وفيق الزعيم: لم أخطف الأضواء من عباس النوري.. ولكنني نجحت

«أبو حاتم» شخصية لامست الجمهور العربي

الفنان السوري وفيق الزعيم خلال تأدية شخصية (أبوحاتم) في مسلسل «باب الحارة» («الشرق الأوسط»)
TT

يواصل الفنان السوري وفيق الزعيم، تصوير دوره في الجزء الرابع من مسلسل «باب الحارة»، حيث يحافظ فيه على تجسيد شخصية «أبو حاتم» أحد زعماء الحارة البارزين والمؤثرين في حياة الحارة الشامية، والذي يمتلك مقهى يؤمه معظم رجال الحارة.

والفنان الزعيم، الذي عرفته الدراما التلفزيونية منذ أكثر من عشرين عاما، من أوائل الفنانين السوريين الذين جسدوا شخصية ابن البيئة الشامية «القبضاي» خاصة بما يمتلكه من حرفية عالية في تقديم الشخصية الشامية التقليدية ومن حضور طاغ في مثل هذه الأعمال ومن صوت قوي وتمكن كبير من إجادة اللهجة الشامية، وهو ابن هذه البيئة، حيث ولد ونشأ في حي باب سريجة في قلب دمشق، وكانت أولى الأعمال الشامية التي شارك فيها الزعيم وجسد فيها الشخصية الدمشقية البيئية في مسلسل «حارة نسيها الزمن» ومن ثم تابعه المشاهد في أعمال تلفزيونية عديدة ومنها: «حد السيف» و«لحظة صدق» و«حمام القيشاني» و«المتفائل» و«إخلاص» و«الآباء» و«الحصرم» و«حكاية من حارتنا» و«مزاد علني» و«حارة الجوري» و«باب الحارة» منذ انطلاق جزئه الأول وحتى الرابع، الذي يجري تصويره حاليا في دمشق.

كما كان الزعيم حاضرا في المسرح من خلال مسرحيات عديدة، منها: «المفتش العام» و«رؤى سيمون ماشار» و«الاستثناء والقاعدة» و«حكاية زهرة الحفارة» و«مصرع عامل» و«ماريانا بينيدا». وفي السينما شارك بأفلام روائية طويلة منها: «الطحالب وسحاب»، كما تميز الفنان الزعيم بموهبة الكتابة، حيث كتب سيناريو عدد من المسلسلات التلفزيونية ومنها: «يوميات مواطن» و«الياسمين والأسمنت» و«ظلال ورمال»، و«البحث عن السعادة» و«الأمانة» وغيرها. وحول تجسيده لشخصية «أبو حاتم» في مسلسل «باب الحارة» وتصوير الجزء الرابع منها يقول الفنان وفيق الزعيم لـ«الشرق الأوسط» «في الجزء الرابع من (باب الحارة) هناك طروحات جديدة وخطوط جديدة ونواح جديدة في الشخصيات تظهر حديثا فيها، لم تظهر في الأجزاء الثلاثة السابقة».

