الأغنية الوطنية اللبنانية موضة تعيش في «بيت العنكبوت»

الفنانون: لسنا بحاجة إلى حرب لإطلاق هذه الأعمال .. وأغاني تحرير الجنوب أداء مصطنع وكلام ضعيف

TT

تكاد الاغنية الوطنية تتلاشى مع مرور الايام، او انها تتحرك في المناسبات ومع تطور الاحداث والذكريات الوطنية، لتصبح «موضة» يتنافس عليها الفنانون الجدد في خط متشابه ومضمون مستهلك، فتملأ اذاننا وعيوننا عبر الاذاعات والتلفزيونات على مدار يوم كامل، وما تلبث العاصفة ان تهدأ لنعود الى معان اخرى عاطفية سطحية. كما تشهد الساحة غياباً لرموز الاغنية الوطنية او تغييراً في اللون الذي يؤدون بالتدريج.

... اغان كثيرة توالت في اعوام الحرب اللبنانية، كما في الحروب العربية لتشكل سلاحا موازياً وتعبر عن حس عربي عميق وتعبئ الشباب وسط انغام «الوطن الاكبر»، الى اناشيد زادتهم حماسة وانتماء لوطنهم ونقلت شعوراً بالوجع عبر اقلام كبار الشعراء في الوطن العربي. الا ان تلك الحالة من التعبئة وقعت اليوم في براثن «بيت العنكبوت» الذي يضم المساحة الفنية الراهنة وسط خيوط متشابكة ومعان غير متماسكة وايقاعات نغمية عشوائية تماشي سرعة العصر، داخل معادلة يسميها الفنانون انفسهم «تجارة الفن وارادة الربح الوفير».

لماذا تنحصر الاغنية الوطنية في مناسبات معينة، وهل ننتمي الى الوطن في زمن الحرب فقط، والى اي مدى اختلفت اوضاع لبنان والوطن العربي كما كانت عليه لتغيب عنه هذه الاغنية، وماذا عن المحاولات التي لا تبرح مرحلة المخاض على غرار العمل الجماعي اللبناني الاخيرة بعنوان «الصوت العالي»، ومن المسؤول عن غياب الاغنية الوطنية: الجمهور؟ الفنان؟ ام الاعلام؟.... اسئلة طرحتها «الشرق الاوسط» على عدد من الفنانين وجاءت اجاباتهم كالتالي:

الفنان غسان صليبا اعتبر «ان العمل الفني ينطلق من الاحساس الداخلي، ما يدفع الى الغناء الوطني في ظروف معينة قد تكون خطرة امنيا او عسكريا، فنطلق اناشيد حماسية تدعوه الى التغيير، فيكون الجو والحاجة مهيأين للهم الوطني في الغناء، وما نمر به اليوم من سلم عسكري لا يحتاج الى قوة الثورة». وفي تفسير مواجه رأى «اننا لسنا بحاجة الى وجود حرب لاطلاق الاغنية الوطنية، فهي تشكل دعوة للانتماء ورفضاً للواقع الاجتماعي ربما. لكن هناك حالة اشمئزاز لدى الفنانين على اعتبار ان الواقع لا تغيره الاغنية، وبالتالي فالجمهور بحاجة الى النسيان عبر الغناء العاطفي السائد». واضاف: «يجب ايجاد سلطة ما الى جانب الاغنية، بمعنى تغيير النظام السياسي والاقتصادي والادبي العام».

واعتبر الفنان سامي حواط الذي اشتهر قديماً بالغناء الوطني «ان غياب الاغنية الوطنية سببه السياسة وارادة التضييق على رغبات الشعوب، وذلك لتمرير اهدافهم التجارية من خلال انماط فنية متشابهة»، وقال «لقد خافوا من تأثير هذا النوع من الغناء الذي يدفع الى التحليل وفهم الواقع، لذلك عمدوا الى ابعاد رموزه عن البرامج الخاصة بالاعياد الوطنية، وصنفوا اغنية وطنية على ذوقهم وسطحوها، وهي في النهاية حرب اذاعات وشركات انتاج وتمويل».

والاتجاه السائد في عالم فناني اليوم هو التغاضي عن الاغنية الوطنية التي طالما عبرت عن مشاعر الناس وعكست احلامهم بوطنهم وطموحاتهم الكبيرة، كما اشارت الفنانة ماجدة الرومي قائلة «لا يمكن ان تستغني عن هذا النوع، ونحن الآن في وقت حرج من عمر العالم العربي ما يستدعي تكاثرها. فكما ولدت مجموعة من الاغاني مع احداث العام 1967 وشددت بحماس على معنى التعلق بالارض العربية، فهذه الفترة ليست بأقل خطورة». واضافت «ان الاعلام لا يهتم بشحن النفوس، بل يكتفي بالخطاب السياسي، الا انه يجب ان يترافق مع الاغنية من اجل النهوض بالعقول وايقاظها».

و«الاعلام يتحمل المسؤولية الكبرى في هذا المجال»، اكد الفنان راغب علامة، قائلاً: «لقد وضعت في الماضي اغنية وطنية «يا حبيبتنا بيروت» وشاركت في عمل «الصوت العالي»، وتملك وسائل الاعلام اعمالي كلها لكنها تنتقي العاطفي فقط، ومن جهتي احاول تأديتها في حفلاتي دائماً والاحظ دموعاً خفية في عيون الجمهور، وهو الدليل انها ما زالت حية».

وشاطره الفنان وليد توفيق الرأي اذ اوضح «ان الاعلام يركز على الاغنية الوطنية في اوقات الحدث»، وعن نفسه قال «لم اقصر يوما في شأن وطني العربي ولبنان، اضافة الى انني ما زلت ارى لبنانيين مقربين يبكون لدى سماعهم اغنية الكبيرة فيروز «بحبك يا لبنان». مجمل القول ان وطننا العربي ينزف منذ عقود وشعبه يتلقى ما نقدمه له ولا بد ان يعتاد على ما يسمع، من هنا نرى في الاعلام محرضاً اساسياً». وتساءل ايضاً عن دور الاعلام الرسمي في الوطن العربي «وقد اصبح صورة شبيهة لنظيره الخاص».

الفنان هو الذي يجب ان يبادر لاصدار الاغاني الوطنية، على حدّ قول الفنان صبحي توفيق، مضيفاً «ان بعض المبادرات تأتي مكررة من حيث المضمون والشكل، فنرى جميع الفنانين يهرعون لتقديم اغنية في مناسبة تحرير الجنوب مثلا، لكننا نلاحظ ان الكلام ضعيف واللحن واحد والاداء مصطنع. وفي النهاية اقول ان من يلقى دعما من شركات الانتاج لا بد ان يشعر بالمسؤولية، والاهم ان يجترح لونا خاصاً به، لتصل الاغنية الى الجمهور ويطلبها باستمرار». ومن جهة اخرى قال «نعيش ازمات متتالية واي موضوع شعبي او اجتماعي قد يعبر عن الوطن بطريقة او بأخرى».