ماكس بين.. بطل مكرر في فيلم ينقصه الكثير

حبكة الفيلم أسقطت جميع الممثلين

مشهدان من فيلم «ماكس» («الشرق الاوسط»)
TT

هناك بطل متجهم وكئيب، قاس وغير متفائل، يدور في عوالم ليلية أقرب إلى عوالم القصص المصورة، وثقته الشديدة بنفسه وبممارسة القتل أقرب إلى عوالم ألعاب الفيديو.

بطل عدمي ومتشائم إلى درجة إيمانه بالألم. أهدافه محدودة وكلماته قليلة والحياة عنده مجرد البحث عمن قتل زوجته وولده.

إنه بطل بقضية واحدة، أو ربما بطل أسطوري مكرر من دون أي قضية.

ماكس بين (قام بالدور Mark Wahlberg) محقق مختص بجرائم القتل يعمل في ملف مغلق يتعلق بجريمة قتل زوجته وابنه الذي مازال طفلا، وهو مسكون بهاجس استحواذي حول ضرورة معرفة القاتل، وتبدأ آماله بالتحليق والعودة من جديد عند تعرفه على قاتلة مأجورة تدعى مونا ساكس (Mila Kunis) والتي قتلت أختها من قبل نفس الشخص الذي قتل زوجته وولده، وهنا تبدأ الأحداث بالتطور بمنحى غير عقلي تماما يناسب فئة معينة من الأعمار التي قد تنجر- ضمن معطياتها العقلية - إلى هذه النوعية من الأفلام.

فالعوالم ليلية، والبطل متجهم وكئيب وتغيراته تنبع من قدرته على الابتسام استهزاء أو ألما... يتجول في الحانات والشوارع المظلمة ليتعرف على العاهرات والمجرمين الذين قد يقودونه إلى مصيره، وتتداخل الحبكة بشكل غير منطقي لتضيف نوعا من الأساطير إلى قصة فانتازية أصلا، الأمر الذي لا يكسب الفيلم أي تنوع أو غنى سوى سقوطه أكثر وأكثر في مطب وغاية التكرار والأفلام التجارية مدفوعة الأجر مسبقا.

هناك على سبيل المثال وشم (نورس فالكري) حيث تقوم مجموعة من الجنود بوضع هذه الأوشمة للحماية.. فالكري يطوف فوق أرض المعركة، يأخذ أعضاء الموتى لأنك إذا أردت أن تموت وتدخل الجنة يجب عليك أن تموت بألم وعنف! وتصبح هذه المقولة ضمن الأساطير النرويجية القديمة، ولكن الفيلم لا يتركز أصلا هنا، بل يظهر أشخاص يشبهون الصقور بلباسهم وعندهم قدرة على الطيران. ويضعهم فالكري ضمن مسؤولية جرائم القتل التي تحدث في هذه المدينة الليلية، ثم يعود بنا إلى عوالم ماكس بين كأنه يريد القول إن هذه العوالم الأخرى موجودة حقيقة ولكن الإنسان العادي لا يستطيع أن يراها. ثم تغيب هذه الأساطير، ويجبر المشاهد على العودة بقوة إلى عالم البطل الذي لا يشكل أكثر من قصة مصورة محبوكة أو لعبة فيديو يجب، بل لابد أن ينتصر فيها هذا البطل الذي لا يؤمن بأي شيء. وتستمر الأمور بالمسير المتعرج المصطنع والمحبوك لأن القضية برمتها ستتحول إلى مؤامرة حكومية - حتى المؤامرة مكررة - تدور حول دواء معين يُكسب الجندي القدرة على عدم الرحمة بالمعركة، ويصيبه بحالات من الشعور بالسوبرمانية والهلوسة غير المنطقية.

البطل سيدافع عن نفسه لأنه أصبح متهما فعلا بكل قضايا القتل، وهو ليس مهموماً بالدفاع عن نفسه وإثبات براءته أو تخليص المجتمع من عناصر مجرمة، بل مندفع بفكرة الانتقام والهموم الذاتية الضيقة لأنه أصلا عدمي ولا يؤمن بأي هدف. وسينتهي الفيلم على مشاهد انفجار وقتل عنيفة لا تضيف أي شيء إلى فيلم ينقصه الكثير.

ونشير هنا إلى أنه حتى أفلام على شاكلة Sin City بالذات، تتضمن عنصر الحبكة ضمن انطلاقات منطقية لحبكة فانتازية قائمة على تحويل القصص المصورة إلى أفلام، وضمن أداء جيد للممثلين مع وجود عنصر تشويقي مهم للقصة قد يجعل منها تخاطب عقولا أكبر نوعا ما من عقول المراهقين.

ربما أفضل ما في الفيلم هو أداء (Mark Wahlberg) الذي قام بما هو مطلوب منه على أفضل وجه وربما سيفشل غيره بالقيام بما قام به، فهو عبر بنوع من البراعة عن البطل العنيف الواثق من نفسه الذي يقرف من الكلام ويكتفي بالتعبير بملامحه، ولكن وفي الوقت نفسه فإن حبكة الفيلم - وليس أداء الممثل - أسقطت جميع الممثلين، وحتى أقوى الشخصيات المساندة لماكس بين في الفيلم لم تعطها الحبكة المجال الكثير لتعبر عن أداء من الممكن الحكم عليه.

[email protected]