مستجدات سوق السينما العالمية 2008

الجزء الخاص بالسينما العربية يفتقد المعلومات التوثيقية

شعار مهرجان دبي السينمائي
TT

إحدى مُستجدات الدورة الخامسة لمهرجان دبي السينمائي التي انعقدت نهاية العام الفائت وخلال الفترة من11 إلى 18 ديسمبر (كانون الأول) 2008، إصدار دليل/ كتيب بعنوان (تحت الضوء، مُستجدات سوق السينما العالمية 2008) بالتعاون مع سوق الفيلم لمهرجان كان، والمرصد الأوروبي للمواد السمعية / البصرية، وأعتقد أنها أول مبادرة من نوعها في تاريخ المهرجانات السينمائية العربية التي تتطرق إصداراتها عادة لمواضيع دراسية، بهدف نشر الثقافة السينمائية من خلال كراسات، أو كتب مؤلفة، أو مترجمة. وكما كتب مسعود أمر الله، المدير الفني للمهرجان في المُقدمة: «يأتي هذا الكتيب التحليلي موثقا بالإحصاءات، والأرقام، وحركة الإنتاج، والتوزيع السينمائي في العالم بشكل عام، وفي بعض دول المنطقة العربية بشكل خاص، ليُتيح للباحث، والمُهتم، والقارئ، فرصة التعرف على معطيات السوق العالمية، والعربية، ويستشرف نقاط القوة والضعف، ويُمَكنَ الموزعين، والمنتجين، ووكالات التوزيع، والباحثين من مهمة استكشاف طبيعة الصناعة السينمائية العالمية، وتأثيرها المباشر، وغير المباشر على السوق المحلية...». وفي الكلمة الافتتاحية المُشتركة، والمُقتضبة لجيروم بيلارد، المدير التنفيذي لسوق الفيلم لمهرجان كان، وولفغانغ كلوس، المدير التنفيذي للمرصد الأوروبي للمواد السمعية / البصرية، نقرأ: «يترقب كثيرون كتيب تحت الضوء، مستجدات سوق السينما العالمية الذي يصدر بشكل دوري عن سوق الفيلم لمهرجان كان....». والحقيقة، لم أتوقع أن تقدم الدورة الخامسة لمهرجان دبي السينمائي هذه المُفاجأة المُدهشة، والهدية القيمة التي أمتعتني قراءتها، وتأمل أرقامها، وإحصائياتها، وزودتني بمعلومة كنت أجهلها سابقا، بأن «سوق الفيلم لمهرجان كان» يُصدر مثل هذه الكتيبات التوثيقية منذ عام 1998. ما هو جدير بالتقدير، والاحترام، هذا التواضع الكبير الذي يطبع كلمات فريق الإعداد الذين يشيرون بأن هذا الإنجاز المُتفرد «كتيب»، وليس كتابا، أو موسوعة، أو بحثا ـ كما فعل مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي مع إصداراته المثيرة للشفقة ـ ولكنني أعتبره «قاموسا» احترافيا متجددا تجب العودة إليه في كل وقت، فهو يعفينا من جهد خارق في البحث عن معلومات لا نعرف طريقها، ويُسهل علينا مهمة منهكة، ويُرشدنا إلى المسالك المُعبدة للوصول إلى المحطات السينمائية المنشودة، ويثير في داخلنا فضول المعرفة، ويحثنا على الاستزادة لقضاء بزيارة روابط المواقع المُشار إليها في الكتيب بحثا عن المزيد من الأرقام، والإحصائيات، ولفهم أفضل لحال الصناعة السينمائية في العالم، إنتاجا وتوزيعا، وعرضا، وجمهورا.

أرقام وإحصائيات: بداية، هل هناك ضرورة للتعريف بسوق الفيلم الدولي لمهرجان كان الأشهر، و«المرصد الأوروبي للمواد السمعية / البصرية»، وهي هيئة أوروبية تهتم بتزويد المعلومات حول الأسواق، والتمويل، والنواحي القانونية المُتعلقة بقطاعات السينما، والتلفزيون، والإعلام في أوروبا.

