أنهار وبرك

هناء العمير

TT

خطر في ذهني وأنا أنظر إلى قائمة الأفلام التي رشحت لمسابقة الكرة الذهبية والمرشحة الآن للأوسكار، ما يتردد حول أن مشاهدة الأفلام الغربية باستمرار تفسد في كثير من الأحيان مشاهدة الأفلام العربية، لأن الفارق الفني كبير. وكان أول ما لفت نظري في أفلام هذه السنة هو أنها تعكس الانفتاح الذي تتميز به هوليوود والبحث عن الجديد والمختلف. القيمة العليا هي للابداع أيا كانت الثقافة التي ينتمي إليها أو الحكاية التي يرويها، حتى وإن كانت الحسابات التجارية موضوعة في الاعتبار. فها هي رواية الأفغاني خالد الحسيني تتحول إلى فيلم وبممثلين؛ معظمهم من أصول آسيوية، ومنهم أفغان وإيرانيون؛ كما تحول كتاب سيرة ذاتية لمؤلف فرنسي أيضاً إلى فيلم آخر من انتاج أميركي. وهناك الفيلم الكرتوني للمخرجة الإيرانية مريجان ساترابي. وها هو الممثل الإسباني خافيير بارديم حاضر السنة في فيلم أميركي، بل وينافس على جائزة أحسن ممثل مساعد. عندما يصبح الابداع الفني والجديد هو الهوية، وهو الثقافة المطلوبة، وهو المعيار الأول الذي يضعه صانعو السينما والقائمون عليها، تكون النتيجة هي دوام التميز والاستمرار. ولذا، فها نحن أمام نهر متدفق من الانتاج السينمائي يصب شلالات من جمال أخاذ. وهذا بعيد جداً عما نحن عليه في عالمنا العربي، حيث لا أحد يحفل بأكوام الروايات التي أفنى روائيونا حياتهم وهم يكتبونها، وتنغلق كل دولة على مبدعيها، بل ومن النادر جداً أن نرى أعمالا يشترك فيها فنانون عرب نصاً وإخراجاً وتمثيلاً وتصويراً. وعلى العكس من ذلك، فمن يتخطى حدود دولته، كما سبق أن حدث في حالات قليلة، قوبل بعواصف من الغضب؛ بدلا من أن تفتح له الأبواب ليثير حراكاً يكفل لها الديمومة. وإذا بأجوائنا الفنية تركد وتتحول إلى برك آسنة. من الصعب أن تنهض الدول العربية بفنونها، إلا إذا جعلت همها الأول هو الموهبة الفنية وبحثت عن الإبداع من مصادر مختلفة مرحبة بما يستلزمه من تنوع وتجديد. المشكلة ليست في وجود المواهب، ولا في توفر الإبداع؛ المشكلة هي في فتح الأبواب والآفاق أيضاً.

[email protected]