«الشرق الأوسط» تدخل شقة سعاد حسني

السندريللا في سنواتها الأخيرة: مسرفة.. تميل للعزلة.. حذرة في علاقاتها بالناس

TT

كل الذين دخلوا شقة سعاد حسني بشارع يحيى ابراهيم في حي الزمالك الهادئ لا بد ان ترتسم على وجوههم علامات دهشة كبيرة من ملامح التواضع الشديد الذي تبدو عليه شقة اشهر نجمة سينمائية في العالم العربي.

فشقة سعاد حسني تبدو اقرب الى بيوت الغلابة، اذا قورنت بما يمتلكه نجوم ونجمات اقل منها كثيرا في الشهرة والموهبة والتاريخ.

اثاث الشقة ـ وهي شقة ايجار استأجرتها سعاد حسني بجنيهات معدودات في ايام الرخاء ـ بسيط جدا، بل تغطي عليه وتخطف منه الابصار صورة كبيرة معلقة في المدخل لاستاذها صلاح جاهين الذي كانت تعتبره بمثابة الاب الروحي، والسند والصدر الحنون الذي تلجأ اليه في كل ازمة.

عاشت سعاد حسني في تلك الشقة منذ الستينات واغلب السنوات عاشتها بمفردها مع بعض من يتناوبن على خدمتها والعناية بأمورها.

وطبقا لما يحكيه عم مهدي ـ بواب العمارة التي تقطن بها سعاد حسني ـ لـ«الشرق الأوسط» فإن الفنانة الراحلة كانت تميل الى العزلة، ولا تحب الاختلاط بجيرانها، حذرة جدا في تعاملها خاصة في سنواتها الاخيرة، ضيوفها قليلون جدا، ولا بد ان يصعد مع أي ضيف يريدها الى شقتها حتى يتأكد انها تريده بالفعل.

ويقول انه كانت تمر احيانا ايام طويلة من دون ان تخرج من شقتها أو يزورها احد، ويوم سفرها الى لندن طلبت منه احضار «تاكسي» وحمل حقائبها الى السيارة وودعته بابتسامة حزينة، وكلمات مقتضبة ونظرات زائغة وكأن احساسا خفيا بداخلها يقول انها المرة الاخيرة التي تراه ويراها.

ويروي عم مهدي حكاية طريفة كان بطلها فنان راحل قريبا هو الاخر يوسف فرنسيس فقد حاول الاتصال بها اثناء اعداده فيلم «عصفور من الشرق» ولكنها لم ترد، فجاء الى شقتها وصعدت معه ووضع لها السيناريو امام الباب مع ورقة يرجوها فيها ان تقرأ السيناريو وتبدي فيه رأيا سريعا لانه يرشحها لبطولته.

وبعد انصرافه اخذت سعاد السيناريو وقرأته واتصلت به بعد يومين، مبدية موافقتها على المشاركة.

الفنانة القديرة نادية لطفي اقرب صديقات سعاد حسني تقول ان صداقة عمرها 35 عاما جمعتهما منذ ان بدأ مشوار الفن في عام واحد 1959 هي ـ أي سعاد بفيلم «حسن ونعيمة» وانا بفيلم «سلطان» تقول نادية لطفي ان ابرز ما يميز سعاد هو تلقائيتها الشديدة، كانت صادقة مع نفسها جدا، ولا تفعل الا ما تعتقده وتؤمن به، عزيزة النفس عندها كبرياء مثير «اعرف ان عروضا جاءتها لتجعلها ملكة تنثر الملايين تحت اقدامها ولكنها كانت ترفض وتصر على ان تكون حرة، تنفق على نفسها من مالها وفنها».

كان بيت نادية لطفي هو المكان الذي قصدته سعاد حسني عندما عادت من باريس كانت تقضي عندها اياما تطول لاسابيع هربا من الوحدة القاسية في بيتها وكانت نادية هي الوحيدة التي اختارتها لتتسلم جائزتها عند تكريمها في الدورة الــ 22 لمهرجان القاهرة السينمائي عام 98، الا ان نادية رفضت واصرت على ان يتولى احد اشقائها هذه المهمة، وصعدت جيهان حسني لتسلم الجائزة، وكانت سعاد وقتها في لندن في رحلة العلاج.

كان بيت نادية لطفي هو المرة الثانية التي تغادر سعاد حسني بيتها اليه، المرة الاولى كان اثناء تصويرها فيلم «الراعي والنساء» عام 1990 حيث انتقلت سعاد للاقامة في الطابق العلوي لفيلا تملكها اسرة من اصدقائها المقربين وقضت هناك مدة تزيد على 4 أشهر هي مدة تصوير الفيلم الذي عرض عام 1991.

