الأفلام الروائية والتسجيلية في مهرجان القاهرة السابع للإذاعة والتلفزيون: لآلئ قليلة.. وأصداف كثيرة

علي أبو شادي

TT

يظل مهرجان القاهرة للاذاعة والتلفزيون الذي يعقد سنوياً بمدينة القاهرة، مناسبة هامة لمتابعة وتقييم أداء أجهزة الاعلام العربية، سواء الموجودة على أرض عربية أو تلك التي تبث برامجها من أراض أجنبية، حيث تتنافس مئات الأعمال المرئية والمسموعة في مختلف المحطات التلفزيونية والاذاعية من مسلسلات وبرامج وأفلام بالاضافة إلى البرامج الموجهة للطفل والاعلانات والنشاطات الموازية من ندوات اعلامية وهندسية لمناقشة ابرز القضايا المعاصرة بالاعلام العربي، كما تتضمن فعاليات المهرجان «سوقاً» يعمل على ترويج الأعمال التي تنتجها المؤسسات وشركات الانتاج الرسمية والخاصة، و«معرضاً» يتيح لزواره من المتخصصين وغيرهم الاطلاع على أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الاتصال.

يوم الاثنين الماضي بدأت فعاليات الدورة السابعة للمهرجان والذي يستمر حتى غد السبت. وقد أقيم المهرجان هذا العام بأرض مدينة الانتاج الاعلامي، وشارك في لجان التحكيم عشرات الفنانين والفنيين والمثقفين والاعلاميين والنقاد من المصريين والعرب. ويرأس هذه الدورة المهندس عبد الرحمن حافظ، رئيس اتحاد الاذاعة والتلفزيون السابق، ورئيس مدينة الانتاج حالياً.

وبلغت الأعمال المشاركة في هذه الدورة ـ اذاعياً وتلفزيونياً ـ ما يربو على تسعمائة عمل من معظم الدول العربية والمحطات الخاصة، وهو ما يعكس الاهتمام المتزايد بالمهرجان وادراج أهميته كانعكاس لواقع ما تبثه المحطات والاذاعات على مدار أربع وعشرين ساعة يومياً باعتبارها العنصر الأساسي والمؤثر في تكوين الوجدان، والرأي العام العربي، وتقييم مدى ملاءمة ذلك الانتاج للظروف والملابسات والأحداث التي يعيشها الانسان العربي داخل الوطن أو خارجه.

تنقسم مسابقات الانتاج التلفزيوني هذا العام إلى ست مجموعات بالاضافة إلى مسابقة المهرجان الخاصة لأفضل برنامج تسجيلي يدور حول مدينة القدس، والمجموعات الست هي الدراما والبرامج والأفلام والأطفال والاعلان مع المنوعات والاستعراضات والأغاني.

وإذا كانت المحطات تبدي اهتماماً متزايداً بالدراما من مسلسلات وتمثيليات وبرامج المنوعات والبرامج الاستعراضية والأغاني المصورة (فيديو كليب) كما تركز إلى حد كبير في مجال الاعلان سواء التجاري أو اعلان الخدمة العامة، فإن هناك تقصيراً ملحوظاً في برامج الأطفال وفي انتاج الأفلام التسجيلية والروائية الطويلة.

شارك في مسابقة الأفلام في هذه الدورة 63 فيلماً تسجيلياً وثلاثة عشر فيلماً روائياً من ثماني عشرة دولة عربية هي المغرب وتونس والجزائر وليبيا ومصر وفلسطين والسعودية واليمن وسلطنة عمان والكويت والبحرين والأردن ولبنان وسورية والعراق والامارات (دبي والشارقة). ووفقاً للائحة فإن كل محطة أو قطاع أو شركة يحق لها المشاركة في المسابقة بما لا يزيد عن ثلاثة أعمال مع اشتراط ألا تقل مدة الفيلم الروائى عن 75 دقيقة، وهو ما حجب كثيراً من الأعمال التي كانت تستحق التسابق والعرض، ذلك أن هذا الشرط يعني تغييب الفيلم الروائي القصير، رغم أهميته، ورغم أنه أحد المهام الرئيسية في عملية الانتاج التلفزيوني، فهو اضافة إلى أنه وسيلة أساسية في اكتساب الخبرات والمهارات في مجال الفيلم الروائي، فإن المحطات والتلفزيونات الحكومية وغيرها هي التي أصبحت المكان الوحيد تقريباً، لانتاج مثل هذه النوعية، التي تعد نوعاً فنياً معادلاً ومساوياً للفيلم الروائي الطويل، شأن القصة القصيرة والرواية، فكلاهما نوعان أدبيان متوازيان وضروريان في ذات الوقت.

