نجوى كرم: اليوم أنا عدت «ديكتاتورية»

تمسكت بالأغنية اللبنانية فجعلتها نشيدا عربيا

نجوى كرم («الشرق الإوسط»)
TT

لا تؤمن بالحلول الوسط او الحظ والمصادفة. تكره المواربة وترفض ان تتأثر بالمال والشهرة او بأي شيء خارجي يمس روحها من الداخل. وتقول لا شيء يمكنه ان يفرِّق ما بين نجوى كرم الفنانة والإنسانة. وعندما شعرت بخطرٍ يداهم النجويين لم أرحم نفسي وأعدت ترميمها.

فنجوى كرم او شمس الاغنية، كما هي معروفة في لبنان والعالم العربي، علّمتها الحياة كما تقول ألا تيأس. المطبّات الكثيرة التي صادفتها في حياتها، التي استطاعت في سنوات محددة ان تهز كيانها جعلتها امرأة متصالحة مع نفسها تنشر الدفء اينما حلّت، لكنها مستعدة لحرق من يحاول ان يضرب طمأنينتها.

وتقول:«مررت في فترة كنت فيها ديمقراطية أتعامل مع الامور ببساطة. فانقلبت الامور ضدي. عندها فصلت نفسي عن نجوى ورحت اتفرّج عليها واتساءل عن تصرفاتها فلم اتوانَ عن محاكمة نفسي فقسوت عليها وعشت الالم والمعاناة، لكني في النهاية انتصرت وعشت السلام الداخلي. اليوم عدت ديكتاتورية اتشبث بقراراتي النابعة من فكري لجهة الخطط التي ارسمها لنفسي، لست حقودة او ظالمة وينتقدني البعض بأني عنيدة، لكني اكتشفت ان العناد في كثير من المواقع الفنية وليست الشخصية مفيد، لكني مؤمنة بأن لا شيء باستطاعته في هذه الدنيا ان يدوم».

فنجوى كرم التي ولدت في 26 شباط (فبراير) من عام 1966 في مدينة زحلة البقاعية، تأثرت بنشأتها وبحياتها البسيطة التي عاشتها في كنف عائلة مؤلفة من الوالد كرم كرم والوالدة بربارة، فكانت آخر حبة في العنقود المؤلف من سلوى وطوني وجان ونقولا.

وتتذكر تلك الفترة التي تصفها «عالبركة» لا هموم فيها ولا مشاكل و«لا إلك ولا عليك»، تماماً على الطريقة اللبنانية الجبلية العريقة، عاشت طفولة سعيدة فتعلمت في مدرسة يسوع الملك التي ما زالت تزورها حتى اليوم بين الحين والآخر فتفوقت في اللغة العربية فيما فشلت بالمواد الحسابية. كانت طفلة شقية يلقبونها رئيسة العصابة لكثرة المقالب التي كانت تمارسها على الآخرين ولا سيما الاساتذة منهم. وتتوقف عند احدى هذه المحطات وتروي كيف كانت تدخل انابيب سيلان الدموع الى الصف لتنشر الفوضى علَّ الاساتذة ينزعجون ويتوقفون عن التدريس فيسر التلامذة الذين كانت تنهمر دموعهم ايضاً بتأثير الانابيب غير آبهين.

احلامها في تلك الفترة كان محورها القاء الشعر امام جمهور غفير او ممارسة المحاماة والدفاع عن المظلومين وتقول:«كنت ادافع عن زملائي في الصف اذا اتهموا زوراً وكانوا بدورهم يستنجدون بي لاخلصهم من موقف حرج».

قوية الشخصية، صارمة في تعاملها مع الآخرين تتحلّى بلهجة مقنعة، صادقة في مشاعرها الامر الذي دفع بأحد اساتذتها ان يقول لها في احد الايام «يا نجوى لا ينقصك سوى ارتداء ثوب المحاماة لأنك لا شك ستنجحين في هذا المجال». لم يكن الفن يراودها ولم يخطر في بالها انها ستصبح فنانة. فوالدها لم يحبذ يوماً العمل الفني انما شقيقتها سلوى والمقتنعة بموهبة اختها الصغرى اصرّت عليها ان تشارك في منتصف الثمانينات في برنامج «ليالي لبنان» عندما لفتت الانظار اليها وقال عنها المطرب والموسيقي ايلي شويري يومها «حرام ان تهدروا هذه الموهبة سدى».

