اليمن يلجأ إلى أفلام الكرتون لمحاربة الفساد

فيلم «عودة أحمد» تكلفته 30 ألف دولار والقنوات ترفض عرضه

مشهد من الفيلم الكرتوني «عودة أحمد» («الشرق الاوسط»)
TT

أسهل طريقة لمخاطبة الطفل كما يؤكد الخبراء بنفسية وعالم الأطفال هي أفلام الكرتون، فالشخصيات الكرتونية تعد بمثابة القدوة لدى الأطفال فيقلدونهم في كلامهم وحركاتهم وأصواتهم وأزيائهم، ولهذا السبب أنتجت مؤسسة شوذب للطفولة والتنمية اليمنية أفلام كرتون تحكي قضية من قضايا الأطفال في اليمن كمشكلة هروب الأطفال اليمنيين إلى السعودية للعمل فيها، وحمل الأطفال للسلاح، وأخيرا طرح مشكلة التحرش الجنسي والتي تعد احدى المشاكل الحساسة في المجتمع اليمني والمجتمعات العربية بشكل عام.

وخلال اتصال هاتفي أجرته «الشرق الأوسط» قالت مريم إبراهيم الشوافي الأمينة العامة والمديرة التنفيذية لمؤسسة شوذب للطفولة والتنمية في اليمن، منذ أربع سنوات ونحن مهتمون بتوعية الطفل، ومن خلال بحثنا وجدنا أن أسهل طريقة تخاطب الطفل دون أن يمل منها ونحقق هدفنا التوعوي من خلالها كانت أفلام الرسوم المتحركة الكرتونية.

وفي العام الماضي طرحت المؤسسة فيلم «عودة أحمد»، بتكلفة 30 ألف دولار وبتقنية ثلاثية الأبعاد ومدته 20 دقيقة بالتعاون مع احدى مؤسسات الإنتاج الكرتوني في القاهرة، الفيلم الذي نسخ على أقراص الـ «سي دي» ووزع مجانا في المدارس اليمنية وفي البيوت وغيرهما من الأماكن المتوقع وجود الأطفال فيها بعد أن رفضت القنوات اليمنية الرسمية عرضه وكان أول فيلم كرتوني بالصبغة اليمنية المحلية وباللغة العربية الفصحى يسرد قصة مستوحاة من أحد الأطفال اليمنيين قبض عليه بعد عودته من السعودية والتي عمل فيها متسولا، تقول في هذا الشوافي، مشكلة هروب الأطفال اليمنيين عبر الحدود إلى السعودية في زيادة، وللأسف يتم هذا بدفع أولياء الأمور لصغارهم لهذا، كله من اجل جني المال غافلين عن المشاكل الجسمية والنفسية التي تؤثر على أطفالهم وبطريقتهم هذه يقتلون براءة صغارهم ويسببون لهم الكثير من الأذى والمشاكل، وكانت قد أشارت وزارة الشؤون الاجتماعية في اليمن الى أنه بلغ عدد الأطفال الذين يتم تهريبهم سنويا من اليمن إلى السعودية 900 ألف طفل.

فيلم «عودة أحمد» يقص تجربة طفل يمني في الـ11 من عمره، يهرب من اليمن مع صديقه إلى السعودية للعمل فيها كمتسول، يعاني أحمد من خلال رحلته عبر الجبال والصحارى مشاكل كثيرة وأولها افتقاده لحضن أمه وصوت أبيه واللعب مع اخوته وأصدقائه، كما يتعذب كثيرا أثناء رحلته من فقدانه لصديقه في هذه الرحلة نتيجة لدغة ثعبان تقتله فورا، ويركز المشهد على عدم اهتمام المهرب لحالة الطفل ويتركه يصارع الموت دون أن يقدم له أي إسعاف، كما يركز الفيلم على الجانب الإنساني النفسي كثيرا لمدى تأثيره القوي على المشاهدين الصغار، فنرى أحمد يعمل متسولا في شوارع السعودية، ويقف في احدى المرات أمام واجهة احد مطاعم الشاورما ويرى الصغار يتناولون عشاءهم بينما هو لا يستطيع ذلك وتعلق الشوافي: لا ننتج أي فيلم كرتوني من باب الترفيه فقط، كل الأفلام التي أنتجت تحمل رسالة وهدفا معينا نود تحقيقه من خلال الفيلم الكرتوني، وتؤكد بأن فيلم «عودة أحمد» تأثر الأطفال به ونقلوه لأمهاتهم اللاتي شاركن الصغار في مشاهدة الفيلم وعزف الكثير منهن عن فكرة إرسال أولادهن وبناتهن هاربين إلى السعودية للعمل كمتسولين.

