شاعر المليون: تناقض لجنة التحكيم يفاجئ الجمهور في حلقته الثانية

سلطان العميمي لـ «الشرق الأوسط» : الاختلاف صحي وفي صالح البرنامج.. ونقد الشعر يخضع لنظريات عدة

الشاعر العراقي حازم التميمي يقوم بإختيار أسماء الشعراء الثمانية المشاركين في الحلقة المقبلة («الشرق الأوسط»)
TT

فاجأت لجنة التحكيم في برنامج شاعر المليون، في نسخته الثانية متابعي البرنامج، سواء أولئك الحاضرين في مسرح الراحة أو خلف شاشة أبوظبي الفضية، عندما شهد تقييم اللجنة للشعراء تناقضا أضفى علامات استغراب كبيرة على كيفية هذا التباين في النقد الشعري للقصيدة ذاتها. وشهدت الحلقة الثانية من «شاعر المليون» تناقضا واضحا بين رأي لجنة التحكيم في القصيدة الواحدة، وإذا كان من الممكن أن يكون هذا التباين في الرأي يسجل لصالح موضوعية اللجنة، فإن اختلاف نقد القصيدة الواحدة بين أعضاء اللجنة، كان يشير إلى وجود مجاملات بين أعضاء اللجنة في تقييم قصائد الشعراء.

فحين حل المتسابق السعودي ناصر الدويش المطيري، أحد المتسابقين الثمانية في هذه الحلقة، على المسرح وألقى قصيدته، كانت المفاجأة حاضرة في أسلوب تقييم القصيدة بين أعضاء لجنة التحكيم، فحين حازت القصيدة، التي كانت مدحا في إحدى الشخصيات العامة، على إعجاب ومدح عدد من أعضاء اللجنة، فاجأ الأعضاء الباقون في لجنة التحكيم الجمهور بوصفهم القصيدة بأنها «ضعيفة» ولا ترقى للمستوى الذي تنتسب له بقية المشاركات. وفي الوقت الذي اعتبر عضو اللجنة تركي المريخي القصيدة «نصاً جميلاً يستحق الإشادة»، رأى العضو الآخر باللجنة سلطان العميمي أن النص «لا يحمل شعراً انما حمل المعنى الذي كان يبحث عنه الشاعر فقط»، وذكر الدكتورغسان الحسن بأن النص أشبه بالخطاب المباشر «الخالي من أي شعر»، بل ان عضو اللجنة بدر صفوق قال في تقييمه لو أن هذه القصيدة قدمت للجنة في التصفيات التمهيدية لما أجازت الشاعر للمشاركة في البرنامج.

وتأكيدا للتباين في تقييم اللجنة، تم استبعاد الشاعر من المنافسة على التأهل من ضمن المتنافسين الثمانية، وكان هو الوحيد الذي استبعدته اللجنة باعتباره الأضعف بين المتسابقين، بينما رأى بعض أعضاء اللجنة نفسها أن قصيدته «جميلة وتستحق الإشادة».

هذا التباين، وفي الوقت الذي يسجل للبرنامج كونه يضفي الكثير من المصداقية لتقييم اللجنة للشعراء، إلا أنه وفي الوقت ذاته يفتح باب التساؤل حول كيفية أن تكون ذات القصيدة ضعيفة وفي نفس الوقت تحوز على إعجاب أعضاء اللجنة، خاصة أن الشعر عموما، والشعر النبطي بوجه خاص، له من المقومات الشعرية ما لا يمكن أن يحدث معها هذا التباين بالصورة التي شهدتها الحلقة الماضية.

غير أن سلطان العميمي عضو لجنة التحكيم في شاعر المليون قال لـ«الشرق الأوسط» ان اختلاف المدارس الشعرية يشابه اختلاف المدارس النقدية، مضيفا «أن النقد جزء منه يعبر عن الذائقة وهو قناعات شخصية».

