مرايا الصمت

TT

كانت اللجنة المنظمة في مسابقة أفلام السعودية الماضية قد اختارت الشاب الإماراتي المخرج نواف الجناحي، ليكون هو ضيف المسابقة بعرض تجاربه الفيلمية كنوع من الاطلاع وتحفيز المخرجين السعوديين الشباب على مشاهدة تجارب أخرى كانت قد سبقت في هذا المجال وحققت شيئا من النجاح الفني وخبرة المشاركة في المهرجانات المختلفة، وهو بحد ذاته اختيار جيد للغاية، حيث يمثل نواف الجناحي أحد أهم وأشهر المخرجين الشباب الإماراتيين، وهو يعمل حاليا على فيلمه الروائي الطويل الأول بعد ان قدم أربع تجارب فيلمية قصيرة بدأت من «هاجس» مرورا بفيلم «على طريق» ثم «أرواح» وأخيرا «مرايا الصمت»، والذي شاهد مثلي هذه التجارب بشكل متتال على مدى سنوات، سيرى هذا التغير الفني الكبير لدى الجناحي، والذي انتهى بتقديمه لأحد أفضل الأفلام الخليجية القصيرة التي شاهدتها في السنوات الماضية «مرايا الصمت». لكن قبل الحديث عن «مرايا الصمت»، فإن هناك شيئا يشدني لاستعادة الذكرى حينما عرفنا نحن الشباب قبل أكثر من ثماني سنوات نواف الجناحي عبر منتديات سينماك، حيث كان ابرز الأسماء المشاركة من خارج السعودية بحيوية واهتمام قبل أن يفاجئنا في أحد الأيام بأنه قد انتهى من إخراج فيلمه الأول الذي كان اسمه «هاجس» ليعرضه عبر الانترنت متيحا لنا النقاش حوله، ثم كرر الأمر ذاته مع فيلمه الثاني «على طريق»، ومن بعدها كان الجناحي أول من عرفنا نحن الشباب السعوديين حينها على وجود مسابقات تعرض تجارب الشباب في إخراج الأفلام عبر تعريفه بمسابقة أفلام من الإمارات التي أصبحت قبل ان تتوقف العام الماضي هي وجهة الشباب السعوديين لتقديم أفلامهم والالتقاء بأمثالهم من شباب الخليج العربي والاقتراب من صناعة الفيلم بشكل لم يحدث سابقا، حيث كانوا يكتفون بمشاهدة أفلام الآخرين ومتابعة الأفلام الأميركية وغيرها من أفلام السينما العالمية.ولنعد إلى فيلم «مرايا الصمت»، حيث يمثل برأيي أفضل مراحل النضج الفني لدى المخرج نواف الجناحي، حيث يتكامل الفيلم بشتى عناصره من خلال الصورة الجميلة المعتمدة على ذكاء في الالتقاط والزوايا وتكوين للمشهد عبر الإضاءة المنسجمة مع طبيعة الفكرة، وهي الفكرة الأخاذة بجمالها وبساطة عرضها من دون أي تعقيد أو غموض ومن دون إغراق في الرمز، حيث يصنع نواف من الفكرة ذاتها بإجمال الترميز الذي يريده. فالفيلم يفتتح مشاهده على شاب في بيته يبدو ساهما بلا عمل، يبدد ملله ويخرج من بيته ليسير في طرق المدينة ويجلس في احد مقاهيها وحيدا، ثم يذهب ليؤدي عمله كممثل بارع في احد المسارح يتلقى تصفيق الحضور وإعجابهم، قبل ان نشاهده أخيرا خارج المسرح مستندا إلى احد الجدران وهو يشرب من قارورة مياه بتبلد غريب يعطيك مدى الوحدة البائسة والانعزال الشعوري الذي يعيشه هذا الفنان او حتى الإنسان ذاته وسط هذا الصخب الحديث في أنحاء المدينة. ولكي يوصل المخرج هذا الإحساس كان قد برع في رسم جميع المشاهد من ناحية التصوير وخلق أجواء من العتمة معتمدا على اللونين الأبيض والأسود، مصاحبا هذا الفيلم الصامت بموسيقى رائعة ومؤثرة ومتناغمة مع المشهد. ومما يجدر ذكره ان هذا الفيلم كان قد شارك في أكثر من 12 مهرجانا سينمائيا دوليا في الشرق الأوسط وأوروبا، كان في عدد منها الوحيد من دولة الإمارات، كما كان أيضا الفيلم الإماراتي الوحيد الذي تم عرضه في جوائز المهر للتميز السينمائي (المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة) في مهرجان دبي السينمائي الدولي 2006، التي يختار لها المهرجان عشرة أفلام عربية قصيرة فقط من حول العالم للتنافس على جوائز هذا القسم.

[email protected]