تبوأت القضية الفلسطينية وأعمال الانتفاضة والصراع العربي ـ الاسرائيلي مركز الصدارة في اهتمام فناني السينما التسجيلية سواء في فلسطين أو مختلف انحاء الوطن العربي، وتراوحت الأعمال التي تعرضت للجوانب المختلفة من الصراع بين الاكتفاء بتكرار الصور والمعلومات، وهي الغالب الأعم، فجاءت متواضعة فنياً واعلامياً، وبين محاولات بعض الفنانين بالبحث عن صيغ وأشكال جديدة، وطرح رؤى متجددة سواء من خلال المادة الوثائقية المتاحة أو من خلال التصوير المباشر للواقع والوقائع.

ورغم تواضع المستوى العام للأفلام التسجيلية في هذه الدورة، وغياب الأعمال اللامعة، إلا أن هناك بعض الأعمال المتميزة التي استطاعت، باجتهاد مخرجيها، أن تبدو مختلفة إلى حد ما، مثل فيلم «اغتيال أحلام صغيرة ـ محمد الدرة» من اخراج اياد قاسم وانتاج محطة M.B.C، و«انتفاضة الأقصى» اخراج لنا شاهين و«القتلة» لخالد السويركي، و«عودة» لاياد الداود ـ الأردن، و«رسائل فلسطينية» لأحمد عبد التواب من قطاع القنوات المتخصصة في التلفزيون المصري. وتشترك هذه الأعمال في تعاملها المباشر مع القضية الفلسطينية وتاريخ الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وهو ما نجح فيه مخرج «رسائل فلسطينية» الذي استطاع أن يحذر، من خلال التعليق الواعي، وطوابع البريد التي صدرت في فلسطين منذ بداية القرن العشرين، وأن يقدم تاريخ الصراع وانعكاساته الفعلية والرسمية على بيانات الطوابع التي بدأت باسم فلسطين كبيراً، باللغتين العربية والعبرية إلى أن أصبح فلسطين بالعربية وفلسطين أرض اسرائيل بالعبرية حتى اختفت فلسطين تماماً، كما نجح اياد الداود في «عودة» في أن يتابع بوعي ودأب عمليات تشريد الفلسطينيين في العديد من المخيمات في الدول العربية المجاورة. وقدم خالد السويركي فيلماً مؤثراً عن جريمة قتل الرضيعة الفلسطينية ايمان حجو بأيدي القوات الاسرائيلية، وبرع اياد قاسم في «محمد الدرة» في اعادة خلق، وتنظيم وقائع اغتيال الصبي محمد الدرة عبر حوارات تمت في ذات مكان الاغتيال مع المصور طلال أبو رحمة الذي صور الواقعة والمصورين الذين صوروا طلال أثناء تصويره وكيف قامت القوات الاسرائيلية بتدمير المكان الذي ظهر في الصور.

بعيداً عن الأوضاع السياسية الساخنة يعود المخرج المصري علي الغزولي إلى عالم الطفولة فيصور معرضاً لابداعات الأطفال من مختلف أنحاء العالم الذين يقدمون مستوى رفيعاً في التصوير، يقدم له الغزولي معادلاً بصرياً رقيقاً لكنه يسقط في شرك المقارنة الساذجة بين الواقع وابداعات الأطفال. كما لم تستطع المخرجة المتميزة سميحة الغنيمي في «قصر القبة» مجاراة أعمالها السابقة فجاء الفيلم بديعاً شكلياً خالياً من الروح واتسم فيلم «الخليل» من انتاج التلفزيون الفلسطيني واخراج هاني مخربان بنقص الوعي وضيق الأفق في طرح قضية الصراع العربي ـ الاسرائيلي وتحويله، ربما من دون وعي، إلى صراع يهودي ـ اسلامي، وهو نفس الخطاب الصهيوني المراوغ، رغم أن «الخليل» بعيداً عن هذه النقطة، واحد من الأفلام الوثائقية الهامة التي توضح كيف يتم تهويد مدينة.

ويشترك التونسي عبد المجيد الجلولي في «طنارة سيدي داود»، والمصري عز الدين سعيد في «البرلس» في اختبار منطقتين متشابهتين احداهما في تونس (سيدي داود) والأخرى في مصر (منطقة بحيرة البرلس)، فيقدم عز الدين سعيد عملا شاعريا عن المكان وأهله مستخدماً ومازجاً في ايقاع لاهث، بين تكنيك الفيديو كليب والاعلانات والرؤية التسجيلية، بينما يقدم الجلولي جهداً تسجيلياً مميزاً عن عملية صيد سمكة «التون» متابعاً عمليات الصيد تحت الماء ومصوراً الصراع بين السمكة والصيادين، مستخدماً لغة فنية متناسقة تماماً مع موضوعه وايقاع متصاعد يفصح عن مخرج متمكن من أدواته.