واعتبر العميمي أن هذا الاختلاف صحي وفي صالح البرنامج، «هل تريدون أن يكون هناك اتفاق لصالح القصيدة». وزاد «هذه وجهات نظر مختلفة بين أعضاء لجنة التحكيم تصب في صالح البرنامج»، مشيرا إلى أن هناك نظريات مختلفة في المدارس الشعرية بحسب تلقي القصيدة نفسها «ومن أبرز هذه النظريات نظرية اسمها المتلقي».

وكانت الحلقة الثانية قد شهدت تنافساً حادا بين الشعراء الثمانية، الذين تم اختيارهم عن طريق القرعة بالحلقة الماضية، وسط حضور عدد كبير من محبي الشعر النبطي، كما حضرت المطربة أريام، التي غنت أغنيتين بعنوان «انت الهوى الباقي»، والأخرى بعنوان «انت مرادي». لكن من دون وجود فرقة موسيقية، ولم يستطع الجمهور الحاضر بالمسرح التفاعل مع المطربة، باعتبار أن الأغاني كانت مسجلة ولم يكن دور المطربة سوى التمثيل بأنها تغني.

وشهدت الحلقة حضور الشاعر العراقي حازم التميمي، أحد متسابقي المرحلة الأخيرة من مسابقة أمير الشعراء في دورتها الأولى، وقام باختيار أسماء الشعراء الثمانية المشاركين في الحلقة المقبلة عن طريق القرعة، وهم فالح بن قشعم الهاجري (الكويت)، فليح الجبور الصخري (الأردن)، سعد مرزوق الأحبابي (الإمارات)، عقاب الربع الشمري (السعودية)، ناصر الفراعنة (السعودية)، ثنيان سرور الرشيدي (السعودية)، خالد الحميداني المطيري (السعودية)، عيضة السفياني (السعودية).

واستهلت الحلقة الثانية من المسابقة بالشاعر خالد محمد العتيبي (السعودية) والذي ألقى قصيدة جمع فيها الماضي بالحاضر وقام من خلالها بمدح الرسول الكريم، وعلق الدكتور غسان قائلا: على القصيدة، إن نصها جميل ليس في فكرته فقط، وإنما في بنائه الفني، وأن الشاعر عندما تحدث عن الماضي الذي كان فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حاضراً، استخدم الأفعال الماضية، بينما عمل على تثبيت المكان وعندما انتهى الماضي ذهب للحاضر مع الفصل بين الزمنين. وتساءل حمد السعيد، هل هناك نص أجمل من قصيدة المتسابق في مدح الرسول الكريم؟ في إشارة إلى حسن فكرة النص والبداية الجميلة له.

وقال سلطان العميمي: إن النص جميل واستطاع المتسابق بذكائه مزج الفخر واستحضار التاريخ والرثاء وتضمن مقدمة رائعة بالبحث عن عروس القصائد، كما يوجد تسلسل جميل بالقصيدة وتوظيف المفردة في الافتخار بالوطن واستنهاض الهمم، إضافة إلى تمكن المتسابق من أدواته الشعرية. وأشاد كذلك بالبيت الأخير والذي يشتمل على تصوير رائع لليتم والذي يعني الفقد في مقابل العطاء الذي منحه هذا اليتيم للدنيا.

وقال تركي المريخي: إن النص تميز بعنصرين، الأول كان الوعي في النص، والثاني النضج، والذي يدل على خبرة الشاعر. وأشار المريخي إلى عناصر أخرى تميز بها النص ومنها اللغة والصور والفكرة إضافة إلى قوة إلقاء المتسابق.

ثم ألقى المتسابق خلف مشعان العنزي (السعودية) قصيدة أشار فيها إلى افتخاره بذاته ووصف نفسه بعمرو بن كلثوم هذا الزمن، وتفاعل الجمهور مع قصيدته وقال حمد السعيد: إن النص جميل ويدل على جزالة الشاعر، رغم الأنا الواضحة بالقصيدة والتي يستحقها المتسابق (على حد وصفه)، واتفق معه سلطان العميمي في افتخار المتسابق بالذات الشعرية وأضاف: هناك صورة مباشرة في البيت الأول بالقصيدة، كما يوجد العديد من الإضاءات الشعرية وهناك المحسنات البديعية كالجناس والطباق، وقال: إن المتسابق استطاع كذلك توظيف العديد من الأمثال، وعمل على قلب بعضها للتأكيد، كما اعتمد على بعض التعابير العامة، وذكر بدر صفوق، أن النص يحمل تحديا للذات قبل تحديا الآخرين مما يدل على تلويح الشاعر بأدواته الشعرية وتوظيفه للأمثال.