بعدها تدربت نجوى على أيدي زكي ناصيف وفؤاد عواد في المعهد الوطني العالي للموسيقى اللذين رسخا فيها الغناء الاصيل. في الوقت نفسه كانت نجوى كرم تمارس مهنة التعليم فبدأت مسيرتها حادقة تلازم الاطفال فحملت لهم كل مشاعر الحنان والعطف. بعدها طلبت من المسؤولين في مدرسة الكلية الشرقية في زحلة ان يعينوها ناظرة عامة فأعطت دروسا في الرياضة والرقص وفيما بعد في الجغرافيا والغناء.

وتتذكر هذه الفترة:«كنت اتحدث الى التلامذة بصوت منخفض حتى يستكِنوا فيسمعوني. كنت اعرف دواءهم لانني شقية بطبيعتي فلم امارس يوما دوري كمعلمة صارمة بل وكأني واحدة منهم».

في هذه الاثناء كانت تحيي الحفلات الغنائية الى جانب مطربين معروفين ولم تكن تنال سوى اجور رمزية بالكاد تشتري لها ثوباً لتطل به على المسرح. في تلك الفترة تأثرت بصباح فأدت لها اغانيها في الحفلات ولا سيما «ليش لهلق سهرانين» وايضاً بكل من سميرة توفيق وملحم بركات.

وبعد ان حازت نجوى عام 1985 الميدالية الذهبية في برنامج لهواة الغناء «ليالي لبنان» شاركت في آخر مشابه له عام 1987 «ليلة حظ» فلاقت قبولاً حسناً، عندها بدأ حلم الفن يراودها فقررت ان تستقيل من مهنة التدريس التي مارستها لعام ونصف العام لتتفرغ للغناء. عام 1989 صدر اول البوم غناء لها بعنوان «يا حبايب».

فتبنى موهبتها الفنية الشاعر اللبناني عصام زغيب الذي رافقها في مشوارها الى حين وافته المنية اواخر التسعينات عام 1992، اطلق عليها الصحافي جورج ابرهيم الخوري لقب «شمس الاغنية» وكان ذلك بعد صدور ثاني ألبوماتها الذي يحمل الاسم نفسه. واصلت نجوى رحلتها ووقعت عام 1993 عقداً مع شركة سعودية لانتاج البومها الثالث «انا ممكن» لان مسيرتها الفنية الحقيقية بدأت 1994 مع شركة روتانا للانتاج والتوزيع الفني فأصدرت معها رابع البوماتها «نغمة حب» ولاقت فيه اغنية «أنا ما فيي» نجاحاً كبيراً وحازت من اذاعة لبنان الرسمية جائزة افضل مطربة لبنانية للعام.

وتمسكت نجوى بالاغنية اللبنانية ورفضت ان تتضمن البوماتها لهجات اخرى، الامر الذي ساهم في انتشار الاغنية اللبنانية مما جعلها نشيداً عربياً يردده المعجبون بصوتها في مختلف الدول العربية، لا سيما في مصر.

ورسخت نجوى الإيقاع الكتكوفتي المعروف بالعامية بالايقاع النوري اللبناني، الذي استعمله بعض الموزعين الموسيقيين العرب في اعمالهم فتحول الى اسلوب خاص بها، بحيث يلاحظه الناس فور سماعه. وتقول في هذا الصدد: «انا متمسكة بلبنان وأشعر بأن الارزة موجودة على كتفي وجبيني فنحن الاثنان واحد وافرح للفنانين غير اللبنانيين المتمسكين ايضاً بلهجتهم وهويتهم».

واكملت نجوى سيرتها فواصلت تحقيق النجاحات الواحد تلو الآخر في اغاني البومات «حكم القاضي» «سهراني» «حظي حلو» و«خيروني» و«ما حدا لحدا» وغيرها، وشاركت في اكثر من مهرجان عربي ودولي وتنقلت بين قرطاج وسلطنة عمان ودولة الامارات العربية والاردن وسورية وليبيا والجزائر. فأصبح اسمها على كل شفة ولسان.

عام 1998 اصدرت البومها الثامن «مغرومة»، وعام 1999 البومها التاسع «روحي روحي» وصوّرت ثلاث اغنيات منه في كليب واحد فيه اغنية الالبوم اضافة الى «عطشانة» و«عاشقة».

عام 2000 اقدمت نجوى كرم على سابقة فنية بحيث صوّرت جميع اغنيات البومها «عيون قلبي» في كليب واحد، ومنحت ذلك العام القاباً كثيرة منها لقب النجمة التي لا تموت، وافضل مطربة The Lebanese Diva من وكالة الانباء الفرنسية.