وكما جاء في الكلمة الافتتاحية، فإن كتيب «تحت الضوء» هو النسخة الأولى بالعربية، والإنجليزية، ويتضمن ملحقا عن العالم العربي.

وبالغوص في صفحاته، سوف يلاحظ القارئ، أن عدد الأفلام الروائية المُنتجة في الاتحاد الأوروبي (27 دولة) يتزايد خلال السنوات 2003 ـ 2007، بينما يتناقص في الولايات المتحدة، ويزدهر الإنتاج في اليابان حتى عام 2006، ومن ثم يتراجع بشكل طفيف. وبالمُقابل، يتناقص عدد الجمهور في الولايات المتحدة، ويحافظ على ثباته في دول الاتحاد الأوروبي، واليابان. وتزداد عدد الصالات في الولايات المتحدة، ويبقى الرقم ثابتا في دول الاتحاد الأوروبي، واليابان. وفي قائمة الأفلام الروائية الطويلة التي أنتجتها دول الاتحاد الأوروبي في عام 2007، يظهر أن فرنسا تتصدر القائمة مع (228) فيلما إسبانيا (172) فيلما. إيطاليا (123) فيلما. ألمانيا (122) فيلما. المملكة المتحدة (112) فيلما. ولا يتطرق الكتيب للأفلام القصيرة بكافة أنواعها، أو الأفلام التسجيلية، والتي تهتم بها أسواق مهرجانات، وهيئات، ووكالات أوروبية أخرى. ويمكن الإشارة، والتفكير بالقانون الجديد للسينما الذي وافق عليه البرلمان الإسباني في نهاية عام 2007، وتشمل أهم تعديلاته، بأن يكون مخرج الفيلم، إضافة إلى 75% من فريق عمله ـ على الأقل ـ من الجنسية الإسبانية، أو إحدى جنسيات الاتحاد الأوروبي، حتى يتم اعتباره إنتاجا إسبانيا. أما نحن العرب (مهرجانات، مؤسسات، صحافة، نقاد، ومعظم العاملين في الحقل السينمائي) فلسنا بحاجة لتعقيدات حكومية بيروقراطية، أو قوانين، وتشريعات،.. كي نمنح الجنسية العربية لأفلام أجنبية الإنتاج، والتمويل (والصناعة) أخرجها مخرجون من أصول عربية، وهو إجراء لا يحدث في أي مكان في العالم. وفي الوقت الذي كنت أتوقع غزارة الإنتاج في تركيا، إلا أنه وصل في عام 2007 إلى 42 فيلما محليا فقط (؟). ولا أمتلك إحصائيات عن الإنتاج السينمائي في الاتحاد السوفياتي السابق قبل تفكيكه لمُقارنتها مع معدل الإنتاج الحالي للاتحاد الروسي الذي وصل إلى (85) فيلما للعرض السينمائي، وتم تصوير (200) فيلم أطلق معظمها في أسواق الفيديو مباشرة. وبالطبع، وُفق إحصائيات عام 2007، تتصدر الولايات المتحدة أعلى الأرقام في كل شيء: عدد الصالات (38794). عدد الصالات الرقمية(4562). عدد الأفلام المُنتجة على الرغم من تراجعها عن السنوات السابقة (453) فيلما (بعد أن وصل الرقم إلى 699 في عام 2005). وفي عام 2007 وصل عدد الأفلام المُنتجة في جمهورية الصين الشعبية إلى (402) فيلم، استطاعت (105) أفلام محلية فقط أن تجد طريقها للعرض في صالات السينما. ما يُثير الانتباه في قراءة البيانات الخاصة بالهند: عدد السكان مليار، و148 مليون نسمة (أكثر من عدد سكان الاتحاد الأوروبي مجتمعين (495.1) مليون نسمة. عدد الجمهور في عام 2006 (3997) مليون نسمة. متوسط سعر التذكرة في الهند 16 روبية (0.40 دولار)، وهي أرخص تذكرة في العالم. في عام 2006 بلغ عدد صالات السينما في الهند (11183). بينما حصة السوق في عام 2006 في الهند 76.50% أفلام محلية، 1.9% أوروبا، 3.7% آسيا، 17.9% أميركا الشمالية. بينما حصة السوق في الولايات المتحدة 90% أفلام محلية، 4% من دول الاتحاد الأوروبي باستثمارات أميركية، 4.9% الاتحاد الأوروبي، 1% بقية دول العالم. حصة السوق في مصر85% أفلام محلية، و15% أفلام أجنبية. وهذا يعني بأن كلا من الهند، والولايات المتحدة، ومصر مكتفية بأفلامها المحلية، بينما حصة السوق في فرنسا 49.9% للأفلام الأميركية، 36.6% أفلام محلية، 13.5% بقية دول العالم. نوليوود النيجيرية «يُستخدم مصطلح نوليوود للإشارة إلى صناعة السينما في نيجيريا، التي تقدم أكثر من 1000 فيلم سينمائي في العام، وتُصنف في مرتبة متقدمة ضمن أكبر المُنتجين، السينمائيين، في العالم، من حيث أعداد الأعمال المُنتجة، ويستغرق الفيلم الروائي في نيجيريا عادة بين 10 و14 يوما للانتهاء من تصويره كاملا، وتتراوح تكلفة الفيلم الواحد بين 15 و20 ألف دولار أميركي، حيث يتم تصوير الأفلام بكاميرات الفيديو الرقمية، ثم تجري عمليات المونتاج على كمبيوتر منزلي، تمهيدا لإطلاق الفيلم في أسواق الفيديو...».