وتلاه الشاعر خلفان الحارثي (عمان) والذي فاجأ الجمهور بتشبيه قصيدته بالقنبلة، وقال عنها سلطان العميمي: إن نصها وجداني وعاطفي وبه «كم» جيد من الشعر وتناول العشق مع ربطه بالهم وسوء الحظ.

وأشاد العميمي بالمفردات التي استخدمها الشاعر بالنص رغم محدوديته، مما حرم النص من الثراء اللغوي. كما أن الشاعر أكثر من الأساليب الشرطية، واختتم حديثه بوصف النص بالهادئ رغم تشبيه الشاعر له بالقنبلة في البيت الأخير.

وأشار بدر صفوق إلى حرص الشعراء العمانيين على الجنح تجاه الصورة الشعرية، والقصيدة بها صوت للمعاناة الشخصية، كما أن الشاعر استطاع توظيف مفردة «حلقة المنزلة». وقال تركي المريخي: إن الشاعر اعتمد على طرح السؤال في قصيدته لكن الإجابات تثير الأسئلة، وبالتالي كان التفاعل مع النص أكثر.

وأشار الدكتور غسان الحسن إلى أن النص ينتمي للمدرسة العمانية من حيث اللغة التي تقترب من الفصحى، وهناك مقارنات منطقية وتميزت القصيدة بالانسيابية.

رابع متسابقي الحلقة، كان راشد فرحان البلوي (السعودية) وقال بدر صفوق: إن نصه يأخذ بُعدا عاطفيا ويشير إلى معاناة الشاعر ويتراوح ما بين متوسط وجيد، غير أن البيت الأول من القصيدة تم تناوله عند العديد من الشعراء كما أن الشاعر بدأ قصيدة ثانية داخل النص وهذا يدل على المدرسة التقليدية الراسخة عند الشاعر.

وأشار تركي المريخي إلى جمال النص وتمكن الشاعر من توصيل ما يريده من خلال الكتابة بالإحساس، أما الدكتور غسان الحسن وصف القصيدة بالمباشرة في المعنى إلا ان السرعة في إلقاء الشاعر لم تخدم القصيدة كذلك كثرة «الحشو» وتكرار المعاني بصور مختلفة وبكلمات لم تخدم القصيدة.

وأشاد حمد السعيد بالنزعة التقليدية عند الشاعر، وقال سلطان العميمي: اتسمت القصيدة بغرضين هما الشعر والعاطفة، وانتقل الشاعر من المعاناة العامة إلى المعاناة الخاصة وهي العاطفة كما تفوق الشاعر في الغرض العاطفي عن الغرض الشعري.

تلاه المتسابق ناصر الدويش المطيري (السعودية) والذي ألقى قصيدة مدح في الأمير سعود بن محمد، وتحدث تركي المريخي عن صدق المتسابق في وصف الممدوح بالطيبة والكرم، وقال عنها الدكتور غسان الحسن إنها أقرب إلى الخطبة وليس بها شعر ويجمعها المعنى وبها وزن وقافية أتقنهما الشاعر، واتفق معه سلطان العميمي وقال النص تقليدي جداً ولا يرتقي للمستوى من حيث الكم الشعري، ويشبه الخطاب المباشر كما ان جهد الشاعر جاء في اختيار كلمات وأوزان وقافية بعيدة عن الشعر، وأضاف بدر صفوق: أن الشاعر لم يأت بجديد في القصيدة.

