سعاد حسني: قصة 54 عاما مع المرض من حادث «السلم» وهي طفلة الى الانتحار في لندن

TT

* ما اشيع عن رحلة سعاد حسني مع المرض وآلامه، بأنه بدأ اثناء تصويرها فيلم «الدرجة الثالثة» (فيلمها قبل الاخير) أو الحلقات التلفزيونية «هو وهي» (العمل التلفزيوني الوحيد الذي شاركت فيه) ينقصه كثيرا من الدقة. فالصحيح ان رحلة السندريللا الراحلة مع المرض ومتاعبه بدأت قبل ذلك بكثير، وتحديدا في صيف عام 1947 وقتها كان عمر سعاد لا يزيد على 5 سنوات وحدث يومها ان انزلق قدمها من على دوجان سلم بيتها المتهالك، فقد صرخت وتهاوى جسمها الصغير بشدة.

وامام الفقر المدقع الذي كانت تعيشه اسرتها، وامام الاحوال المادية الصعبة، والافواه الــ 20 المفتوحة (عدد اشقائها الــ 17 ووالدها وزوجتيه) كانت الاذان لا بد ان تصم عن صرخات الطفلة الصغيرة النحيلة الجسد فأرغفة الخبز كانت أهم من الدواء ومصاريف العلاج لطفلة بين 17 شقيقا وشقيقة. بل ان الفقر والعوز اضطرا الاب ـ حسني البابا الشامي الاصل الذي يعمل خطاطا ـ ان يجبر ابنته «نجاة» علي شرب «الخل» حتى يوقف نموها خوفا من ان تصل لسن البلوغ سريعا، فيفقد الجنيهات التي تكسبها من الحفلات التي تصعد فيها الى المسرح لتقليد أم كلثوم، كان يظن ان ابنته لن يسمعها احد اذا نضجت ولذلك ينبغي ان تبقى طفلة، مادام الجمهور يريدها هكذا، ويعجب بها هكذا.ولكن امام صرخات الابنة الصغيرة سعاد التي لم تنقطع اضطر الاب لعرضها على طبيب، واجرى لها جراحة ولكن يبدو ان الجراحة لم تكن ناجحة، اذ تركت اثرا كان يسبب لها آلاما.

وبعد نضوجها وعملها بالسينما كانت تخفف الامها بمسكنات كما كانت سنوات الشباب والفتوة عاملا مساعدا في ضياع الآلام سريعا.

ومع تقدم العمر ووهن العظم وبسبب المجهود الضخم الذي بذلته في تصوير الحلقات التلفزيونية «هو وهي» في منتصف الثمانينات خاصة انها كانت حلقات منفصلة تلعب في كل حلقة منها شخصية مختلفة بجانب الاغاني والاستعراضات فقد شعرت بآلام شديدة في الظهر، ولكنها كانت محتملة، سرعان ما بدأت تزول بالمسكنات التي اعتادتها.

وبعدها بعامين ـ وتحديدا في عام 1987ـ تبدأ سعاد حسني في تصوير فيلمها «الدرجة الثالثة» وتبدأ المعاناة الحقيقة مع الالم فأثناء التصوير اصيبت بضغط في الاوعية الدموية وتمزق في الشرايين جعلها تشعر بآلام لا تطاق في القدمين، وتحاملت سعاد على نفسها واكملت التصوير الذي كانت تتغيب عن مواعيده احيانا، وتتهم بـ«الدلع» وكانت تتحمل الاتهامات صابرة حتى لا يعرف احد بمرضها.وتسبب فشل الفيلم ـ جماهيريا ـ في اصابتها بأزمة نفسية ضاعفت من آلامها، ولان علي بدرخان اقرب اصدقائها بعد رحيل صلاح جاهين والذي تزوجته لسنوات واستمرت صداقتهما بعد الطلاق يعرف ان علاجها الوحيد هو «السينما» فقد عرض عليها بطولة فيلم جديد هو «الراعي والنساء» عسى ان يخفف اندماجها في الشخصية والتصوير من آلامها وعسى ان يحقق نجاحا جماهيريا يعوضها عن الفشل ـ الذي لم تعرف طعمه ـ سوى في فيلمها السابق. وكان علي بدرخان متفائلا اكثر من اللازم، اذ عاودتها الآلام وبشكل اكثر قسوة حتى ان الاطباء ابدوا مخاوف من حدوث مضاعفات خطيرة. وبعد انتهاء التصوير اجرت سعاد فحوصات دقيقة اثبتت حدوث كسر في الفقرات القطنية السفلى بالعمود الفقري، واكد لها طبيبها المعالج ضرورة اجراء جراحة عاجلة، ونصحها بالسفر الى باريس ليتولى اجراء الجراحة البروفيسير «دواكامي» اكبر المتخصصين في جراحات العمود الفقري، والذي سبق ان عالج النجمة شريهان بعد حادث التصادم الشهير. وبعد اتصالات اكتشفت سعاد ان اجر البروفيسور وتكاليف المستشفى اكبر من امكانياتها المادية فاضطرت لان تبحث عن جراح ومستشفى اقل تكلفة فكان البروفيسور سينيه لوي ومستشفاه في مرسيليا. وكان على سعاد ان تقضي فترة نقاهة طويلة بعد الجراحة تخضع فيها لجلسات العلاج الطبيعي لكن اموالها نفذت واضطرت للعودة لاستكمال علاجها في مصر.

