الأنظار تتجه صوب «كان»

الدورة الحادية والستون تفتتح في الأسبوع المقبل

TT

بعد مضي أسبوع واحد من إعلان القائمة المبدئية للأعمال المشاركة في مهرجان «كان» في دورة هذا العام، قامت إدارة المهرجان نهاية الشهر الفائت بالإعلان عن بيان إلحاقي وتحديث مهم في القائمة أضاف وهجا إعلاميا للقائمة الأولى. فالأسماء الجديدة وغير المتوقعة، هي من الجدارة بمكان لأن تدخل كمنافس حقيقي وان تعطي بقية الأفلام نفسا مغايرا. فبينما كان من المتوقع أن يكون الافتتاح هوليوديا صاخبا مع فيلم ستيفن سبيلبيرج INDIANA JONES ـ الجزء الرابع من سلسلة المغامرات الشهيرة، فقد اسند الافتتاح لفيلم أكثر لياقة، ويتماشى بشكل اكبر مع روح المهرجان وطبيعته. ففي يوم الأربعاء المقبل 14 من شهر مايو (أيار)، ستحفل مدينه «كان» الساحلية الفرنسية بعرسها السينمائي، وسيكون الافتتاح من نصيب المخرج البرازيلي فيرناندو ميرليس، الذي سبق وان عرفه العالم بشكل اكبر من خلال فيلمه الذائع الصيت City of God. آخر أعمال ميرليس كان فيلم «البستاني الدءوب»The Constant Gardener، الذي كان أول عمل يخرجه باللغة الإنجليزية ويستعين فيه بممثلين من العيار الثقيل. وهو في عمله الجديد أيضا يستقطب إليه نجوما هوليووديين كجوليان مور ومارك روفالو. ميرليس سيقدم عملا مغايرا لما اعتادت أن تصوره آلته السينمائية التي كثيرا ما تعرضت لقسوة العالم الحديث تجاه شعوب وفئات مهمشة في المجتمعات الإنسانية، الفيلم مقتبس من رواية للكاتب البرتغالي الشهير جوس ساراماقو الحائز على جائزة نوبل للآداب. وهو يدور حول بلدة تصاب بوباء غريب يصيب جميع سكان تلك البلدة بالعمى المباشر إلا امرأة واحدة «جوليان مور»، بقيت الوحيدة في البلدة التي لم تصب بشيء وظلت إذ ذاك تقوم على العناية بزوجها الطبيب والمصاب بذات الداء.

إلى جانب فيلم الافتتاح البرازيلي يقف ثلاثة مخرجين آخرين من أميركا اللاتينية. تلك السينما التي كانت الغائب الأبرز عن دورة العام الفائت، تعود هذا العام لتكون ابرز الحاضرين، سواء في المسابقة الرسمية أو ضمن تظاهرة «نظرة ما»، التي تشهد أيضا 19 فيلما من أميركا اللاتينية، ولا شك أن حضور مثل هذه السينما المتميزة من شأنه أن يضفي على المهرجان ألوانا سينمائية مختلفة من حيث الشكل والمحتوى، فهي سينما تتميز من حيث الشكل بواقعية هي اقرب إلى واقعية السينما المستقلة الأميركية منها إلى واقعية المدارس الأوروبية، إلا أنها من حيث المحتوى اقرب إلى السينما الأوروبية في نقدها الصارخ والحاد لمخلفات النظم الرأسمالية ومعاناة الطبقات الدنيا في هذه المجتمعات البرجوازية، فهي ذات محتوى ثقيل، إنما في ذات الوقت تحمل جاذبية السينما «السهلة». من البرازيل أيضا، يأتي فيلم Linha de Passe للمخرج البرازيلي والتر ساليس، ومواطنته المخرجة دانيايلا توماس. وهذا هو ثالث عمل يقوم الاثنان بإخراجه معا كان آخرها فيلم Midnight عام 1998. وشريطهما الجديد يحكي حكاية أربعة أشقاء من عائلة فقيرة يصارعون في مسيرتهم عبر غابات وضواحي ساوباولو لتحقيق أحلامهم والهروب من واقعهم. يذكر أن ساليس سبق وان شارك في مهرجان كان لعام 2004 عن فيلم The Motorcycle Diaries. أما الفيلمان الآخران من أفلام أميركا اللاتينية، فهما قادمان من جارتها الأرجنتين، الأول هو فيلم The Headless Woman للمخرجة الأرجنتينية لويشيا مارتيل في مشاركتها الثانية في «كان» بعد فيلم The Holy Girl قبل أربعة أعوام، وفيلمها الجديد يدور حول امرأة تصاب بحادث مروري يفقدها ذاكرتها ويجعلها في غفلة عما يدور حولها ونوايا من يحيطون بها. الفيلم الآخر هو للمخرج الشاب بابلو ترابيرو، الذي لفت الأنظار إليه قبل عشر سنوات عندما اخرج أول أعماله Crane World، والذي عرض في مهرجان فينيسيا في تلك السنة. وفيلمه الجديد هو احد الأفلام التي من المتوقع أن تلفت الانتباه، وهو يدور حول طالبة في الخامسة والعشرين من العمر، وذات سجل إجرامي نظيف، تقوم وهي في الأسبوع الثاني من حملها بقتل أبي الجنين ورجل آخر، ثم يحكم عليها بالسجن. تضع الفتاة مولودها الذكر «توماس» في السجن. الفيلم يدور بشكل أساسي حول علاقة الأمومة تلك التي حدث وأن أصبحت داخل احد السجون الأرجنتينية.

