عودة الروح للمسرح السعودي

متخصصون فنيون: نظرة التفاؤل نابعة عن المستويات العالية للعروض

ورش العمل المسرحية أصبحت تخرّج ممثلين أكثر قدرة للتفاعل مع المسرح المتخصص ( الشرق الأوسط)
TT

أضيئت الشموع خلف رؤوس الحضور وسط الظلام الدامس، ليس بسبب انعدام الضوء، إنما إيذاناً بانطلاقة ثاني مهرجان مسرحي تشهده السعودية خلال أقل من 5 أشهر، ليس ذلك فحسب بل أجبر المهرجان الأخير المسرح السعودي للدخول إلى مسار التخصص في ظل تخبّط عاشه المسرح لسنوات مضت، ولم تهدأ خشبة المسرح السعودي منذ انقضاء المهرجان المسرحي السعودي الرابع الذي عقد في مارس (آذار) الماضي، حتى دخل المسرح السعودي المتخصص مدعوماً من المسرح الإماراتي في تظاهرة نخبوية وثقافية وفنية أخرى اختتمت مطلع الأسبوع الجاري حيث مهرجان «المونودراما» الأول. كانت «الشرق الأوسط» محقة عندما نقلت عن مسرحيين سعوديين في فبراير (شباط) من العام المنصرم تنبؤات بميلاد مسرح سعودي جديد، وخروج المسرح من رداء الموسمية التي عاش في كنفها نحو عقدين من الزمان، وأدائه لرسالة مسرحية لا تخلو من أي من المعايير الفنية المسرحية. ورغم ما يشاع عن ضعف الجهود تجاه المسرح السعودي هنا وهناك، إلا أن مهرجان «المونودراما» الأول الذي اطلقته الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في الرياض الثلاثاء 1 يوليو (تموز) الجاري، وانقضى السبت الماضي، أعطى للمسرح معنى حقيقياً، وأعاد له روحه، فهو أدخله مساراً جديداً من التخصص، بعقد هذا المهرجان الذي يعتمد بطولة الممثّل الواحد، ويؤسس لفهم واستيعاب هذا الفنّ في وسط ليس حديث عهد بالمسرح، بدلالة ما شهدته البلاد من ظهور أول نص مسرحي، وهو نص «الظالم نفسه» للشاعر حسين عبد الله سرّاج عام 1932.

وقال متخصصون مسرحيون انه على رغم أن المسرح مظلوم إلى حد ما في الخليج العربي، إلا أن هناك نظرة تفاؤل وسط ما يشهد من تحقيق مستويات عالية للعروض المؤداة والممثلين المشاركين، ودرجة الوعي المسرحي لديهم»، فيما يشير المخرج رجا بن غازي العتيبي مدير مهرجان الرياض الأول للمونودراما في الرياض ورئيس لجنة المسرح بجمعية الثقافة والفنون إلى أن هناك حراكاً مسرحياً غير مسبوق، بدلالة 7 عروض ضمها المهرجان، إلى جانب محاضرتين عن مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، الفكرة والتأسيس، ومحاضرة أخرى تمثلت في قراءة نقدية للافلام السعودية المشاركة في المهرجانات السينمائية في الامارات، قدمها مدير مهرجان الخليج السينمائي.

ورغم الحضور المختصر الذي شهده مهرجان الرياض الأول للمونودراما، إلا أنه سجّل نجاحاً مبهراً على الصعيد الفنّي، فدرجة الإبهار التي تحدث عنها الدكتور أحمد تونتجي من سورية كانت فائقة، حيث الممثلون السعوديون الشباب على درجة بالغة من الأداء والمهارة والاحتراف إضافة إلى مضامين المسرحيات وطرق إخراجها.

المهرجان الذي استمر لخمسة أيام بدأ بمرور الشموع التي حملها عدد من الممثلين بين مقاعد الجمهور وسط الظلام الدامس والموسيقى المسرحية، وعرض راقص قدمته لجنة الفنون المسرحية في جمعية الرياض من إخراج شادي عاشور وأداء محمد الشدوخي، باستخدام الشموع ولغة الجسد مع الموسيقى المسرحية.

وحصد المهرجان مع بدء أولى مسرحياته الإعجاب، بعد العرض المسرحي الأول (المذياع) للجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في المدينة المنورة، قام بتأليفها وإخراجها رامي عاشور، فيما قام بدور البطولة الممثل الشاب رامي خليل، وانطلقت المسرحية بصراع نفسي بين الشخصية والضمير، تعيش في فترة الخمسينات والستينات الميلادية بالتزامن مع الموسيقى التي زامنت تلك الحقبة من الزمان، وإسقاطات على الاستخبارات والجاسوسية التي برزت في تلك الفترة، من خلال حوار بين الشخصية والمذياع، بالإشارة إلى ما كانت تشكله هذه الوسيلة الإعلامية من أثر بالغ.

فعاليات المهرجان، ضخت في المسرح روحه الثقافية والفنيّة، فالقيمة الثقافية، والمضامين الإنسانية العليا، إلى الجوانب الفنية المهمة من موسيقى ومؤثرات صوتية وضوئية، لم تخلُ أي مسرحية منها، بل تفوقت مسرحيات في أدائها وحققت بذلك قفزة أخرى تضاف إلى المهرجان السابق.

المهرجان الذي عقد للمرة الأولى، وضمّ 7 عروض وعشرات من الممثلين من خريجي المدارس المسرحية التي تعقدها الجمعيات، سيعقد مرة أخرى بعد عامين، وسيكتب له الاستمرار، لكنه – بحسب الدكتور حزاب الريس – رئيس لجنة تحكيم المهرجان، سيكون بحاجة إلى زيادة عدد الجوائز المقررة، وجائزة خاصة للمؤثرات الصوتية والموسيقى وجائزة للماكياج وأخرى للإضاءة في الدورة المقبلة التي يشهدها المهرجان. إضافة إلى تخصيص جوائز عينية ومادية مجزية للفائزين، وضرورة قصوى لعقد دورات معرفية وتدريبية وورش عمل متخصصة في مسرح «المونودراما» من أجل تطوير القدرات المهنية في مجال المونودراما.