وشكلت الالفية الثانية تحوّلاً جذرياً في حياة نجوى كرم عندما تزوجت من متعهد الحفلات يوسف حرب، إلا انهما ما لبثا ان تطلقا بعد مرور حوالي عام على زواجهما. فاصدرت بعدها البومها الحادي عشر «ندمانة» ونالت على إثره جائزة افضل مطربة عربية في مصر.

تعرضت نجوى لنكسات وشائعات عدة تسببت لها في معاناة جعلتها تتشبث أكثر فأكثر بموهبتها وجمهورها، وكانت شائعة خبيثة قد عرضتها اواخر التسعينات لمواقف حرجة اطلقها عليها المتضررون من نجاحاتها، فكانت على وشك الانهيار، خصوصاً ان الشائعة طالت محرمات دينية. الا انها ما لبثت ان اثبتت براءتها منها، وتراكمت النكسات اثر طلاقها من زوجها واحتجبت نجوى كرم عن الظهور الاعلامي واكتفت بإصدار البوماتها من دون السماح لاحد من الاقتراب من حياتها الخاصة لا سيما ان احدى هذه النكسات كانت نتيجة خلاف حاد حصل بينها وبين أخيها مدير أعمالها السابق نقولا كرم.

فأوصدت بابها وقررت اعادة ترميم نفسها كما قالت. وبعد مرور حوالي خمس سنوات عادت نجوى كرم لتطل من جديد على عالم الاضواء والاعلام واتخذت قرارها الحاسم بعدم التحدث عن خصوصياتها الا في الخط الذي تحدده شخصياً. ووجهت بعدها رسالة الى اخيها قالت له فيها: «ان المحبة افضل سلاح، واذا احببت مصالحتي اقرع الباب فيفتح لك».

وتردد نجوى انها تعيش دائما حالة حب، وان الفنان لا يستطيع ان يغني اذا لم يكن مغرماً وتقول:«أنا لا احب التحكم في قلبي، بل افضل الاستسلام له». وعن رأيها في موضوع الزواج تقول: «الزواج والفن لا يتفقان كثيراً، وعندما كنت في الثامنة عشرة، كنت اجد ان الوقت ما زال باكراً للزواج. اليوم الشهرة والاضواء خطفت مني هذا الحلم وأنا شخصياً فاشلة في الاستغناء عن الفن مبدئياً».

وتؤمن نجوى بأهمية حب الجمهور للفنان وتصف نفسها بـ «المنوَّرة» كلما احيت حفلة، وتقول: «اشعر في اليوم التالي بعد الحفلة أن نوراً يغمر وجهي واعتقد انه وهج محبة الناس لي».

اختارت نجوى كرم عملاقين في عالم الغناء لتؤدي معهما دويتو غنائياً وهما وديع الصافي وملحم بركات. فقدمت مع الاول اغنية «كبرنا»، التي تحمل رسالة للوالدين، واغنية وطنية مع الثاني بعنوان «رح يبقى الوطن»، وعندما سئلت عمن تختار من النجوم الشباب ليشاركها دويتو جديد ردّت:«قد اقدم على هذه الخطوة عندما يندرج اسمي بين العمالقة».

وابتعدت نجوى كرم عن الحقل الاعلاني ورفضت عروضاً مغرية، لأن ذلك حسب ما تقول لا يندرج في سياستها الفنية ولأنها تخاف من الاستهلاك. اما السياسة فلم تفكر فيها يوماً، لأنها تعتبر ان العمل الفني لا يقل اهمية عنها.

وحتى الآن خاضت تجربة مسرحية واحدة اثر اتصال الاعلامي غسان بن جدو بها للمشاركة في عمل بعنوان «اصوات قلبت العالم»، التي عرضت في قطر وعاد ريعها لصالح جمعية ايادي الخير الممتدة نحو آسيا. وشارك فيها عدد من الفنانين والممثلين اللبنانيين والعرب وبينهم كارمن لبس، رغدة، لطفي بوشناق، صفية العمري وغيرهم. وهي تنتظر العمل المسرحي المناسب لتعيد الكرّة. كما تردد عن اشتراكها في فيلم سينمائي الى جانب الممثل السوري جمال سليمان الا ان الفكرة لم تكتمل فلم ينفذ الفيلم.

تصف نفسها بعاشقة الاطفال فهي تشعر في الذوبان امامهم. اما نهايتها فتتخيلها في منزل بسيط قروي تحيط به الحدائق فتأكل من ثمار نباتاتها لان اجمل حياة يمكن ان يعيشها الانسان هي تلك الشبيهة بحياة الفلاح الذي يتمتع براحة الضمير.