من بين الغائبين عن دورة العام الماضي تشارك السينما الإيطالية في المهرجان عبر مخرجين مهمين، الأول هو المخرج الشاب باولو سورنتينو، الذي جعلته مشاركته الأولى في المهرجان عام 2004 في فيلم The Consequences of Love من بين ابرز المخرجين الإيطاليين الشباب وتميزت أفلامه بصفاء تحليلي لصراعات الواقع والطبيعة من جانب، ونوازع اللاوعي في النفس الإنسانية من جانب آخر. فيلمه الجديد هو سيرة لرئيس الوزراء الإيطالي السابق جويلو اندريتو، الذي كان احد أشهر الساسة الإيطاليين بعد الحرب العالمية الثانية وترشح للبرلمان لأكثر من 7 مرات. الفيلم كتبه باولو نفسه من دون اعتماده على سيرة ذاتية أو مؤلف حول الشخصية الرئيسية، وهو ما يلمح إلى أن الفيلم يعبر عن رؤية ذاتية وبناء خاص وخالص لمخرجه باولو سورنتينو. أما العمل الآخر فهو Gomorra للمخرج الإيطالي ماتيو جارونو، الذي اعتمد في حكايته على كتاب شهير للصحافي والكاتب الشاب روبرتو سافيانو، الذي قام فيه بتعرية بعض من اكبر عصابات نابلي الإجرامية، والكشف عن أنظمتها ونشاطاتها السرية، مما دعا الحكومة الإيطالية إلى أن تفرض حماية دائمة على سافيانو الذي اعتبر حينها بطلا قوميا.

