كريش .. بطل بوليوود الخارق

صديق الحيوانات والطبيعة والمخلوقات الفضائية

مشهدان من الفيلم
TT

* تعالوا.. دعوني أحكي لكم قصة حبّ.

* كان هناك فتى..

* كانت هناك فتاة..

* هي ابتسمت..

* هو ابتسم..

* في الدقائق الثمانية الأولى من فيلم (Krrish) لمُخرجه (Rakesh Roshan)، وإنتاج عام 2006 يلخص السيناريو عشرين عاماً تقريباً من حياة كريشنا (Hrithik Roshan)، التي تخيّرت جدته سونيا ميهرا (Rekha) الانتقال به للعيش في مكانٍ منعزل وسط الجبال، كي لا يلقى نفس مصير أبيه، وأمه. (كريشنا) إذاً يتيم الأبّ، والأم (حالةٌ إنسانيةٌ متكررة في السينما الهندية، تزيد من تعاطف المتفرج معه)، ويمتلك قدرات خارقة ورثها عن أبيه (روهيت ميهرا)، ووُفق اعترافات الصبي رفيقه، فهو يجري أسرع من الحصان، ويسبق القردة في تسلقها للجبال العالية، ومنها يقفز إلى النهر. يقدم الفيلم ذلك اللهوّ الطفوليّ/الشبابيّ في إطار من المرح الذي يُتقنه (Hrithik Roshan) القريب من قلب المتفرج (والمُتفرجات خاصة) الذي لن يطرح على نفسه أسئلة تعجيزية عن مصدر قدراته التي لا تتناسب مع قامته القصيرة نسبياً، وجسده المناسب لحكايات العشق أكثر من حالات القتال مع الخصوم، والأشرار. وعلى الرغم من الحياة الهادئة، والهنيئة التي يعيشها(كريشنا)، والحنان الذي تغمره به جدته، إلا أنه يكشف لها بمرارة عن إحساسه بالوحدة، وشعوره بالاختناق، ورغبته بالهروب إلى مكانٍ بعيد. الشبان الذين في عمره هاجروا إلى المدينة لطلب العلم، أو العمل، وهؤلاء الذين تخيّروا البقاء لا يُحبذون صداقته بسبب اختلافه عنهم، وهكذا أصبح (كريشنا) صديقاً للحيوانات يقضي أوقاته في تسلق الأشجار، والسباحة في الأنهار، وصعود قمم الجبال. لقد توحد مع الطبيعة، فأكسبته القوة، وهي فكرة ذكية تمنح أفعاله بعض المنطق، وتجعلها قابلةً للتصديق، وتيمة إنسانية يستطيع السيناريو الاعتماد عليها بدون الحاجة لمعونة مخلوقاتٍ فضائية طيبة، سوف تكشف الجدة عن تفاصيلها لاحقاً. وبعيداً عن الحياة الجميلة، والرتيبة التي يعيشها، ينجز(كريشنا) أول فعلٍ بطوليّ سوف يغيّر من حياته تماماً. هذه المرة، تهبط المرأة/الحبيبة من السماء، لقد فقدت برييا(Priyanka Chopra) السيطرة على منطادها الذي يهوي بتسارعٍ نحو الأرض، وكانت مشيئة الربّ، والسيناريو بأن يتواجد (كريشنا) في تلك الساعة بالقرب من ذاك المكان، ولولا شجاعته، وسرعته، وقواه، لسقطت (برييا) على الأرض، وتحطم جسدها الجميل، وانتهى الفيلم قبل أن يبدأ. (كريشنا) يجري بين الأشجار، وفوق الأغصان بسرعةٍ خيالية مستوحاة من الفيلم الصينيّ (House of Flying Daggers) لمُخرجه (Zhang Yimou)، وإنتاج عام 2003، وشخصية طرزان التي تجسّدت في أفلامٍ كثيرة. في مشهدٍ ينضح مرحاً، ورومانسيةً، كان الذهول متبادلاً، (برييا) لا تعيّ ما حدث لها، وكيف حطت بين ذراعيّ شابٍ وسيم، و(كريشنا) لم يصدق بأنّ الإله أرسل له هديةً من السماء بعد طول خواءٍ عاطفيّ. (برييا) يتيمة الأبّ، تعيش مع والدتها في سنغافورة، وجاءت إلى الهند مع أصدقائها لقضاء عطلة قصيرة في وسط الطبيعة التي تعشق السينما الهندية تصويرها. كنت أتمنى بأن تتطور علاقة الحبّ الجميلة تلك التي تنضح شعريةً، وشاعرية. ورغبت بأن ينسى السيناريو حكاية الخيال العلمي التي سوف نتعرّف عليها لاحقاً، ولكنني أعرف بأنّ ملايين المتفرجين (وخاصةً الصغار منهم، وهذا من حقهم) ينتظرون بفارغ الصبر بطلهم المحبوب (Krrish). في لحظات استعداد (برييا) للعودة إلى مكان إقامتها في سنغافورة. يتأثر (كريشنا)، وتقترب الكاميرا حتى لقطة قريبة جداً من إحدى دموعه المُنسابة على خده، وتظهر فيها سنغافورة صغيرةً تكبر تدريجياً، وتملأ الشاشة بعنف. وبانتقال الأحداث إليها، تختلط لقطات الليل مع النهار، تترنح حركات الكاميرا ثملةً، مصحوبةً بمؤثراتٍ صوتية تشبه ضربات السياط، يتسارع إيقاع اللقطات، تتداخل، وتتصادم فيما بينها، كلّ واحدةٍ منها تريد إزاحة الأخرى كي تحلّ محلها، سرعان ما تنتفض لقطةً أكثر أنانيةً من سابقاتها. تنقضّ حركات زوم على بعض المباني العملاقة في المدينة، تتسارع حركات البشر في الشوارع، كما وسائل النقل، وكأنّ الحياة تستعجل أيامها الأخيرة، ومع لقطةٍ تندفع من اليمين، وثانية تتسللّ من الشمال، يتعمّد المونتاج إحداث حالةٍ من الإرهاق البصريّ عند المتفرج لمُشاهدة (كريشنا) في مدينةٍ أصبح إدراكنا للزمان فيها أكثر سرعةً مما كان عليه في الجزء الأول من الفيلم عندما كانت الأحداث تتدفق في الطبيعة بسيولة، ونعومة.