فيلم «عودة أحمد» وزع منه حوالي 16 ألف نسخة في اليمن ووصل حتى إلى الأماكن النائية في اليمن على الرغم من عدم وجود الكهرباء في بعض تلك المناطق وعدم معرفتهم بأجهزة الحاسوب إلا أن مؤسسة شوذب أرسلت فريق عمل يحمل جميع أجهزة العرض لعرضه على الأطفال الذين يهربون من مناطقهم النائية إلى السعودية أكثر من المدن اليمنية،وقد حصل الفيلم على المرتبة الثانية في مهرجان القاهرة في سينما الأطفال لـ2007م.

ولأن مشكلة حمل الأطفال اليمنيين للسلاح في زيادة كما اعترفت بهذا الحكومة اليمنية مؤخرا لأنه يعد من العادات والموروثات الاجتماعية اليمنية التي تتفاخر كل أسرة بحمل صغارها للسلاح وكل قبيلة تفتخر بعدد ذخائرها من الأسلحة نتج عن ذلك حوادث مفجعة يرتكبها أطفال غير بالغين بأسلحتهم التي يحملونها في جيوبهم بدل الحلويات وفي حقيبتهم المدرسية بدل الكتاب والقلم، وكان هذا سبب تدشين الفيلم الكرتوني اليمني «أحمد ولعبة الموت» بإنتاج قدر بـ50 ألف ريال ومدته 20 دقيقة وكتب قصته نادر محمود الحمادي، في قالب درامي تسير أحداثه وفق أسلوب المفارقة بين القلم والسلاح وتقول في هذا الشواف: من خلال هذا الفيلم الكرتوني أردنا تحقيق فكرة ترسيخ سلاح العلم بالقلم والدفتر للطفل بدل ترسيخ فكرة حمل السلاح، فأردنا أن يؤمن الطفل بأن العلم هو سلاحه مدى حياته.

الفيلم يضم أسرتين الأسرة المثالية المتمثلة في عائلة احمد من خلال والده الذي يركز على العلم والتعليم، في مقابل والد الطفل «سالم» الذي يحمل هدايا لأطفاله مفرقعات في إشارة إلى تكريس ثقافة السلاح التي يتفاخر بها الآباء والأجداد في اليمن،وفي مشهد مؤلم يلقى الطفل سالم مصرعه برصاصة مفاجئة على اثر اللعب والعبث مع صديق له فيما طلقة أخرى تصيب احمد بجروح خطيرة.

الفيلم بصبغته اليمنية من خلال الشوارع والأماكن التي يزورونها وأزيائهم وجدت قبولا من الأوساط اليمنية والقبلية والتي تفضل إهداء صغارها أسلحة وكان هذا كما تقول الشوافي اكبر برهان على نجاح فكرتنا وتحقيقها لهدفنا.

مشاكل الأطفال اليمنيين هي مشابهة لمشاكل الكثير من الأطفال في الدول العربية وكان هذا سبب اختيارهم اللغة العربية الفصحى في أفلامهم الكرتونية بدل اللهجة اليمنية لإيصال رسالتهم لأكبر عدد ممكن من الأطفال في العالم العربي، ومن تلك المشاكل «التحرش الجنسي» وهي احدى القضايا المسكوت عنها في العالم العربي على الرغم من زيادتها بين الحين والآخر، وكانت فكرة تناول «التحرش الجنسي للأطفال» كفيلم كرتوني واحد من المستحيلات السبعة لصعوبة ذلك، فتارة تمنع الدولة من عرضه، وتارة يجد القائمون على الفكرة صعوبة في اختيار السيناريو الدرامي للفيلم وكيفية إيصال الفكرة للصغار، ففكرة تنبيه الصغار بمشكلة التحرش الجنسي التي قد يتعرضون لها من الغريب أو القريب فيها الكثير من الجرأة والمغامرة في حد ذاتها.

وهذا ما دفع مؤسسة شوذب للطفولة والتنمية في اليمن بعد ستة أشهر من التفكير أن يقع اختيارها على فيلم مدته 20 دقيقة عبارة عن اسكتشات غنائية مختلفة بين الشارع والمدرسة والبيت وهي أكثر الأماكن التي يتعرض فيها الأطفال للتحرش الجنسي. فعلى سبيل المثال يطرق غريب الباب على طفلة صغيرة بمفردها في البيت تلعب مع عصفورتها، وتهم بفتح الباب بينما تنبهها العصفورة بعدم فتح الباب للغريب لأنها قد تتعرض للأذى بطريقة غنائية وكذلك للولد في المدرسة، فالفيلم بشخصياته الكرتونية الغنائية يوضح للأطفال بان هناك مشكلة اسمها تحرش جنسي قد تتعرضون لها وهي كالتالي وعليكم إخبار والديكم في حالة وقوعها دون أن تخافوا.

وتتمنى الشوافي بأن تتعاون معها القنوات الفضائية للأطفال العربية والشهيرة في عرض أفلام المؤسسة الكرتونية لان المشكلة ليست يمنية بحتة إنما عربية وتقول: نسعى إلى تنفيذ مسلسل كرتوني من بنود اتفاقية حقوق الطفل عالميا، إلا أننا نواجه عدم وجود الممول الذي يساعدنا على إنتاج المسلسل.