وعودا على القارة الأميركية، وتحديدا السينما الأميركية، التي دائما ما تكون اكبر الحاضرين والعارضين في كبريات مهرجانات العالم، بل هي روح أي مهرجان بكل أطيافها وتياراتها المستقلة أو الهوليودية. يأتي المخرج الأميركي المخضرم كلينت ايستوود، كأهم الأسماء الأميركية التي تخوض سباق الـ«سعفة» لهذا العام، وذلك عن فيلم CHANGELING. وعلى الرغم من أن المخرج العجوز قد شارف على الثمانين من العمر، إلا أن ذلك لم يفت من عضده أو يحد من طموحه ليكون احد أكثر الأميركيين غزارة فنية ويثبت يوما بعد يوم انه ليس إلا أسطورة سينمائية دائمة الشباب. في «الاستبدال»، يعود ايستوود لحكايات الإثارة النفسية التي عادة ما تحمل بصمة خاصة تبتعد في كنهها عن مجرد الإثارة الشكلية، إنما تحمل في طياتها نقدا مضمرا لمشاعل هذه الإثارة التي إما أن تكون اجتماعية أو سياسية أو آيديولوجية. وتدور حكاية «استبدال» حول أم شابة تصلي كل يوم املا في عودة طفلها المخطوف من دون أن تعلم مكان وجوده، وذات يوم يعود ابنها الذي تستقبله باحتفاء وذهول، لكنها بعد ذلك بدأ يساورها الشك بأنه ليس ابنها الذي ولدته. من بين الأسماء المهمة الأخرى يأتي المخرج المستقل ستيفن سودبيرغ بفيلم Che. وهو احد أهم الأعمال التي يعول عليها سودبيرغ كثيرا، خصوصا انه امضى وقتا طويلا للتحضير والإعداد لهذا العمل الذي يدور حول الثائر الشيوعي الشهير تشي جيفارا. يذكر أن سودبيرغ سبق أن نال «السعفة الذهبية» عام 1998 وذلك عن فيلمه الشهير Sex, Lies, and Videotape. ورغم وجود مثل هذه الأسماء الكبيرة، إلا أن أضواء هذا العام لن تفارق السيناريست الأميركي الشهير تشارلي كوفمان، الذي يقوم بتجربته الإخراجية الأولى وذلك في فيلم Synecdoche, New York، الذي يحلق في سماء مسارح نيويورك من خلال مخرج مسرحي يسعى إلى أن يقوم بتأليف مسرحية يسعى من خلالها أن تماثل في أبعادها وواقعها الفيزيائي مدينة نيويورك. وتتنوع بقية الأسماء المشاركة ما بين مخرجين مخضرمين لهم حضور دائم في المهرجان كما هو الحال مع المخرج الكندي اتوم ايقون في فيلم Adoration والمخرج الألماني ويم فيندر في فيلم Palermo Shooting والتركي نوري سيلان في فيلم Three Monkeys وأخيرا الأخوة داردين في فيلم Lorna’s Silence، الذي سبق أن حازا على «السعفة» لمرتين، آخرها عن فيلم «الطفل» عام 2005. وما بين آخرين يشاركون للمرة الأولى، إلا ان بضعة من هذه الأعمال يتوقع أن تسجل حضورا جيدا بين الأفلام المنافسة الأخرى من ذلك الفيلم المجري DELTA لمخرجه الشاب كورنيل موندروز، الذي لقي عند عرضه في المجر ردود أفعال إيجابية وتعول عليه المجر كثيرا، كما كان الحال مع الفيلم الروماني 4 Months, 3 Weeks & 2 Days لكريستيان مونغو، الذي فاز بـ«السعفة الذهبية» في دورته العام الفائت. أما الفيلم الذي يتوقع أن يثير جدلا واسعا في المهرجان، فهو فيلم التحريك الإسرائيلي Waltz With Bashir، الذي يشار إلى انه سيقوم مقام فيلم مرجان ساترابي Persepolis، الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم في الدورة السابقة أيضا. الفيلم من إخراج الإسرائيلي الشاب اري فولمان، الذي يشارك للمرة الأولى في المهرجان وهو يسلط الضوء في فيلمه على مجازر صبرا وشتيلا. ويصادف عرض الفيلم احتفالات إسرائيل بمناسبة مرور 60 عاما على تأسيسها، مما يعطي للبعد السياسي في الفيلم أهمية بالغة.

أما الحضور العربي في دورة هذا العام فسيقتصر على فيلمين اثنين ضمن تظاهرة «نظرة ما»، الأول هو للفلسطينية آن ماري جاسر «ملح حد هالبحر»، الذي يعد أول فيلم روائي تقوم بإخراجه مخرجة فلسطينية. الفيلم الآخر هو للثنائي اللبناني المتميز جوانا حجي توما وخليل جريج، في فيلم «بدي شوف»، الذي يدور حول أحداث لبنان بعد حرب 2006 جنوب لبنان. وهذه هي السنة الثانية على التوالي التي تكون المرأة هي الحاضر الوحيد في تظاهرات «كان» الرسمية، حيث شاركت العام الفائت المخرجة اللبنانية نادين لبكي بفيلم «سكر بنات»، وفيلم دانيال عربيد «الرجل التائه». وأخيرا يحسن الإشارة إلى أن المصري ياسر محب الناقد والصحافي في صحيفة «الأهرام» المصرية، سيكون من بين لجنة تحكيم «نظرة ما»، التي يرأسها المخرج الألماني ذو الأصل التركي فاتح أكن.

[email protected]