ما هو السرّ الذي أخفته الجدة عن حفيدها طيلة عشرين عاماً، وقد جاء الوقت ليعرفه (ونعرفه بدورنا)؟ منذ تلك اللحظة، سوف يتبيّن لنا بأنّ (Krrish) هو الجزء الثاني من فيلم خيالٍ علميّ سابق بعنوان (KOI MIL GAYA) لنفس المخرج (Rakesh Roshan)، وإنتاج عام 2003. لقد تعمّد السيناريو بأن لا يقدم أيّ إشاراتٍ واضحة عن علاقته بالفيلم الأول، ولهذا كانت حكاية الجدة الشفهية طويلة نسبياً، أنقذها إدخال المونتاج لبعض اللقطات الاسترجاعية التوضيحية من فيلم (KOI MIL GAYA)، ومن خلالها تكشف لحفيدها السرّ الذي خبأته عنه طيلة حياته الماضية، وتفسّر له الأسباب الحقيقية لقدراته الخارقة.

تستدعيه (برييا) إلى سنغافورة كي تقدمه في برنامجٍ تلفزيوني مدعيةً بأنها تُحبه، وترغب الزواج منه. بعد ساعةٍ، و42 دقيقة من الفيلم، وعلى إثر اندلاع حريقٍ في سيرك المدينة، ورغبةً منه بإنقاذ الأطفال المحبوسين في الخيمة، يضطر (كريشنا) لالتقاط قناعٍ ملقى على الأرض، ويضعه على وجهه بهدف إخفاء ملامحه، لأنه وعد جدته بأن لا يُظهر قدراته، ومواهبه علناً. ومنذ تلك اللحظات البطولية، يمنح نفسه اسماً تنكرياً (Krrish) لا يبتعد لفظياً عن اسمه الحقيقي (Krishna) ـ وهو اسم أحد آلهة الديانة الهندوسية وُفق معتنقيها. وفي قتاله مع بعض الأشرار الذين سرقوا خاتم الخطوبة من (برييا)، يستعير الفيلم قليلاً من مشاهد قتالية ظهرت في أفلام عديدة: (TARZAN)، (Batman)، (Superman)، (Spiderman)، (MATRIX)، (MINORITY REPORT)، و(Blade II ).