وتُذكرنا هذه الطريقة بـ«أفلام المقاولات» التي انتشرت في مصر فترة التسعينات، وأثرت سلبا على الصناعة السينمائية، ونوعيتها، وكان الغرض منها تجاريا بحتا لتعبئتها مباشرة في أشرطة الفيديو، وإطلاقها في الأسواق الخليجية من دون أن تمر على صالات السينما، وأعتقد بأنها تتوقف، وإنما تحولت، وتطورت طموحاتها، ومنذ موجة أفلام الكوميديا الشبابية لم تعد تكتفي بأشرطة الفيديو، والمُشاهدة المنزلية، بل سيطرت على صالات السينما، وأصبحت مرضا خطيرا انتشر في جسد السينما المصرية.

والأفلام المُنجزة في نيجيريا حاليا هي «أفلام مقاولات» لا تختلف نوعيا عما أنجزته الصناعة السينمائية المصرية يوما، وأعتقد بأن بلدانا أخرى مثل تركيا، هونغ كونغ، كوريا.. لم تسلم من هذه النوعية من الأفلام. السينما العربية: وبسبب انعدام مصادر الأرشفة، والبحث، والاستقصاء في الدول العربية، فقد كان الجزء الخاص بها يفتقد المعلومات التوثيقية، وجاء بعضها مناقضا لمعلومات إحصائية وردت في القسم المُترجم عن مصادر أوروبية.

وعلى سبيل المثال: في عام 2006 وصل عدد صالات العرض في الإمارات العربية المتحدة إلى (202) صالة، وفي الملحق العربي يتقلص الرقم إلى (163)، والفارق كبير جدا (أي رقم نعتمد؟). ومع عدد السكان القليل نسبيا في دولة الإمارات العربية المتحدة (4.8 مليون نسمة)، بلغ عدد الأفلام المعروضة في صالاتها (269) فيلما، وهو رقم كبير بالمُقارنة مع ما يُعرض في دول عربية، وأجنبية. واقتصر الملحق على جداول لأفضل (10) أفلام عربية وأجنبية في شباك تذاكر بعض البلدان العربية، ومقتطفات من مقالات عن السينما في لبنان، فلسطين، سوريا، مصر، والمغرب، لا تعكس أي حقيقية عن الإنتاج السينمائي فيها. وعلى الرغم من ذلك، يبقى (تحت الضوء، مُستجدات سوق السينما العالمية 2008) كتيبا / دليلا توثيقيا لا غنى عنه لمحترفي الصناعة السينمائية.