وألقى المتسابق السادس ناصر محمد العازمي (الكويت) قصيدة تحدث فيها عن النفس البشرية وقال عنها الدكتور غسان الحسن، ان موضوعها جديد وقلما يتطرق إليه الشعراء، حيث تحدث عن نفسه وهو في الحقيقة يتحدث عن كل النفوس البشرية، والتي يتصارع فيها الخير مع الشر، وقال حمد السعيد: إن النص به تجسيد لتجارب الشاعر الحياتية واعتراف في البيت الأخير بأن الإنسان يخضع لمغريات الشيطان.

وأكد سلطان العميمي على أن النص مزج بين البوح الذاتي ومحاسبة النفس، وقام الشاعر بتطعيمه بعدد 12 بيتا من الحكمة، وتتضح محاسبته للنفس إضافة إلى أن المتسابق يملك رؤية كُلية واحدة للموضوع من خلال مجموعة من المشاهد، وذكر بدر صفوق، أن النص صوفي في ميزانه الشعري وعمل على محاسبة النفس، أما تركي المريخي فقال، يتضح اعتماد الشاعر على الأمثال الشعبية في أكثر المواقع.

وألقى المتسابق نزهان ركاد الشمري (سورية) قصيدة بعنوان «بوابة الغد» قال فيها حمد السعيد ان نصها مليء بالرمزية، وموضوع القصيدة أجبر الشاعر على ذلك كما احتوت القصيدة على «بطانة» ببعض الأبيات التي قد يكون بعضها مبهما.

وأضاف سلطان العميمي أن النص يبدو من خلاله تمكن الشاعر من أدواته الشعرية، وترميزه لموضوع قاده إلى هذه الرمزية، غير أن الإغراق في الرمزية لم يخدم النص من حيث توصيله للمستمع.

وقال بدر صفوق: إن القصيدة تلقي بالكثير من علامات الاستفهام وتدفع المستمع للتفكير في الإسقاطات السياسية والتأثير الفكري على المجتمع. وأشار تركي المريخي إلى رمزية النص وعدم توضيح الشاعر لبعض الإجابات.

وقال الدكتور غسان الحسن: إن هناك كثافة شعرية عالية في المعنى والتعبير، وهناك غموض يعاب على النص وهو أمر مقصود ولو فرض المعنى ذلك... لا بأس به خاصة لو كان الموضوع يستحق ذلك، وهذا من المدارس الشعرية الحديثة.

وأشار إلى أن الشاعر ذكر حرف الدال بطريقة مشددة في القافية النهائية إلا انها أخفقت معه في موضعين بالقصيدة، واختتم نقده بأن الشاعر استدعى الماضي وأسقطه في جمالية أخرى.

واختتمت الحلقة بالمتسابق هزاع بن عبدالله الشريف (الإمارات) والذي ألقى قصيدة بعنوان «آلام.. أدبية» وقال سلطان العميمي: إن عنوان القصيدة يضع تبريراً لصوت الحزن، والنص يتكون من جزءين، النصف الأول فيه سوداوي، والنصف الثاني فيه تفاؤل وحب للوطن، وهو الجزء الأقوى في لقصيدة ولغته الشعرية جميلة والأبيات ذات مستوى تفاعلي.

وخاطب العميمي المتسابق بأن الأخذ بالتقدم الجيد أمر غير صعب في ظل التمسك بالهوية العربية. وأشار بدر صفوق إلى ذكاء الشاعر، حيث تضمن البيت السادس عشر دروساً ما يجب أن يكون عليه الشعر، ثم انتقال الشاعر إلى التعامل مع جو المسابقة والمنافسة أما بقية الأبيات تضمنت الشاعرية.

وفي نهاية الحلقة أعلنت لجنة التحكيم قرارها باستبعاد الشاعر ناصر اللويش المطيري (السعودية) وتأهل المتسابقين خلف مشعان العنزي (السعودية) والمتسابق هزاع بن عبد الله (الإمارات)، في حين يدخل الخمسة الباقون مرحلة تصويت الجمهور بعد حصولهم على تقييم اللجنة، وهم نزهان ركاد الشمري (45%)، ناصر العازمي (42%)، راشد البلوي (29%)، خلفان الثاني (34%)، خالد العتيبي (42%).