عندما وصل (كريشنا) إلى سنغافورة تعرّف في إحدى ساحاتها على كريستيان لي/ كريس لي (Bin Xia) الذي كان يستعرض مهاراته القتالية كي يجمع بعض المال لمُعالجة أخته الصغيرة المريضة. (كريشنا)، طيب القلب، لم تُغيره شراسة المدينة، وسوف نشاهده في مشهدٍ لاحقٍ يمنحه قناعه الذي يتخفى به كي يتمكن من الحصول على جائزةٍ خصصتها الحكومة للبطل (Krrish) الذي أنقذ الأطفال. وهنا، يستخدم السيناريو من جديدٍ عنصراً درامياً يتكرر كثيراً في السينما الهندية، ويعتمد على فكرة اختفاء شخصية لفترةٍ طويلة (اعتقاداً بأنها ماتت)، وظهورها في لحظةٍ مفصلية من الأحداث بهدف حل ّعقدة ما، أو الكشف عن أمرٍ غامض، أو ببساطة لجمع شمل العائلة المُتفرقة. وهذا ما حدث بالضبط في نهاية فيلم (Krrish)، فقد قرر(كريشنا) العودة إلى قريته وسط الجبال حيث تنتظره جدته، قبل الرحيل بدقائق، وفي طريقه نحو بوابة الدخول إلى الطائرة، تلحقه (برييا)، ومعها فيكرام سينا (Sharat Saxena)، وتخبره بأن والده "روهيت" لا يزال على قيّد الحياة. وفي اللحظة التي يدير (كريشنا) ظهره نحوهما، يستخدم المونتاج لقطةً اعتراضيةً على درجةٍ كبيرة من الأهمية، والتأثير بصرياً، ودرامياً: طائرةٌ تحطّ لتوّها فوق مدرّج المطار بكلّ ثقلها، وضجيج هدير محركاتها. كان (فيكرام) ـ والذي كنا نعتقدُ بأنه واحدٌ من الأشرار ـ يعمل رئيساً لفريق الأمن في الشركة، وكي يكشف عن المفاجأة، ويوضح الأمر، يتذكر ما حدث لـ(روهيت ميهرا)، وكيف أنقذ حياته. فيحكي عن صداقته مع أبيه الذي تخيّر قراءة شبكية عينيه، والتعرّف على نبضات قلبه بمثابة كلمة السرّ لتشغيل الكمبيوتر ـ مشهد يشبه إلى حدٍ بعيد ما شاهدناه مُسبقاً في فيلم (MINORITY REPORT). في أول مشاهدةٍ للمُستقبل، يُظهر الجهاز لحظات ولادة (كريشنا)، وتتلقى جدته مكالمةً هاتفيةً تعرف من خلالها موت ابنها (روهيت) الذي سوف يقتله الدكتور (أريا) نفسه. كانت عقارب الساعة وقت اكتشاف تلك المعلومة تشير إلى السادسة، وأربعين دقيقة في المستقبل، أيّ بعد عشر دقائق من الحاضر، وهذا يعني بأن الدكتور (أريا) سوف يقتل (روهيت) خلال تلك المدة القصيرة، وفي نفس المكان ذاته. وبالفعل، يشاهد (روهيت) على الشاشة ما سوف يحدث لاحقاً، يدخل الدكتور (أريا) مع أحد معاونيه إلى المبنى، ويُعلن عن رغبته في الاستحواذ على دماغ (روهيت) كي لا يصنع جهازاً مماثلا.ً تتسارع أحداث الدقائق العشر الأخيرة من حياته، يشاهدها (روهيت) على شاشة الكمبيوتر العملاقة، يتصل بأمه، فتخبره عن ولادة زوجته (نيشا) للطفل (كريشنا)، وبدوره يعلن لها بأنه سوف يعود فوراً إلى الهند. وخلال عشرين عاماً استخدم الدكتور (أريا) آلة تبقي دماغه حياً، وجسده شبه ميت تقريباً. وفعلا، يستطيع (أريا) تشغيل الكمبيوتر عن طريق عينيّ (روهيت)، ونبضات قلبه، ولكن، يظهر الجهاز ما سوف يحدث له بعد دقائق سوف يقتل الرجل المُقنع (Krrish) الدكتور (أريا سيدهانت). يسارع الدكتور (أريا) إلى قتل (كريس لي) الذي طلب منه (كريشنا) الادعاء بأنه (Krrish) كي يحصل على الجائزة. في مشهد مطاردة الهيلوكبتر التي نقلت (أريا) إلى الجزيرة، يقدم الفيلم لقطاتٍ متقنة، وفيها يقفز (Krrish) بين المباني، ويتقاتل مع رجال (أريا) في الغابة، وتلجأ الصورة إلى الحركات البطيئة في تصميمٍ راقصٍ للمشهد. مرةً أخرى، يشاهد الدكتور (أريا) مستقبله، يُصوب (Krrish) فوهة مسدسه نحوه.. كيف حدث ذلك؟ لقد قتله بيديه، وهو يجهل بأنه قتل (كريس لي)، وليس (Krrish). تغير قدرات (Krrish) مجرى الرصاص، فينقذ حياة أبيه (روهيت)، وحبيبته (برييا)، لقد مات الدكتور (أريا) كما الصور التي أظهرها الجهاز. يعود (كريشنا) مع حبيبته (برييا) إلى منزل جدته في يوم ذكرى وفاة ابنها (روهيت)، ويقدم لها هديةً/ مفاجأة: (روهيت) ابنها على قيد الحياة. يعود (روهيت) إلى جهازه القديم، ويُرسل إشاراتٍ إلى الفضاء، وتردّ عليه المخلوقات الفضائية. روهيت: شكراً يا جادو (الساحر). لمزيدٍ من المُتعة، أنصح القارئ الفضوليّ المُغرم بالسينما الهندية بمُشاهدة فيلم (KOI MIL GAYA) قبل مشاهدته لفيلم (Krrish).