وفي تلك الاثناء ازداد وزن سعاد بصورة مفزعة جعلها في شبه عزلة لانها كانت ترفض ان يراها احد في هذه الصورة وهي التي اعتادت ان يتغزل الناس في قوامها وجمالها.

وبعد العودة من فرنسا بدأت سعاد رحلة علاج علي يد د. عبد الحميد كابشي استاذ الروماتيزم والعلاج الطبيعي، الذي يمتلك عيادة خاصة تطل على ميدان لاظوغلي بوسط القاهرة.

«الصورة» الجديدة المزعجة التي اصبح عليها جسد وملامح سعاد حسني والتي لا تتناسب مع اللقب الذي منحه لها الجمهور «السندريللا» جعلتها تتبع اجراءات صارمة في ذهابها لعيادة الدكتور كابشي وتلقيها للعلاج، فقد كانت تضع على عينيها نظارة سوداء سميكة وتذهب في وقت متأخر قبل منتصف الليل بعد ان تكون قد تأكدت ان العيادة خالية تماما، الا من صاحبها وممرضة خاصة اختارتها من بين ممرضات العيادة كانت جلسات العلاج تتم 3 مرات اسبوعيا (الاحد والثلاثاء والخميس) وفي كل مرة لا بد من التأكد من الاجراءات الامنية، حتى انها كانت تستعين بسيارة تاكسي تطمئن لسائقها وترسله الى العيادة للتأكد من أن كل شيء على ما يرام قبل صعودها.

وحدث ان اصيبت سعاد بعد عودتها من فرنسا بنزلة برد حادة تسببت في مضاعفات شديدة فقد كان التقرير الطبي للدكتور كابشي يشير الى اصابتها بالتهاب في العصب السابع، اثر على اعصاب نصف وجهها الايسر.

ولم تستجب سعاد للعلاج وصارحها طبيبها المعالج بأن عليها ان تعاود السفر لاجراء جراحة جديدة في العصب السابع وأن التأخير قد يؤدي الى اصابتها بشلل، وحزمت سعاد حقائبها واختارت لندن هذه المرة.وفي عاصمة الضباب بدأت سعاد حسني رحلة علاج طويلة زاد من قسوتها قرار غريب بتوقف علاجها على نفقة الدولة، بدعوى تجاوز المبالغ التي صرفت لها حسب اللوائح، وان علاجها موجود في مصر، والامر لا يستدعي اقامتها في لندن.

وعلى نفقتها الخاصة اقامت سعاد بعد «العملية» في مصحة خاصة بلندن للعلاج الطبيعي، وحتى تتمكن من النزول بوزنها الى الحد المعقول والمقبول، وقبل شهرين من رحيلها غادرت سعاد المصحة لتقيم عند صديقة لها ـ مصرية الاصل تمتلك شقة في برج «ستيوارت تاور» بمنطقة ميدافيل الهادئة بالعاصمة البريطانية. وكان من الواضح ان العلاج لم يأت بالنتيجة التي تمنتها، وانها تريد ان تضع نهاية لآلامها الطويلة التي لازمتها وهي ابنة خمس سنوات حتى ولو كانت نهاية مأساوية فقد كان يكفيها 54 عاما من الآلام.