«صباح الليل».. آخر الأفلام السعودية ينجح في تحقيق أهدافه

استدعى الشمراني شخصية «أبوهلال» ليضعه وسط أحداث تاريخية بطريقة كوميدية ناقدة

المخرج البني
TT

كان مهرجان الخليج السينمائي الأول الذي اقيمت فعالياته ابريل الماضي في دبي فرصة مناسبة للعرض السينمائي الاول لفيلم الفنان السعودي راشد الشمراني الجديد «صباح الليل» ومواجهة جمهور السينما ووسائل الاعلام العربية المتنوعة لتثمر في النهاية هذه المواجهة عن نجاح مرضٍ للفنان الدكتور راشد الشمراني تمثل في حصوله على شهادة تقدير من لجنة التحكيم في المهرجان لعمله في هذا الفيلم الذي كتب نصه وقام فيه بتمثيل دور البطولة وكذلك بالانطباع العام الذي أحدثه الفيلم لدى جمهور الحاضرين. وهذا يقودنا في الاخير الى ما يمكن اعتباره التجربة السينمائية السعودية الناجحة حتى الان ولتبرير مثل هذا الاطلاق علينا ان ننظر في أكثر من جهة. فقبل ان ينتهي الشمراني من فيلمه كنت اقرأ له بعض اللقاءات التي كان يؤكد فيها على انه يهدف من خلال هذا الفيلم الى توعية الناس في المجتمع السعودي خاصة بأهمية السينما وجماليتها وانه يسعى من اجل ذلك لعرض الفيلم في اكثر من منطقة في السعودية، والحقيقة انني لم استوعب مثل هذا الحديث من الشمراني الا بعد ان شاهدت الفيلم خلال مهرجان الخليج السينمائي معتمدا في ذلك على التفاعل الجيد من جمهور الحاضرين خلال الفيلم من خلال القوالب الكوميدية التي كان الشمراني يرسمها حينما استدعى شخصيته الشهيرة الغائبة لاكثر من عشرين سنة «ابو هلال» ليجعله وسط ابرز الاحداث العربية في التاريخ. ثم هناك بالاضافة الى الكوميديا اللافتة ذلك الطابع المحافظ في الفيلم على مستوى الشكل والفكرة مما يجعله بعيدا عن أي جدال منتظر اذا ما تم عرضه داخل السعودية، فالشمراني بذكائه استطاع ان يختار فترات زمنية مهمة في التاريخ العربي «حرب البسوس/ داحس والغبراء» ليوقع عليها اسقاطاته السياسية والاجتماعية المعاصرة فضلا عن انتقادات النسق الثقافي العربي والتي تأتي هذه الاحداث بأدبياتها المتفاوتة كأحد مكوناته. ومن يعرف الفنان الشمراني عن قرب لن يستغرب مثل هذه النتيجة حيث تجد فيه ذلك الفنان الواعي جدا بالفن ومتطلباته والمحب له بحضوره ونقاشاته في مختلف العروض السينمائية التي كانت تقام خلال فعاليات المهرجان فضلا عن طبيعته الشخصية اللافتة بتواضعه وصراحته وسعة صدره وشفافيته في تناول النقد والتعليقات الفنية.

ولنتجه الى قصة الفيلم حيث نشاهد سائق الشاحنة «ابو هلال» بطيبته وشهامته وحبه الفضولي للتواصل مع من حوله وهو يجد في احدى وقفاته على جانب الطريق سيارة في وسط الصحراء ما أن يركبها حتى تعود به الى فترة زمنية اخرى قديمة، فتارة عند كليب واخيه الزير سالم قبل وقوع حرب البسوس وتارة عن عبس وذبيان على مقربة من حرب داحس والغبراء وتارة مع الشاعر عمرو بن كلثوم والملك عمرو بن هند، وستكون مهمة ابو هلال هي ان يمنع وقوع هذه الحروب الجاهلية الشهيرة والتي امتدت لسنوات بإصلاح بعض الاشياء البسيطة ليؤكد مدى سطحية التعامل العربي مع الاحداث وفق عقلية مغلقة صنعتها الاحداث والثقافة السائدة حينها. وهنا تكمن المفارقة الكوميدية في الموضوع كله حيث يتحدث ابو هلال بلهجته العامية الشوارعية مع سادة اللغة العربية الفصحى ليكسر ذلك الفارق اللغوي بطريقة طريفة فضلا عن المخزون المعرفي والمصطلحات الحديثة والتقدم التقني الذي لايمكن ان يستوعبه اناس تلك الفترة لكنه يصنع هذه الثيمة الكوميدية طيلة الفيلم.

باعتقادي ان الفكرة كانت جيدة الى حد كبير على الرغم من ان اللعب على هذه الثيمة الكوميدية بصنع الفارق بين اليوم والامس البعيد والانتقال بالزمن ليست جديدة كليا على السينما بشكل عام. وجاء السيناريو متسقا مع الفكرة من دون ان يضيف شيئا جديدا يفاجئ به المشاهد، وأصبح الامر يكرر نفسه مع اختلاف الاحداث والشخصيات لكن النص والسيناريو يبدوان مقبولين بدرجة كبيرة امام الاخراج الرديء الذي كان عليه الفيلم رغم اعتماده على مخرج تلفزيوني معروف وناجح هو السوري مأمون البني والذي يبدو ان خبرته التلفزيونية غلفت الفيلم بلغة تلفزيونية خالصة لا ترتبط باللغة السينمائية الحديثة فضلا عن اخفاقه في استعمال المؤثرات السمعية والبصرية بشكل مقنع. ربما يصبح الامر متفهما اذا ما عرفنا ان الفيلم لم يعتمد على ميزانية كبيرة بقدر اعتماده على جهود ذاتية وعناية فائقة من الشمراني نفسه.

وفي الاخير اعتقد ان الفيلم حقق النجاح الذي كان يصبو اليه الفنان الشمراني واذا ما تم عرضه داخل السعودية وهو المأمول فسيحدث اضافة جيدة للمفهوم السينمائي في بلد مازال هذا المفهوم يحاول التكون بعد ان طاله الكثير من التشويه، كما ان وجوده في صالات العرض التجارية سيحقق مكاسب جيدة تدفع الشمراني وآخرين ايضا للتفكير بتكرار هذه التجارب.

[email protected]