ويروي الزعيم حادثة طريفة حصلت معه قبل أيام ومدى تأثر المشاهد بشخصية أبو حاتم فيقول: اتصل بي أحد الأشخاص في الساعة الرابعة من فجر أحد الأيام (قبل نحو أسبوع) ومع أن عادتي أن لا أرد على الهاتف بعد الحادية عشرة ليلا إلاّ أنه أصر وظل يتصل ويرن جوالي حتى فتحت الخط معه، فإذا بشخص يقول لي ألست «أبو حاتم» من «باب الحارة» فقلت له نعم، فقال لي متلهفا: أنا معجب، فقلت له ألا تقدر أن تؤخر إعجابك حتى الصباح!.. إعجابك لا يأتي إلا بالليل؟!... فأجابني: والله أنا جالس لوحدي فتذكرتك وقلت لنفسي سأتصل بك، فقلت له أهلا وسهلا تفضل ماذا تريد؟.. فقال لي: أريد منك أن تقول لي خبرا عن الجزء الرابع من مسلسل «باب الحارة» لا يعرفه أحد في العالم غيري أنا!... فقلت له في الجزء الرابع «بيحبل أبو حاتم» وأغلقت الهاتف؟!. والحقيقة أن الكثير من الناس في الطريق ينادونني «أبو حاتم» فهم يشعرون فعلا أنهم يكلمون «أبو حاتم» في «باب الحارة» وأحاول بطبيعتي الحياتية أن لا أتزيف ولذلك من يعرفني في حياتي العادية يقول لي «وفيق أنت لم تتغير علينا لا في المسلسل ولا في الواقع»!. وعن رأي العديد من المهتمين والمتابعين الفنيين من أن شخصية «أبو حاتم» في الجزء الثالث من «باب الحارة» كانت طاغية في العمل وملأت الفراغ الذي تركه غياب شخصية أبو عصام، التي جسدها في الجزء الثاني الفنان عباس النوري، وحلّت مكانها في التأثير على المشاهد من حيث قوة الشخصية والأداء الشامي، فقال: برأيي لا أحد يحل محل أحد في الدراما، لكل شخصية درامية وزن ودور وتواجد، وإن صعود وتطور شخصية ما لا يعني أنها أخذت دور شخصية أخرى، وغياب شخصية عن الخط الدرامي لا يعني أنها لم تسهم في إيصال هذا العمل الدرامي إلى المرحلة النهائية، وبالنسبة لي كان يسعدني جدا وجود كل العناصر حتى النهاية، ولكن الحكاية الدرامية فرضت أن يموت الدعشري (أدى الدور بسام كوسا) في الجزء الأول وأن يموت الزعيم (أدى الدور عبد الرحمن آل رشي) في بداية الجزء الثاني، هذا التطور الدرامي للحدث معني به الكاتب والجهة المنتجة، ولكن تطور شخصية «أبو حاتم» في «باب الحارة» هي حال طبيعية في الحكاية الدرامية لأننا شاهدنا في الجزءين الأول والثاني «أبو حاتم» هذا الرجل الوقور الهادئ المحترم المتوازن في الحارة، لم نشاهده مطلقا ولا في أي مشهد في بيته، ولكن في الجزء الثالث شاهدناه في بيته؛ زوجا وأبا حنونا، مثلما هو شخصية قوية في الحارة، هو قوي بحنانه وعطفه مع أسرته، رجل مهم في بيته وفي علاقاته الزوجية، ولذلك برأيي أن «أبو حاتم» في الجزء الثالث قدم نموذج العائلة البيئية كما لم يقدمها أي مسلسل حتى الآن بهذا الشكل الحقيقي الدافئ بدون رتوش، حيث قدم العائلة البسيطة الطيبة المتوازنة، التي لا يوجد لديها عقد كما لم تقدمها الدراما العربية، ولذلك فإن الجمهور شاهد «أبو حاتم» في الجزء الثالث وكأنه إنسان جديد آخر بشكل مغاير عن الجزءين السابقين، والحقيقة أن الجمهور يشاهد نفسه بشكل جديد والذي لم يقدم من قبل، فنحن عادة نقدم العائلة في الدراما، وخاصة في البيئة الشامية، مشروخة.. فإما أن نقدم شخصية الأب المتسلط المعقد، أو نقدم الأم معقدة وغبية، أو نقدم الأولاد عبارة عن عاهات؟!.. لم نقدم العائلة المتوازنة الحنونة المحبة لبعضها، ففي كل مسلسلاتنا نقدم الأسرة التي ليس لديها سوى البنات، فنقدم حياة هذه الأسرة بشكل غير لائق وغير محترم، وهذا الكلام غير صحيح، فالبنت قد تكون أهم بكثير من الشاب، وتكون مخلصة لأهلها أكثر من الشاب، والأب يحب بناته أكثر، لذلك شاهدنا «أبو حاتم» عندما يقول في الجزء الثالث من «باب الحارة»: أنا بناتي شعر شواربي وأنا أكبر بهن وأنا رجّال في الحارة متوازن لأنني في بيتي أعيش سعيدا مع زوجتي وبناتي... هذا يذكرنا بآبائنا وأجدادنا عندما كانوا يتعاملون باحترام مع الزوجات. والزوجة كانت تقول لزوجها: سيدي صحيح، ولكن كان يجاوبها زوجها: ست راسي!.. فشخصية أبو حاتم غيرت من النظرة للمرأة الشامية.