تزوجت سعاد 4 مرات رسميا الاولى من المخرج صلاح كريم ثم من المخرج علي بدرخان والثالث كان المخرج ايضا زكي فطين عبد الوهاب والزوج الرابع والاخير هو السيناريست ماهر عواد الذي ظل زوجا لها حتى رحيلها.

تقول نادية لطفي ان فشل سعاد في زيجاتها كان امرا متوقعا لانها لم تخلص سوى لزوج واحد فقط هو الفن.

علاقات أسرية وبعيدا عن الاصدقاء لم تكن العلاقة الاسرية بين سعاد واشقائها على ما يرام دائما ربما بسبب العدد الكبير (17 شقيقا وشقيقة) وربما بسبب المعاناة التي مروا بها في الصغر فجعلت كلا يذهب في طريق.

والوسط الفني يعرف ان «جفوة ما» كانت تفصل بين سعاد ونجاة كانت الزيارات والاتصالات بينهما قليلة (اتصلنا بنجاة لكنها رفضت الكلام) وربما تحسنت الامر قليلا مع عدد محدد من شقيقاتها واشقائها، في مقدمتهم جيهان، وعز الدين الذي سافر الى لندن لتسلم الجثمان.

«الدرجة الثالثة»: بداية النهاية سينمائيا كان فيلم «الدرجة الثالثة» ـ في رأي عدد غير قليل من نقاد السينما هو بداية النهاية في مشوار سعاد حسني السينمائي، اذ تسبب الفشل التجاري الذريع الذي مني به الفيلم في اصابتها بصدمة شديدة مع انها كانت تتوقع ـ قبل عرضه ـ اخفاقا ما.

الفيلم من انتاج عام 1988 وشارك في بطولته احمد زكي وجميل راتب وسناء يونس، واخرجه المخرج الشاب وقتها شريف عرفة، الذي اصبح في ما بعد من المع مخرجي السينما المصرية، وابرز مخرجي جيل الثمانينات، وكتب له السيناريو والحوار ماهر عواد الزوج الاخير لسعاد حسني.

ورغم الاحتفاء النقدي بالفيلم الذي جعلت ناقدا مثل كمال رمزي يرى في «الدرجة الثالثة» اضافة لما يمكن تسميته بالواقعية السحرية التي تضم الى جانبه افلاما سابقة عليه مثل «انياب» لمحمد شبل و«سمك لبن تمر هندي» لرأفت الميهي و«البداية» لصلاح أبو سيف. ورغم دفاع شريف عرفة ـ مخرجه ـ المجيد عنه «اننا كنا جميعا نريد عمل حاجة جديدة واي حاجة جديدة لا بد ان يكون لها رد فعل ايجابي وسلبي ولو لم يكن لفيلمنا فضل سوى انه جعل اخرين يخرجون عن الشكل التقليدي ويجربون نفس المفهوم لكفانا، كان لا بد ان نبدأ التجديد ايا كانت الضريبة».

ورغم ان اكبر ناقد سينمائي مصري وقتها سامي السلاموني وصف الفيلم بأنه جاء عملا فنيا ممتعا وراقيا به عناصر ابداع متميزة، اولها قدرة مخرجه على خلق عالم كامل مواز للعالم الواقعي ومعادل له في القوة والبلاغة كذلك تميز عناصر التصوير والاضاءة فيه وتلك المقدرة العالية على تطويع حركة الكاميرا في علاقتها بالشخصيات لتشكل معها وباستخدام اسلوب اداء متجانس نوعا من الكاريكاتور الادائي غير المسبوق على الشاشة والذي لا يمكن للمشاهد ان يخطئة لوضوحه وقدرته على توليد السخرية والفكاهة في كل لحظة بدرجات متفاوتة.

رغم كل ذلك فشل الفيلم تجاريا ولم يبق في دور العرض سوى اسبوعين وهو امر لم يحدث من قبل لاي فيلم من افلام سعاد حسني.

اثناء التصوير ورغم حماس سعاد الشديد للفيلم ولقصته ولافكار مخرجه الشاب الجديد الا ان شيئا ما داخلها ـ بحكم خبرة السنين والموهبة الفطرية ـ كان يقول ان الفيلم لن ينجح ولم تتردد سعاد في اخبار العاملين بالفيلم ان فيه حاجة غلط بل وتوصلت الى هذه الحاجة الغلط عندما قالت «لقد قام الجميع بالتمثيل من منطقة بينما مثلت انا من منطقة اخرى، وكان لا بد ان يتم تناول الفكرة بشكل ساخر وليس بالجدية التي تم تنفيذه على اساسها».

وحاولت سعاد التعويض في «الراعي والنساء» ولم تكن النتيجة مرضية كذلك ولم تستطع ان تتحمل ودخلت في دوامة الاكتئاب والمرض، حتى اطفأت شمعتها الاخيرة بهذه النهاية التراجيدية.