«قبلات مسروقة».. تعلم فن «الكليشيه» بدون معلم

إهمال التفاصيل الصغيرة أثر في مصداقية العمل

مشهد من الفيلم
TT

نجاح تجربة أفلام البطولة الجماعية في السينما المصرية، أنتجت نوعين من الأفلام، النوع الأول يأتي على نسق فيلم «سهر الليالي»، وهو يناقش قضايا الزواج والعلاقات العاطفية بين البالغين، في أفلام مثل «علاقات خاصة» و«إحنا اتقابلنا قبل كده» و«استغماية». بينما يتجه النوع الثاني من الأفلام إلى مناقشة قضايا المراهقين الذين يبحثون عن فرصهم في العمل والزواج على نسق فيلم «أوقات فراغ». في أفلام على شاكلة «الماجيك» و«أيامنا الجاية».

فيلم «قبلات مسروقة» يأتي ضمن النوعية الثانية، حيث لدينا القصة المعتادة عن ستة أصدقاء في الجامعة، تجمعهم مشاكل البطالة ومحاولة تحمل مصاريف الزواج، رغم أنه في الحقيقة لا يوجد عاطل واحد عن العمل، «أحمد عزمي» خريج كلية الهندسة، لكنه يعمل مؤقتاً في محطة بنزين ويحاول السفر للخارج، «باسم سمرة» يدرس في كلية الحقوق ويعمل كمحام في قضايا بسيطة ومتواضعة، بينما «محمد كريم» اتجه للتجارة الحرة في الملابس وفي أي شيء من الممكن التجارة فيه، وتنحصر مشكلة الثلاثة في تدبير المبالغ الكافية للزواج، لكن محاولة كاتب السيناريو لإضافة المزيد من المشاكل، ومعالجة المزيد من القضايا، لم تسفر سوى عن فيلم مليء بالكليشيهات المحفوظة.

فعلاقة «أحمد» و«يسرا اللوزي» تعتبر أقدم كليشيه في تاريخ السينما المصرية، حيث الشاب الفقير الذي يريد الارتباط من فتاة بالغة الثراء، وفي المواجهة التقليدية الصارمة مع والدها، فإنه يضطر للزواج منها بعقد عرفي، بالرغم من أنه لم تعد هناك فتيات مثل «يسرا» في أرض الواقع، حيث أصبح تفكير الفتيات الآن هو كيف يمكن أن تتزوج من «عريس جاهز» بالفعل، وهو التفكير الذي تتبناه «فرح يوسف» من خلال علاقتها بالدكتور الجامعي «أحمد كمال»، وفي محاولة كاتب السيناريو لتعقيد مشكلة «أحمد» فإنه يتورط في قصة ساذجة انتهت من العالم بأسره، فهو يقع فريسة لفتاة «نرمين ماهر» تقوم بتصويره وهو معها في لحظات حميمة لتبيع الفيلم في الخارج، تماماً مثل فيلم «عنتر شايل سيفه» الذي عرض عام 1983، أي منذ أكثر من عشرين عاماً، ومن ثم يتورط في قضية قتل أشد سذاجة إلى أن يقاد إلى السجن، بينما تتركز مشكلة «باسم» في أنه مخدوع مع صديقته «فرح» التي تحاول الإيقاع بأستاذها للزواج منها. العلاقة الوحيدة الأقرب إلى الواقع هي علاقة «محمد كريم» و«رندا البحيري»، لكن العائق الوحيد فيها هو والد «رندا» الذي يسرق أموالهما التي جمعاها من أجل العمل والزواج ويحتفظان بها في غرفتها، وكأنهما لم يسمعا عن البنوك أو دفاتر التوفير في مكاتب البريد من قبل.