وحول تميز الفنان الزعيم بصوت قوي ولهجة شامية متمكن منها بشكل كبير، حيث خدمت شخصية «أبو حاتم» في المسلسل يقول الزعيم: سئل مرة المخرج بسام الملا من أناس مهمين أن وفيق الزعيم الذي جسد شخصية «أبو حاتم» في «باب الحارة» كيف توصل لأداء هذه الشخصية بهذا التوازن والهدوء والحضور الأخاذ، فأجاب المخرج بسام: «وفيق الزعيم لم يمثل أبدا في «باب الحارة» كان يستحضر ما عاشه في منزله من تصرفات والده تماما!».. وبالفعل كنت أستحضر كيف كان جدي يتعامل مع جدتي وكيف يتعامل أهل حارتي مع بعضهم، ولذلك أقدمها بشكلها الحقيقي، كونها ما زالت حاضرة وأعيشها، ولذلك فالجمهور كان منفعلا مع أبو حاتم ومصدقا لكل ما جسده في المسلسل، وأنا بصراحة لي مأخذ على أكثر الأعمال الشامية وأكثر الشخصيات التي يجسدونها، حيث لا يعرفون حقيقة الشخصية الشامية الحقيقية فيقدمونها مهلهلة مائعة ثخينة عريضة غير صحيحة ومتقنة، فالشخصية الشامية هي الرجل الهادئ الموزون المحترم المؤدب الذي يتكلم بالقرار ويهز الأرض وهو هادئ، كما أنه وهو يتكلم وبنظرة واحدة منه تعادل مليون جملة يريد الكلام بها. وعن علاقته بأسرته الحقيقية في المنزل وهل تنعكس شخصية «أبو حاتم» عليها، فيجيب: أنا في المنزل «أبو حاتم» بشكله العصري. وللمفارقة ففي المسلسل لدي 3 بنات، بينما في حياتي العادية الأسرية لدي ثلاثة أبناء ذكور!... وابني الأكبر «براء» شارك في «باب الحارة» وجسد شخصية الطبيب حمزة (ويضحك وفيق معلقا) لو لم يكن ابني لما وافقت على أن يكشف على زوجتي أم حاتم!... وزوجتي (ليست من الوسط الفني) وهي معجبة كثيرا بشخصية «أبو حاتم» مثل كل النساء (حسب استفتاء مجلة «سيدتي») أن 95 في المائة من المجيبات على الاستفتاء يتمنين أن يكون زوجهن أو أبوهن هو «أبو حاتم»، هذا النموذج الهادئ اللطيف الودود أعجب النساء. وبرأيي أن مثل هذه الشخصية حتى تتحقق يجب أن يكون لديه زوجة مثل «أم حاتم» وأولاد مثل أولاده ومجتمع مثل المجتمع المحيط بأبي حاتم، نحن كأسرة نقوم بمحاولات أن نقترب من العائلة النموذج الهادئة عائلة «أبو حاتم»، وزوجتي (أم براء) هي أساس نجاحي في تجسيد شخصية «أبو حاتم» ولو لم أكن أعيش في أسرة متوازنة في بيتي كأبوبراء وأم براء والأولاد براء وعصام وورد، فلن أتمكن من تجسيد شخصية «أبو حاتم» بهذا الصدق الذي ظهرت فيه، وإذا لم أعمل وأنا مرتاح في بيتي فلن أتمكن من النجاح في تجسيد الشخصية، أساس هدوئي في العمل هو أنني مرتاح مع زوجتي وأولادي إلى حد ما.. طبعا لست مثاليا بشكل مطلق ولست أعيش في مدينة أفلاطون ولكن نطمح أن نكون أفضل. وحول الاستبيانات التي أكدت أن مسلسل «باب الحارة» كان الأكثر مشاهدة عالميا، وللمرة الثالثة، ورأي الفنان الزعيم بذلك وبالأعمال الشامية التي قدمت في الموسم الدرامي الماضي، يقول: إذا كانت كل الاستفتاءات العربية والعالمية أكدت أن «باب الحارة» هو الأكثر مشاهدة، فلا يعني ذلك أنه أفضل عمل درامي تم حتى لا نبخس حق الآخرين، فقد قدمت أعمالا درامية مهمة ومتميزة ولكن نصيب المشاهدة الأكثر والأكبر من نصيب «باب الحارة»، والسبب أننا ونحن في القرن الواحد والعشرين في الوطن العربي تضيع هويتنا، فلا نحن شرقيون مائة في المائة ولا نحن نتمكن أن نكون أوروبيين مائة في المائة، فنحن ضعنا بين الحضارتين، ومن يضع تكن تصرفاته خليطا ومتناقضة، والخليط لا يصنف ويكون ذا مذاق سيئ (عندما تتناول الحامض حامضا تشعر بمذاق لذيذ وعندما تتذوق السكر لوحده تشعر بطعم لذيذ أما عندما تخلط الاثنين معا فلا تشعر بطعم لذيذ) ولذلك جاء مسلسل «باب الحارة» ليذكر الناس بهويتهم الحقيقية وكيف كانوا يعيشون فشعروا أنهم يجب أن يعودوا لهويتهم الحقيقية وبالتالي يحافظون على أصالتهم وانسجامهم مع أنفسهم.

