سوسن بدر.. «نفرتيتي» السينما المصرية

انحازت للأدوار المؤثرة دراميا في حساب النجومية وحسابات شباك التذاكر

TT

عندما رشح المخرج شادي عبد السلام الفنانة الصاعدة في ذلك الوقت سوسن بدر لبطولة فيلم «اخناتون» لتجسد شخصية الملكة الفرعونية الشهيرة «نفرتيتي»، كان هو الوحيد الذي رأى في بدر ملامح الفتاة المصرية السمراء القادرة على تقديم دور كهذا، من دون أن يشعر المتلقي أبداً أنه يرى فتاة مصرية تعيش في القرن العشرين، فسوسن بدر تميزت منذ البداية بملامح وصفات فرعونية أصيلة لا تزال تقدم كنموذج نادر للممثلات اللاتي حصلن بجدارة على الأدوار التي تتطلب تمتع الممثلة بالروح المصرية، التي قد تختفي عادة لدى النجمات الجميلات صاحبات البشرة البيضاء والشعر الأصفر. فالنجومية شيء، وقدرة الممثل على تجسيد الشخصية المكتوبة شيء آخر، وهو ما برعت فيه سوسن بدر التي أجمع نقاد السينما على أنها الخليفة الشرعية الوحيدة لنجمة الأربعينات والخمسينات مديحة يسري.

غير أن وفاة المخرج شادي عبد السلام، وتعثر المشروع الذي كان سيجمعها مع الفنان عمر الشريف، لم يدفع سوسن بدر للدخول في دائرة اليأس والإحباط، فتعاملت مع مشوارها الفني القصير وقتها بقاعدة أثمرت نتائجها بعد مرور عشرين عاما، عندما قررت الانحياز للأدوار المؤثرة درامياً في حساب النجومية وحسابات شباك التذاكر، وبالتالي لم تتورط في حرب النجمات، رغم أنها من جيل ميرفت أمين وليلى علوي وإلهام شاهين، صحيح أنها وقفت أمام نجوم هذا الجيل، عادل إمام ونور الشريف وغيرهما، لكنها لم تشترط بعد أفلامها مع الكبار أن تحافظ على مساحة واحدة في أعمالها التالية، وبالتدريج أصبحت سوسن بدر هي الخيار الأول للمخرجين في أدوار صعبة ومعقدة تحتاج إلى ملامح شخصية وقدرة نفسية من الممثل حتى يؤديها كما ينبغي.

في خط مواز حققت سوسن بدر كمّاً كبيراً جداً من الأعمال، حيث نجحت في إدارة حياتها العملية بشكل يزيد كم عطائها بالمقارنة بالآخرين، وعرفت كيف تمثل في المسرح والتلفزيون والسينما في الوقت نفسه، من دون أن تقصر في أي من أعمالها، صحيح كان من بين تلك الأعمال ما هو متوسط المستوى، لكن أدوارها ظلت مميزة رغم تراجع العمل نفسه. وكان فيلم «الأبواب المغلقة» الذي حصد العديد من الجوائز، بمثابة إعلان متأخر عن نجومية سوسن بدر، التي لم تحزن لعدم إقبال الجمهور على الفيلم، مكتفية بالإشادات النقدية ودخوله في زمرة أبرز أفلام السينما المصرية.

ثم حققت سوسن بدر في رمضان الماضي نقلة أخرى، عندما عوضت إخفاقها في «أخناتون» ووقفت أمام عمر الشريف في مسلسل «حنان وحنين»، ثم جسدت دور الزوجة في مسلسل «الدالي» أمام مكتشفها نور الشريف، لتحصد الكثير من الإعجاب، علماً بأنها لم تكن المرشحة الأولى لكلا العملين، لتثبت بعد كل هذه السنوات، أنها لا تهتم سوى بالشخصية، ولا تفرض الشروط التي أبعدت نجمات جيلها عن أدوار وصلت لها وتألقت من خلالها، فتاج السينما المصرية ما زال على رأسها، رغم عدم ارتدائها ملابس «نفرتيتي» حتى الآن.

ومشوار سوزان أحمد بدر الدين، المولودة في عام 1957، بدأ عندما رشحها الفنان نور الشريف للمخرج حسين كمال، وهي طالبة في المعهد العالي للفنون المسرحية، لتشارك في بطولة فيلم «حبيبي دائماً» في عام 1979، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الوجوه الجديدة، قبل أن تدفع نفسها بقوة في بحر الوسط الفني وتقدم العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية، من بينها أفلام: ألوان السما السابعة، البلياتشو، قص ولصق، مفيش غير كده، دنيا، حب البنات، ديل السمكة، ومن نظرة عين، خريف آدم، سحر العيون، أسرار البنات، الأبواب المغلقة، أولى ثانوي، كارت أحمر، شمس الزناتي، العملاق، احترس عصابة النساء، الحرافيش، سلام يا صاحبي، بحر الأوهام، لا تسألني من أنا، وحبيبي دائما. أما مسلسلاتها فكانت: أولاد عزام، الدالي، السماح، حنين وحنان، صرخة أنثى، أحزان مريم، المنادي، كشكول لكل مواطن، نعمى، ومضى عمري الأول، الشارد، القاهرة 2000، مباراة زوجية، أحلام البنات، تعالى نحلم ببكره، ذنوب الأبرياء، رجل الأقدار عمرو بن العاص، فارس الرومانسية، العطار والسبع بنات، بنات عمري، خلف الأبواب المغلقة، امرأة في شق الثعبان، أحلام الفتى الطائر، وسارة. وأبرز أعمـــالها على المسرح «الملك لير» مع الفنان الكبير يحيى الفخراني، ومسرحية «كوكب ميكي» مع الفنان أحمد راتب، ومن خلال مشاركتها في هاتين المسرحيتين تم اختيارها كأفضل ممثلة مسرحية عن عام 2003. وهناك أيضا مسرحية «زكي في الوزارة»، ومسرحية «الواد سيد الشغال» مع عادل إمام في اول عامين من عرضها قبل أن تحل محلها الفنانة مشيرة إسماعيل.

وكانت بدر قد ارتدت الحجاب لعامين، قبل أن تستأنف نشاطها الفني من جديد، وقالت في أحاديث صحافية إنها ارتدته في لحظة أعقبت زلزال القاهرة في عام 1992، عندما أدركت أنها لا تعرف الكثير عن دينها، وظلت لعامين تقرأ وتتأمل حتى اكتشفت أن هناك أموراً عدة على العبد أن يقوم بها، لكنها تركت الحجاب لإحساسها بعدم قدرتها على ارتدائه، وأن الأهم هو التغيير في سلوك الفرد لا الملبس، مشيرة إلى أنها، رغم فترة الغياب، لم تفكر إطلاقا في اعتزال الفن، حتى في أحلك الظروف عندما توفي زوجها السينارست محسن زايد بعد شهر واحد من الزواج، لكنها اعتادت دفن أحزانها على خشبة المسرح وأمام الكاميرا.

واستفادت سوسن بدر من عدم حصرها بين نجمات الفن، وابتعدت بحياتها الشخصية التي شهدت تقلبات عديدة كان آخرها طلاقها من زوجها الشاب فريد المرشدي، وهو حفيد الفنان فريد شوقي، لكن الطلاق مر بهدوء، فيما بقيت أدوار سوسن بدر؟.