شكسبير والملكة إليزابيث وغاندي وبيكهام وهاري بوتر.. في ضيافة مراكش

مهرجانها الدولي للفيلم يحتفي بـ 50 سنة سينما مغربية و40 سنة سينما بريطانية

طاقم الفيلم المغربي «قنديشة» المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان الفيلم بمراكش («الشرق الأوسط»)
TT

بعد احتفال المهرجان الدولي للفيلم بمراكش بـ50 سنة من السينما المغربية، كان الموعد ليلة الأربعاء الماضية مع تكريم السينما البريطانية، حيث سلمت ثريا جبران، وزيرة الثقافة المغربية، النجمة الذهبية للمهرجان لجون وود وورد، المدير العام للمجلس السينمائي البريطاني.

وقالت الوزيرة جبران «إن المغرب الثقافي والسينمائي الذي أصبح قبلة للسينما العالمية يكرم في السينما البريطانية إحدى أعرق المدارس السينمائية العالمية، هذه السينما الغنية والمرجعية بتاريخها ورموزها وأجيالها وأسمائها الكبيرة، ونحن إذ نكرم هذه المعلمة نكرم من خلالها هذا التقارب والانفتاح على الثقافات الأخرى».

من جهته، قال وود وورد، في كلمة باسم الوفد البريطاني، الذي ضم 33 فرداً يتوزعون على مهن التمثيل والإخراج والإنتاج، «إن التكريم تشريف عظيم للسينما البريطانية»، مشيرا إلى «اختيار السينمائيين البريطانيين للمغرب كمكان رائع للتصوير»، وإلى أن «المغرب شكل باستمرار مصدر إلهام لأعمال العديد من السينمائيين البريطانيين».

وأبرز وود وورد أن المغرب وبريطانيا سيعملان على توطيد شراكتهما في المجال السينمائي بفضل التوقيع على اتفاقية للتعاون ستكون فرصة للعمل سوية وجلب الدعم وتبادل التجارب والخبرات.

وأعقب حفل التكريم عرض لفيلم «الدوقة» (2008) للمخرج سول ديب، المبرمج خارج المسابقة الرسمية للمهرجان.

وفي إطار فقرة التكريم البريطانية، استعاد المراكشيون 45 فيلماً، يلخصون لأربعة عقود من السينما البريطانية، انطلاقاً من فيلم «لو» لمخرجه ليندسي أندرسون، والذي فاز بـ«السعفة الذهبية» لمهرجان كان عام 1968، وصولاً إلى فيلم «قيام الريح» لمخرجه كين لوش، الذي نال نفس الجائزة عام 2006، مروراً بأفلام «عربات النار» (1982) و«غاندي» (1983) و«آخر نظرة على إنجلترا» (1987) و«شكسبير في الحب» (1998) و«إلعبها مع بيكهام» (2002) و«هاريس بوتر وكأس النار» (2005) و«الملكة» (2006) و«الطريق إلى غوانتانامو» (2006).

وقبل السينما البريطانية، سبق لمهرجان مراكش أن كرّم العديد من المدارس السينمائية العالمية، مثل السينما الإسبانية في دورة 2005، والإيطالية في دورة 2006، والمصرية في دورة 2007.

وجاء احتفاء المهرجان الدولي للفيلم بمراكش بالذكرى الخمسين للسينما المغربية، والذي برمج في الليلة التي سبقت تكريم السينما البريطانية، بسيطاً في شكله، لكنه حمل إشارات قوية أبرزت الخيارات والتوجهات الكبرى، الهادفة إلى تقديم المغرب كبلد تتطور فيه السينما باطراد وتعيش فيه وضعية جديدة في مجال الإنتاج، كما في مجال التجدد والاستمرارية، وذلك بدخول الأجيال الجديدة مضمار الإبداع السينمائي.