وعن رأيه بكيفية المحافظة على ألق مسلسلات البيئة الشامية فأجاب: حتى نحافظ على أعمال البيئة بشكل عام يجب أن نقدمها بصدق وأن ندرسها بصدق ونعرف كنهها ونقدمها بشرف وأن نتعاطى معها كما نتعاطى مع كل شيء مهم وعريق في حياتنا.

وحول رأيه بالمسلسلات التركية المدبلجة باللهجة الشامية، قال الزعيم: اللهجة الشامية هي من أعطاها الشهرة، وأنا ضد الدبلجة باللهجة المحلية أيا كانت هذه اللهجة، لأن اللهجات المحلية هي ملك للبد ولثقافة البلد ولتاريخها، ولا يجوز المتاجرة باللهجات، أنا مع تقديم أعمال أوروبية وعالمية من أي دولة أخرى ولكن بشرط أن نقدمها بالغة العربية الفصحى، والسبب؛ حتى لا يشعر ابني أن هذه البطلة تتكلم مثل أمه ولكنها لا تتصرف في الواقع مثل أمه، هنا تكمن الخطورة على الثقافة وعلى هوية البلد لأنه سيدمر الجيل، أنا مع ثقافات العالم ولكن أن أقراها وأحاكمها لا أن ألبسها ثوبي لأنها ليست من جنسي!.. فعندما يشاهد المتلقي العربي مسلسلا مدبلجا باللغة العربية الفصحى يراه بعين المتفرس ويحاكمه بعقل الناظر والمثقف، ولكن عندما يستمع إليه باللهجة الخاصة ببلده ومدينته يفقد عنصر المحاكمة ويمكن أن يتبناها. وبرأيي أنه لا يجوز أن يتبناها لأنها ليست ثقافتنا.

وحول إن كانت لديه أعمال جديدة غير باب الحارة يصورها حاليا، قال الزعيم: مشروعي هو باب الحارة ورفضت العمل بكل المسلسلات التي عرضت عليّ وهي عديدة وخاصة الأعمال الشامية التي عرضت جميعها عليّ فاعتذرت عن عدم المشاركة فيها مع احترامي لها. وبرأيي أنه طالما أنا أعمل بمشروع «باب الحارة» فأنا ملزم بتقديم مسلسل «باب الحارة» فقط حتى لا أشوه نظرة المشاهد وحتى لا يضيع المشاهد وحتى لا أوزع جهدي بين أكثر من عمل. وعن رأي الفنان وفيق بمقولة البعض بأن المخرج بسام الملا أفضل مخرج قدم البيئة الشامية، فيجيب: نعم صحيح على الإطلاق وبلا منازع، فبسام أفضل من قدم البيئة الشامية في الدراما بصدق ومن قدمها بإخلاص.