إضافة إلى كل ذلك هناك شخصية دخيلة تماماً على أحداث الفيلم وهي الطالبة «دعاء طعيمة»، التي توفي والدها مما اضطرها للعمل كفتاة ليل بما أنها أكبر أخواتها، وهي شخصية ـ بالرغم من إجادة دعاء للدور ـ لا تؤثر أو تتأثر بأي أحداث أو علاقات تتطور خلال السيناريو، فهي الشخصية الوحيدة التي لا تفعل شيئا سوى ممارسة عملها الليلي، والغريب أنها عندما تقوم بالانتحار حرقاً ـ وهو كليشيه بالغ القدم ـ فإن أحداً من الفيلم لم يتأثر بذلك الحدث المهم، لكن المضحك بالفعل في شخصية «دعاء» هو كونها الأخت الكبرى للعديد من الصغار المتقاربين تماماً في العمر، بينما تفصل مساحة عمرية شاسعة بينها وبينهم، وهو مبرر ساذج لعدم وجود أخوة يقتربون من عمرها ويستطيعون العمل، ناهيك بأن تلك المسافة العمرية غير منطقية أبداً في نظام الأسرة المصري، لتلك الطبقة الاجتماعية التي لا تسعى إلى تحديد أو تنظيم النسل. لكن المشكلة في السيناريو لا تتوقف عند الكليشيهات المكررة، بل هناك أخطاء قاتلة في بعض التفاصيل الصغيرة، التي تفقد الفيلم (المصداقية) تماماً.

فعلى سبيل المثال تعيش «نرمين» في منزل كبير مليء بالخدم، ومع ذلك استطاع «شادي خلف» الدخول إليها وقتلها والهرب من المنزل ـ رغم عدم تخطيطه للقتل ـ من دون أن يترك وراءه أثرا واحدا أو أن يراه أحد الخدم، في حين أن «أحمد» دخل إلى المنزل ولوث نفسه بالدماء في سذاجة كبيرة وسلمه سائق التاكسي إلى الشرطة. وفي سذاجة أشد وعن طريق كليشيه كلاسيكي تماماً، يتمكن من الهرب إلى منزل صديقه «باسم». وبالرغم من أن «باسم» طالب جامعي فقير وبالكاد استطاع شراء ملابس جديدة، فإنه يمتلك تليفونا «مباشرا»، بحيث لا يتناسب مع إمكاناته المادية، يستخدمه «أحمد» للاتصال بـ«يسرا» على هاتفها المحمول، وبعد مواجهة «أحمد» الميلودرامية لصديقه «شادي» بحقيقة أن الأخير هو من قتل «نرمين»، فإن «شادي» يعترف بالفعل بالجريمة ببساطة مذهلة، تجعل الحكم يخفف على «أحمد» ليصبح عاما واحدا في السجن، وبالرغم من أن والد «يسرا» قد رفض تزوجيها لـ«أحمد» في البداية، إلا أنه يوافق هذه المرة، رغم أنه لا يزال عاطلاً، والأهم أنه خارج لتوه من السجن، بل وأصبح ممثل أفلام «بورنو» معروفا في الخارج. وهكذا تصبح نهاية الفيلم نهاية سعيدة لجميع الأصدقاء، حيث يقبل «باسم» بعودة صديقته إليه، بالرغم من أنها هجرته من أجل أموال رجل آخر. في حين أن «محمد» تزوج أخيراً من خطيبته ويبدو أنهما اكتشفا بالفعل وجود البنوك واستطاعا شراء سيارة. النهاية السعيدة على هذه الشاكلة لا تعني سوى استسهال كبير في كتابة السيناريو الذي طال جميع تفاصيله، وجعل منه (كليشيه) طويلا بلا نهاية، وهو ما يدعو للتعجب أن تختار إدارة مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي هذا الفيلم بالذات لكي يكون فيلم الافتتاح، وحتى لو تم اعتباره بديلا وحيدا عن ذلك الفيلم اللبناني الذي قيل إنه استُبعد لأنه يسيء لسمعة مصر، فإن «قبلات مسروقة» يسيء إلى مكانتها الفنية والسينمائية، بسبب الرداءة الشديدة لجودته الفنية وطريقته الساذجة في معالجة قضاياه.

[email protected]