وتميزت أمسية التكريم المغربية، بتكريم السينمائيين المغاربة في شخص الممثل العربي اليعقوبي، الذي حرص على أن يهدي نجمة التكريم لروح الفنان الراحل حسن الصقلي، الذي فقدته الساحة الفنية المغربية خلال هذه السنة.

وتم في بداية الحفل تقديم فريق عمل الأفلام المغربية الثلاثة المشاركة في الدورة الثامنة للمهرجان، ويتعلق الأمر بـ«قنديشة»، المشارك في المسابقة الرسمية، للمخرج جيروم كوهن ـ أوليفار، و«حجاب الحب»، الذي يشارك خارج المسابقة، للمخرج عزيز السالمي، و«عقلتي على عادل»، الذي يشارك ضمن فقرة «نبضة قلب»، للمخرج محمد زين الدين.

واستهل نور الدين الصايل، مدير المركز السينمائي المغربي، ونائب الرئيس المنتدب لمؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، كلمته بجملة وفاء في حق المخرج الراحل محمد عصفور، الذي قال عنه إنه «استطاع لوحده، بوسائل هزيلة وإرادة قوية، ومن دون مساعدة ولا طموح وطني آنذاك، أن ينتج فيلم «الابن العاق» (1958)، الذي يعد أول فيلم روائي في تاريخ السينما المغربية».

وشدد الصايل على القول، ان «هناك، اليوم، حركية لم يسبق لها مثيل في المغرب. هناك نفس جديد وعزيمة قوية مع تشييد مركبات سينمائية وصنع سوق سينمائية قوية». كما تحدث عن «الأهمية القصوى التي صارت تتميز بها المهرجانات في المغرب»، مؤكداً أن كل هذا يدفع إلى «التفاؤل».

ورأى الصايل أن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش «يكاد يشكل، اليوم، المحور الرئيسي الذي تدور حوله طموحات السينما المغربية بمنتجيها ومخرجيها وممثليها وتقنييها، قصد إثبات الكيان والذات والتجاوز المستمر».

ويرى المنظمون أن الاحتفال بالسينما المغربية «يأتي في سياق خاص تطبعه ديناميكية حقيقية تميز مجموع المهن السينمائية، وهو تتويج لمسار طويل من التحري والبحث الأشبه ما يكون بعبور الصحارى وثمرة نضج مكنها من تملك آليات واستراتيجيات وظفت لخدمة إنتاج سينمائي وطني يتجلى أكثر فأكثر، يتطور بوتيرة منتظمة ويشهد له بالاعتراف والتثمين في كل أرجاء العالم».

ويرى بعض نقاد السينما أن المغرب يقدم اليوم عن نفسه صورة بلد تتطور فيه السينما باطراد وتعيش فيه وضعية جديدة في مجال الإنتاج، كما في مجال التجدد والاستمرارية، وذلك بدخول الأجيال الجديدة لمضمار الإبداع السينمائي.

ويذهب الناقد المغربي محمد باكريم إلى القول ان هذه الدينامية تتجلى في ثلاثة مظاهر، على الأقل، هي «الانتظامية» و«العيانية» و«التنوع». فبصدد الانتظامية، «تعرف السينما المغربية منذ عدة سنوات إيقاعاً منتظماً ومطرداً في النمو». وبصدد العيانية، «بات الفيلم المغربي يشاهد، أولا وقبل كل شيء، في عقر داره. وهي سينما تحظى بالمشاهدة في الخارج وخاصة في المهرجانات الدولية». أما المظهر الثالث فيختص بـ«التنوع الكبير في المواضيع والمقاربات الجمالية».

ويرجع باكريم تفسير هذه الدينامية إلى «وجود تقاليد عشق للسينما يجعل منها ممارسة ثقافية نابعة من المجتمع المدني»، و«وجود جيل من السينمائيين الرواد قاوموا السنوات العجاف، ومكنوا السينما من أن تظل أفقا احترافياً ممكنا»، و«توفر إرادة حقيقية، اليوم، للنهوض بالسينما، وهي الإرادة التي يعبر عنها صندوق الدعم السينمائي».