واذا كان عبد السلام شحاتة ـ فلسطين ـ يركز على عمليات العنف ضد المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال، فان فيلم محسن العلي عن أطفال العراق والتماعة الأغنية التي لحنها نصير شمة وادتها فريدة محمد علي، كان صرخة في وجه الانسانية اللاهية، ومؤثراً بدرجة كبيرة.

عشرات الأعمال التسجيلية الأخرى لاكت موضوعات متشابهة مكررة ضعيفة فنياً مما يعد جرس انذار لوضع السينما التسجيلية المتردي وينبه المسؤولون لضرورة الاهتمام بهذا النوع من السينما الذي يعد في أبسط صوره أحد وجوه ذاكرة الأمة.

لم يكن الفيلم الروائى بأحسن حالاً من الأفلام التسجيلية فالأعمال المعروضة معظمها متهافتة تتعامل مع موضوعات تقليدية، لكن قلة الأعمال أيضاً تعكس عدم اهتمام مماثل من جهات الانتاج، فلا يكفي وسط كل هذه المحطات والقطاعات والدول ألا يزيد الانتاج عن 13 فيلماً في العام الماضي، رأى أصحابها أنها تستحق التسابق، من بينها أربعة أفلام من مصر هي «العاصفة» لخالد يوسف و«الحب مسرحية من ثلاثة فصول» لخالد الصاوي و«لحظات حب» ليوسف أبو سيف و«ولا المواعيد»، واثنان من المغرب «جذور الأركان» لعباس فراق و«الملف الأزرق» لمحمد لطفي، واثنان من سورية «حكاية حلم» لفراس دهني و«الغريب»، وواحد من فلسطين «وهات يابحر» اخراج صلاح القدومي، وواحد من تونس «عسل ودفلة» اخراج المنصف اللطيف، وواحد من ليبيا «العاصفة» اخراج حسن الصيد.

وإذا كان بعض هذه الأعمال لا يرقى إلى مستوى التسابق في المهرجان فان البعض الآخر ـ القليل ـ قد يستحق المناقشة مثل «حكاية حلم» السوري، الذي لولا ارتعاشة كاتبه ومخرجه وخوفهم من الرقابة لكان للفيلم شأن آخر حيث يعالج مشكلة الخوف الداخلي وعمليات التنازل والتفريط التي تؤدي دائماً إلى تنازل وتفريط جديدين، ويؤكد ـ ، من خلال حكاية بسيطة ـ أن من يفرط في حقه في مسألة صغيرة سوف ينتهي دائماً إلى ضياع حقه في ما هو أكبر. حيث سرقت دراجة بطله ـ أو حلمه ـ لكنه رغم معرفته بالسارق لم يقاومه ولم يسع إلى انتزاع حقه إلى أن يفقد ابنته الصغيرة ـ حلمه الثاني. وعلى حين يأتي «العاصفة» الليبي هزيلا جداً.. فإن «العاصفة» المصري الذي شارك التلفزيون المصري في انتاجه، يأتي صرخة في وجه الواقع العربي المتشرذم الذي يصل حالياً إلى مرحلة اقتتال الاخوة، من خلال لغة سينمائية تتسم بالرصانة وخطاب سياسي قوي، وان بدا زاعقاً في بعض الأحيان.

ويناقش «عسل ودولة» التونسي احدى المشكلات الاجتماعية التي تنتج عن الطلاق، حيث يكبر الاخوة دون تلاق أو تعارف، من خلال بناء تقليدي على عكس تجربة خالد الصاوي ـ مصر ـ في فيلمه التجريبي المغامرة «الحب مسرحية من ثلاث فصول» والذي يحمد لقطاع النيل للقنوات المتخصصة انتاجه، ومنح المخرج المسرحي والممثل خالد الصاوي الفرصة لتقديم عمل يحمل قدراً كبيراً من الجدية والاجتهاد في مجال الخروج من التقليد إلى التجريب، ربما لم يستطع الامساك كاملاً، بخيوط الدراما. وعجز ـ أحياناً ـ عن توفير وسائل لتعميق رؤيته، وجاءت سخريته غليظة أحياناً أخرى لكنه في النهاية كان يملك شجاعة الاقتحام والمغامرة.

وتعود نادية رشاد، كاتبة وممثلة، ويوسف أبو سيف، مخرجاً، في «لحظات حب» لتقديم دراما، نسائية، عن أنانية الأزواج، عبر رؤية مسترجعة من أجل النهاية السعيدة.