«نقطة رجوع».. أول أفلام عام 2008 الجيدة

سيناريو ذكي في أكثر من جانب.. ولكنه لا يقدم جميع الإجابات

شريف منير ونور في «نقطة رجوع»
TT

فيلم آخر عن الرجل الذي يفقد ذاكرته بسبب حادثة ما، ويظل يبحث عن ذاته وعن حقيقة ماضيه حتى النهاية. تعتمد هذه التيمة التي تمت معالجتها بكل الطرق الممكنة في الكثير من الأفلام، على بعثرة أوراق البطل في البداية مع شكوكه في جميع من حوله ليحاول هو الوصول إلى الحقيقة معتمداً على ذكائه في تجميع الخيوط التي أدت به لآخر نقطة قبل فقدان ذاكرته. آخر الأفلام المصرية التي اعتمدت على نفس التيمة، فيلم «الشبح» الذي عرض الصيف الماضي محققاً نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر، لذا قد يكون من الصعب عدم التعرض إلى المقارنة بين الفيلمين خاصة أن «نقطة رجوع» يستند على أحد أفكار الشبح لكن بتطويرها إلى فكرة جديدة بالفعل وشديدة الغرابة في ذات الوقت. نقطة الانطلاق هنا حادثة سيارة كبيرة يتعرض لها الزوجان هاشم الجوهري «شريف منير» وهو رجل أعمال كبير مع زوجته ليلى «نور» ينتج عنها إصابة بسيطة لها وتشوه تام لوجه هاشم إضافة إلى كسور لا حصر لها والأهم هو فقدان ذاكرته، ينتقل بسبب تلك التشوهات إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإجراء أربعة عشر عملية تجميل لإعادة وجهه كما كان قبل الحادث، وعند عودتهم إلى مصر يحاول هو استيعاب حياته قبل فقدان ذاكرته، زواجه.. عمله.. أصدقائه، فيما تحاول هي مساعدته على تذكر كل هذه الأمور إلى أن يكتشف هو أن هناك مغالطات وتضاربا بين أقوالها وبين أقوال صديقه وشريك عمله عادل «محمد سليمان» وبين صور وجدها في مكتب منزله تؤكد أن الحقيقة ستتطلب أن يبحث بنفسه عنها بعيداً عن أقوال من حوله.

سيناريو الفيلم يعتمد في البداية على تقديم جميع أوراق لعبة «البازل» لهاشم دفعة واحدة وبشكل متتالي ليحاول أن يضع كل ورقة في مكانها الصحيح، هذه الأوراق تتفرع إلى زواجه بين حقيقة خيانة أحدهم للآخر ثم ظهور ضابط الشرطة السابق همام «محمد شومان» الذي يكشف جزء كبير مما خفي عليه بسبب الصور، وبين طبيعة عمله السري الغامض مع حماه، وبين قرارات غريبة أتخذها في عمله بشركة الاستثمارات العقارية، وبين علاقته الغامضة بزوجة صديقه سهام «هيدي كرم» التي تقدم معطيات مفاجأة وغريبة للكثير من الحقائق، ولكن مع تقدم الأحداث يركز الفيلم على نقطة واحدة وهي حقيقة خيانة زوجته ليلى مع عشيقها سليم طه التي تحتل معظم أحداث الفيلم. هذه الحقيقة التي ستنحصر أوراقها بين ليلى وهمام، ليلى تقدم دليلا قاطعا على وجود سليم خارج مصر وقت الحادث ولكن همام ينكره، ومع التأكد من وجود سليم في مصر ندخل في دوامة كبيرة تستغرق وقتا كبيرا من أحداث الفيلم ربما أكثر مما يجب حتى نتأكد من وجوده فعلاً في مصر، ثم تفجر ليلى مفاجأة تقدم بها إثبات ولائها لهاشم الذي سيضطر إلى تصديقها، ولكن همام سيكتشف تلك المفاجأة التي تورط هاشم في جريمتي قتل دفعة واحدة، مما يضطر هاشم إلى البحث عن الحقيقة مع همام في فيلته الغامضة بالمريوطية، التي كان يرفض هدمها أثناء تنفيذ مشروع المجمع السكني، وهناك يكتشف هاشم وهمام السر الغامض الذي تحاول ليلى إخفاءه منذ البداية، والذي سيقلب ميزان الفيلم رأساً على عقب.

أهم مزايا السيناريو التي لن تنكشف سوى مع ظهور هذا السر الأخير، هو البناء النفسي الجيد جداً لشخصية هاشم من خلال ومضات سريعة وبسيطة مثل تحطيمه للمرآة في البداية، وعدم إحساسه العاطفي تجاه سهام وشعوره الغريزي تجاه زوجته الذي قد يبدو غريباً على رجل قام بخيانتها مع جميع أصدقائها، وحتى ملمح بسيط شعرت به سهام في يدي هاشم ولعبة تغيير الصوت منذ البداية بسبب الحادث، ولكن السيناريو أيضاً قدم العديد من الخيوط والأسئلة بدون إجابات، ففي المشهد الأول لاجتماع هاشم مع همام يجد صورة تصيبه بالغضب الشديد دون أن نعرف ما تحتويه، وعندما يذهب لملاحقة زوجته إلى فيلا المربوطة يخرج من الفيلا في حالة رعب وإعياء شديد دون ان نفهم ما سبب ذلك تحديداً، إضافة إلى العديد من اللمحات التي نثرها السيناريو في البداية على سبيل التشتيت لكن دون فائدة، مثل علاقة عادل مع السكرتيرة وتبرع هاشم بمبلغ ضخم للأعمال الخيرية، بل أن عادل يختفي أصلاً من الأحداث دون أن نعرف ردة فعله على ما سيحدث لزوجته وإن كان على علم بخيانتها له، ولكن عيب السيناريو القاتل وغير المنطقي هو شخصية ليلى نفسها الغير الطبيعية، حتى لو قدم السيناريو لمحات تهيئ مدى جنونها الغريب مثل ترددها فترة على طبيب نفسي أو أن يصرح همام بأنها شخصية فريدة وغريبة من نوعها، لأن عقلية ليلى في الحقيقة لا يمكن قبولها سوى في أحد أفلام الكوميكس الأميركية، حتى مع وجود أخطاء وقعت فيها فهي امرأة خارقة بالفعل ويصعب تصديق وجود امرأة عربية مثلها في الحقيقة، لكي تقوم بعمل تلك الخدعة التي اعترفت بها في نهاية الفيلم، إضافة إلى التخطيط الدقيق لخدعة تواجد سليم في مصر ثم قيادتها الماهرة جداً للسيارة لكي تختفي تماماً عن الأنظار في احدى المطاردات، ثم مناقضة السيناريو لتلك المهارة مع الحادث الأخير في نهاية الفيلم الذي أدى إلى تفجير السيارة بدون سبب منطقي لذلك، سوى لتحقيق نقطة العودة مرة أخرى كما بدأ الفيلم ولإخفاء السر الوحيد الذي يدين هاشم قبل أن يختار مسار حياته الجديدة. إجمالاً الفيلم بارع في تقديم حبكة مشوقة حتى اللحظة الأخيرة ولكن مع مفاجأة غريبة وثقيلة على الاستيعاب تعصف تماماً بنهايته، كما يشمل السيناريو على العديد التفاصيل الذكية التي نثرها في البداية ثم حصد مردودها في النهاية جيداً، ولكن تظل غرائبية شخصية ليلى عائقاً أمام تصديق موضوع الفيلم بأكمله.

[email protected]