور السادات رئيسا للجمهورية وبداية صراعه مع مراكز القوى وكيف أن السادات استطاع أن يمتص غضب الشعب المصري باعلانه المتكرر ـ في البداية ـ أن يسير على درب عبد الناصر، كان السيناريو يلهث وراء الاحداث التاريخية يريد الالمام بها وتقديمها حتى يصل الى رحلة السادات الى الكنيست الاسرائيلي وهي الزيارة التي أثارت ولا تزال العديد من التساؤلات وفرضت واقعا انعكس بدوره على الصراع العربي الاسرائيلي. لعب أحمد زكي في دراما الفيلم دور المدافع عن وجهة نظر السادات والمبرر لها، ووقع في مأزق تجاوز الخط الفاصل بين دوره كمؤد وموقعه السياسي.

كانت الاحداث تبدو وكأنها تروي من وجهة نظر السيدة جيهان السادات حتى أخطأ السادات مثل اعتقالات سبتمبر (ايلول) والتي تم القبض فيها على العديد من رجال السياسة والصحافيين كان فيها السادات يتلقى عتابا من جيهان السادات التي اعترضت قائلة ان هذا يعني اننا نتراجع خطوات للخلف، ورد عليها السادات انه سوف يفرج عنهم وانه أصدر أوامره بعدم المساس بالمعتقلين.

كان بالفيلم أكثر من قانون فني يحكمه ولكن بلا منطق، فلا يوجد ما يبرر أن يتم المزج بين مشاهد وثائقية ـ أبيض واسود ـ مع لقطات أخرى ملونة لأحمد زكي أن حرية استخدام لقطات أبيض واسود ولقطات ملونة في العمل الفني تخضع لمنطق درامي والمخرج محمد خان لم يكن لديه منطق، لم تر في الفيلم سوى أحمد زكي وهو يؤدي دور السادات لا توجد ادوار درامية أخرى باستثناء جيهان السادات وأجادت منى زكي في المشاهد الأولى لحياة جيهان بينما كانت ميرفت أمين بينها وبين الشخصية مساحة ما. حيث لم يسمح لها السيناريو الا بتبرير مواقفها وتصحيح خطأ السادات.

في مشاهد عديدة كنا نجد أمامنا أحمد زكي وهو يسعى لكي يلتقط لمحات خاصة مقلدا السادات واقترب من لمسات الكوميديا، فكان يقف على الباب باب الكوميديا، خاصة ان السادات لديه العديد من اللزمات التي بتكرارها قد تؤدي للضحك ليس المطلوب بالطبع أن يبتعد الممثل المؤدي عن الاطار الخارجي للشخصية التي يؤديها لكن عليه دائما أن يبحث عما هو أبعد من هذا الاطار الخارجي أن يلتقط ملمحا عميقا وليس سطحيا ويبني عليه بعد ذلك مفردات الشخصية ليصبح هذا هو المفتاح الذي يتحرك من خلاله ولقد اضاع أحمد زكي هذا المفتاح!! ذروة الفيلم هو مشهد اغتيال السادات وهذا المشهد تم توثيقه لأن أكثر من محطة تلفزيونية سجلت وقائعه عندما اعاد المخرج محمد خان تقديمه حرصا على أن يمزج بين هذه اللقطات التي تم الاحتفاظ بها أثناء حادث المنصة الشهير مع لقطات لأحمد زكي. وجاء هذا المشهد الهزيل في بنائه الدرامي ليتضاءل في داخل المشاهدين الاحساس الحقيقي الذي عاشوه عبر التوثيق وكشف الفيلم أن هناك مسافة شاسعة بين الصورة التي قدمها أحمد زكي والحقيقة التي عاشها السادات، كان المخرج محمد خان يلجأ للحلول المباشرة في تكوين الكادر في اخراج يبدو فيه انه قد انتابته حالة من الاستسهال أو كأنه في مهمة يريد الانتهاء منها بأقل مجهود يذكر.

انه فيلم سينمائي يفتقد روح السينما الحقيقية في تتابعه وفي أدائه، وبالطبع فإننا عندما نجد أحمد زكي يغامر كمنتج بأمواله ويدخل الى السوق السينمائي بهذا الفيلم نشعر بأننا ينبغي ان نحييه على تلك المغامرة التي في العادة لا تقدم عليها الا الدول أو شركات الانتاج الضخمة لكننا في نفس الوقت نرى أن صدق المغامرة وحسن النيات لا يكفي في الابداع السينمائي، ولهذا بقدر ما نحيا المغامرة بقدر ما نشعر بأن النتائج جاءت مخيبة للآمال والتوقعات سواء الذين أحبوا السادات حيا وميتا أو الذين ناصبوه العداء حيا وميتا!!