بنجامين بوتون.. قصة شاعرية تثير الفضول والحزن معاً

أحد أفضل أفلام هذا العام

مشاهد من فيلم «بنجامين بوتون» («الشرق الاوسط»)
TT

بالنسبة للذين لم يشاهدوا هذا الفيلم The Curious Case of Benjamin Button بقصته المثيرة للفضول فإن هناك الكثير من الدوافع المشجعة على انتظاره. فهو كان قد حظي عند عرضه بقبول جماهيري ونقدي واسع جعله أحد أفضل أفلام هذا العام الماضي 2008 والذي توجها في النهاية بترشيحات قياسية بلغت ثلاثة عشر ترشيحاً في جوائز الأوسكار بالرغم من أنه لم يظفر منها سوى بثلاثة ترشيحات ليست هي الأهم لكن فيلماً يلقى كل هذا التقدير على مستوى الإخراج والنص والتصوير والأداء التمثيلي والأزياء والديكور والماكياج والصوت والتحرير والمؤثرات البصرية بالتأكيد هو فيلم يحمل قدراً كاملا من التكامل ولا يمكن تفويت مشاهدته أو حتى تجاوزه في قائمة أفضل أفلام العام. وحينما نقول الإخراج يبرز لدينا على الفور أحد أفضل المخرجين الأميركيين والأشهر في جانب الغموض وقصص الإثارة. إنه ديفيد فينشر الذي أذهل المشاهدين لأكثر من مرة بأفلام رائعة مثل «Se7en» و«Fight Club». كما حبس الأنفاس في أفلامه المثيرة مثل الجزء الثالث من سلسلة الرعب والخيال العلمي Alien وفيلم The Game وPanic Room. وإذا كنت ممن لا يعبأ كثيراً بمثل هذا السرد المعلوماتي المتعلق بالفيلم واستحقاقاته أو المخرج ومسيرته وإنجازاته السينمائية فكيف يمكن مقاومة قصة بنجامين بوتون المثيرة حقاً للفضول والحزن معاً حيث يولد هذا الرجل طفلا هرماً في سن الثمانين يحمل كل علامات الشيخوخة ثم يصغر في السن مع مرور الوقت خلافاً لكل ما يجري ومن يعيش حوله. لم يستطع الأب أن يتقبل وضع ابنه بنجامين بشكله المخيف وهو طفل وليد بملامح هرمة ليذهب ويرمي به بعد ولادته مباشرة عند إحدى دور رعاية المسنين وتلتقطه امرأة سوداء تعمل في الدار حيث تتبناه وترعاه مع من حولها في مفارقة فسيولوجية لا تقبل التصديق لكنها تثير الكثير من المشاعر الإنسانية. وهنا برأيي الرؤية الإخراجية الرائعة التي عملها ديفيد فينشر حينما جعلنا نتعامل مع قضية بنجامين بوتون بقبول كامل دون بحث عن مدى منطقيتها أو ترقب لتحولات جذرية في القصة تكشف غموضها، فالإثارة والغموض كـ«ثيمة» أساسية غالباً في أفلام ديفيد فينشر لم تكن حاضرة هنا أو معتبرة لدى المخرج بسبب تكثيف الحالة الإنسانية في متابعة قصة أشبه بملحمة شعرية لشخص عليه أن يتعايش مع واقع بهذه الحدة من الانعكاس والتقلب حيث لا يمكنه أن يرتبط ويحب ويحيا ليموت مع من يحب وعليه أن يفقد أعزاءه وأصدقاءه حينما يكبرون وهو يصغر وذروة الألم حينما لا يستطيع أن يرعى ابنته التي ستكون مع مرور السنوات أكبر منه سناً. باعتقادي أن ديفيد فينشر - خلال السنوات الأخيرة منذ فيلمه الماضي Zodiac عام 2007 الذي يحكي قصة قاتل تسلسلي في السبعينات يواصل مراسلة الشرطة برسائل غامضة تجعل أحدهم مهووساً بكشف حقيقة هذا القاتل والقبض عليه - تخلى عن ذلك النمط الذي اشتهر فيه بأفلام ذات إيقاع سريع وغموض موحش عبر أفلام الإثارة السابقة من أجل أفلام بدت أكثر عمقاً وتبرز فيها شخصياتها الميلودرامية بطريقة مؤثرة تحقق ارتباطاً بالمشاهد أكثر من ذي قبل وكأنه يكتفي بالعنوان العام للإثارة ليترك ذلك البعد النفسي في الشخصيات والأحداث هو ما يرسم تفاصيل القصة.