«ورقة شفرة».. تجربة جيدة كان من الممكن أن تكون أفضل

رغبة صناع الفيلم في تقديم قضية مهمة أفسدت ما صنعوه منذ البداية

مشهد من الفيلم («الشرق الاوسط»)
TT

انتشر فيلم منذ خمس سنوات في مصر، بعنوان «رجال لا تعرف المستحيل» على أجهزة الكومبيوتر ثم الإنترنت لاحقاً، كان الفيلم «بارودي» أي «محاكاة ساخرة» لفيلم «الطريق إلى إيلات». توقف بعدها صناع الفيلم الذي نفذوه بإمكانيات محدودة، ثم عادوا ليقدموا عدة حلقات تلفزيونية تقوم على نفس فكرة المحاكاة الساخرة، ولكن أول خطوة فعلية إلى السينما كانت بسيناريو أحمد فهمي لفيلم «كده رضا»، وهو الفيلم الذي وضع نجمه أحمد حلمي في صدارة النجوم الكوميديين وأعتلى قائمة شباك التذاكر لفترة طويلة، توازى ذلك مع إعجاب نقدي حازه الفيلم لما حمله من شكل جديد في مسار أفلام أحمد حلمي، وفي مسار الأفلام الكوميدية في مصر التي تعتمد على كوميديا الموقف، الخطوة السينمائية الثانية هذه المرة كانت للفريق بأكمله (أحمد فهمي وشيكو هشام ماجد). تحمس المنتج وكاتب السيناريو محمد حفظي للتجربة، وأوكلا مهمة إخراج الفيلم إلى أمير رمسيس، وقوبل الفيلم بنجاح جماهيري ممتاز بالنسبة للموسم الذي يعرض فيه، التجربة بالتأكيد جديدة ومختلفة عما يعرض من أفلام كوميدية، وهي تجربة جيدة في المجمل، ولكن بعض الثغرات كان من الممكن تفاديها، وكانت ستجعل التجربة أنضج وأفضل بالتأكيد.

الفيلم في البداية يدور حول ثلاثة أصدقاء وزملاء في الجامعة، فايز (أحمد فهمي) شاب مستهتر لا يعرف قيمة الأشياء التي يمتلكها، بدير (شيكو) جاهل ومدع يستغل جهل الآخرين في ترشيحه كرئيس اتحاد الطلبة، متاجراً بالقضية الفلسطينية في حين أنه لا يعلم عنها شيئاً. إسماعيل (هشام ماجد) يعشق النساء من كبيرات السن ويمضي وقته بينهن إضافة إلى أنه يملك لمحة من الذكاء الفطري، ويتورط ثلاثتهم في قضية قتل عن طريق الخطأ، ويحاولون الفرار منها بشتى الطرق، ثم يكتشفون لاحقاً تورطهم في مشكلة أكبر، من خلال ورقة شفرة بحوزة فايز تقود إلى كنز مجهول تريد أن تصل إليها جهة ما ورطتهم في المشكلة بأكملها، يحاول الأصدقاء الثلاثة فك الشفرة خلال أحداث الفيلم، وتنتقل الأحداث إلى الأقصر حيث تم إخفاء الكنز هناك في مكان ما.

أفضل ما في هذه التجربة، أن الأصدقاء الثلاثة (فهمي ـ شيكو ـ هشام) قرروا الابتعاد عن أي تقليدية قد تشوب فيلمهم، وعدم التعرض بالذات لمشكلة البطالة التي تمثل القاسم المشترك في جميع الأفلام الجديدة التي تعتمد على وجوه جديدة أخيرا، ولكن الرغبة في الابتعاد عن التقليدية ومحاولة تقديم كل ما هو جديد بشتى السبل، جعل الفيلم يقع في فخ المبالغات التي تتجاوز حدود المعقول، بداية من اختيار أن تكون جدة فايز بعيدة عن شكل الجدة التقليدي ربة المسكن الطيبة قلب، كما ظهرت أم بدير كسيدة مختلة عقلياً تفرح لموت ابنها أو دخوله السجن، في حين تم إهمال عائلة إسماعيل تماماً، الرغبة في التجديد أيضاً أثرت سلباً على طريقة رسم العلاقات وتعرفها ببعضها البعض، والتي وصلت لقمة سذاجتها عندما نادت المرشدة السياحية على إسماعيل من أجل أن تريه كوكب بلوتو، مع أنها مرشدة سياحية وليس عالمة فلك، وتصل الرغبة في التجديد إلى حد السخافة مع ضابط الشرطة (محمد متولي) الذي لا يعرف أي شيء عن أي شيء في التحقيقات أو في الحياة أصلاً.

مشكلة أخرى أساسية في طبيعة العمل قللت من قيمته، فإذا كان اختيار مبدأ الفكاهة والسخرية منذ بداية الفيلم كمنهج أو كمنطق للفيلم نفسه، فإن النبرة الدعائية الزاعقة التي ظهرت فجأة في النهاية، ضربت روح الفيلم ومنطقه في مقتل، فاعتماد الفيلم أساساً على نماذج (كاريكاتورية) لمعظم شخصيات العمل، فيما فيها شخصيات العصابة الإسرائيلية بزعيمها الذي يشاهد أفلام الرسوم المتحركة، والمدير ذو الصوت الأجش والعين المتورمة، وحتى الحارسان الشخصيان اللذان لم ينجوا من ذلك التهكم سواء في تصرفاتهم أو ملابسهم، انتهاء بالفتاة الشريرة التي أرادت الإيقاع بفايز وأصدقائه، أي أننا أمام عصابة مكونة من خمسة حمقى يحاولون الحفاظ على سر قد يهدد أمان دولة إسرائيل إلى الأبد، فما الداعي إذن بعد كل ذلك أن يتحول الفيلم إلى تلك النبرة الجدية، التي تتشابه مع معظم الأعمال الكوميدية الرديئة التي تحاول أن تصبغ موضعها بقدر من الأهمية والخطورة، لتفادي الاتهام بالسطحية والجعجعة الكوميدية الفارغة، لذلك ففكرة التجديد التي هي الشاغل الأساسي لصناع الفيلم من البداية، قد أصبحت بلا معنى.

عموماً يبدو أحمد فهمي أكثر تمكناً في سيناريو فيلم «كده رضا» أكثر من هنا، في حين أن المنتظر أن يكون فيلم المجموعة الأول أكثر إتقاناً من أي فيلم آخر، كما ان أحد أكبر الثغرات التي واجهت الفيلم تكمن في ضيوفه، فالفيلم يملك قدرا كبيرا من خفة الظل والمواقف الكوميدية الجديدة والجيدة، لكن وجود أحمد الفيشاوي حول مسار الكوميديا الجيدة إلى كوميديا الاستظراف، ختاماً بظهور سمير غانم في نهاية الفيلم، مشكلة الفيلم الأخيرة تكمن في نهايته، فهي بصرف النظر عن تقليديتها الشديدة، لم تضف أي شيء حقيقي لشخصيات الفيلم، خاصة فايز الذي اكتفى بالترديد اللفظي أنه تغير وقد أصبح أكثر وعياً بقيمة الأشياء، خاصة تلك الفتاة التي ظهرت في بداية الفيلم دون أن نعرف علاقته بها، وهي نهاية تأتي طبيعية لتجربة تم التعجل في صناعتها، ورغبة صناعه في تقديم الجديد وإرضاء الأقلام التي تبحث عن أي قيمة يمكن أن يحتويها الفيلم، حتى لو كانت قيمة سطحية وبلا مصداقية حقيقية.

[email protected]