آثار «مناحي»

فهد الإسطاء

TT

ربما من يتحدث أخيرا لا يجد شيئا يقوله ولذا فأعتقد أنني سأتجاوز الحديث المباشر عن فيلم الساعة «مناحي» إلى التداعيات التي أحدثها هذا الفيلم على أكثر من مستوى حين تم عرضه تجاريا في الرياض الأيام الماضية.

لنتفق أولا على أن الفيلم رديء بدرجة لا تحتمل أحيانا وهو أشبه بحلقة مطولة من إحدى مسلسلات رمضان الكوميدية، لكن الحكم على مستوى الفيلم ليس كل القصة. فالأمر هو أن عرض الفيلم أحدث شيئا إيجابيا وسط مجتمع مغيب فنيا منذ فترة. شاغب المعترضون على السينما وتجمهروا وظهرت التحذيرات والفتاوى كما ابتهج العاشقون لصالات العرض وأخذوا يبشرون بقرب الموعد المنتظر بوجود صالات سينمائية للعرض التجاري. وأصبحت حينها الأخبار والتغطيات والمقالات الصحافية وجبة يومية للمواطن المتابع. إلى هنا أعتقد أن الأمر يأتي بشكل طبيعي ومتوقع لكني أسجل استغرابي من الذين يحبون السينما وينتظرون كغيرهم أن تكون واقعا معاشا في المجتمع السعودي ثم راحوا يشاطرون المعترضين احتجاجهم بمنطلقات مختلفة، هي أن الفيلم سيئ بدرجة لا يمكن أن نفرح معها بمثل هذه الخطوة المخيبة كما يقولون. باعتقادي أن أصحاب هذه الفكرة قد تجاهلوا تماما أن المعترضين على السينما ينطلقون بشكل مبدئي من قواعد محددة كسد الذرائع ودفع الضرر وبالتالي فلا مجال للاتفاق معهم في أي أمر من هذه الناحية. فلو افترضنا أن الفيلم كان بقيمة أفلام مجيد مجيدي الإيرانية بجمالها وبساطتها ونقائها لاستمر المعتصمون المعترضون خارج أسوار المركز الثقافي ينتظرون الخارجين ليحذروهم ويوزعوا عليهم النصائح. الأمر لا يتعلق بقيمة الفيلم بقدر ما يتعلق بالخوف من وجود السينما ذاتها. لذا فقد كان على هؤلاء الكتاب المشاطرين الآخرين الاعتراض أن يقفوا في وجه المعترضين على السينما ثم يلتفتوا للجهة الأخرى ليصرخوا أيضا في وجه شركة «روتانا» التي استحقت الشكر على خطواتها السباقة، لكنها تستحق الكثير من العتب واللوم على تقديم أفلام رديئة تميزت كثيرا بركاكتها وسوء الأداء وابتذال كليشات درامية مكررة في كتابة وإخراج غير سعوديين.

ومن جهة أخرى، فإن الحديث عن موضوع بداية العروض السينمائية التجارية في السعودية مع عرض فيلم «مناحي» في أكثر من مدينة يحمل الكثير من المبالغة والمغالطة أيضا، فالسينما تجاريا لا يمكن تحثيثها من خلال عرض فيلم واحد أكثر من مرة لشهور متواصلة وبتحيز في نوعية الحضور أحيانا. العروض التجارية هي منشط شبه يومي وبرنامج اجتماعي يتزامن مع حركة السينما التجارية في العالم وجديدها في الصالات كما هو الحاصل في دول الخليج العربي، التي تعمل كغيرها من الفعاليات الثقافية على التأثير في الفرد والمجتمع.

ولكن ماذا عن «مناحي» نفسه؟ الفيلم هو قالب آخر لشخصية مناحي الشهيرة التي تكاد تكون أشهر شخصية درامية سعودية حاليا، والتي بدأت مع مسلسل «إخواني وأخواتي»، ثم انتقلت إلى مسلسل «بيني وبينك» مرورا بمسلسل رسومي عن «يوميات مناحي» وانتهاء، حتى هذه اللحظة، بفيلم «مناحي» الذي يقال إن هناك أجزاء أخرى منه في أماكن وظروف مختلفة على طريقة أفلام إسماعيل ياسين. وهي شخصية مفتعلة من الممثل نفسه وليست مكتوبة بأي احترافية وتعتمد على قدرة الممثل على توليد النكتة والتعليق الساخر والخروج على النص. وبالتالي، هي تحمل جزءا كبيرا من التعبير عن فكر سائد في المجتمع في النظر إلى الأمور والحكم عليها حتى لو دل هذا على ازدواجية واضطراب. لنتذكر أحد مشاهد الفيلم حينما كان «مناحي» يعمل بوابا في أحد فنادق دبي. فقد كان يسأل الداخلين أن يعطوه «بخشيشا» وحينما تجاهلته فتاة خليجية علق قائلا «أصلا أنا من يوم شفتك لابسة هالعباية وأنا غاسل إيدي منك» في إشارة إلى نقده للفتاة في لبسها لعباءة لا تتوافق مع فكر مناحي الديني والاجتماعي، بينما نراه، بعدما ضل طريقه في أحد المشاهد السابقة، ونزل بالخطأ في مطار القاهرة، مخاطبا إحدى الفتيات «أشهد أنك صاروخ» وهو تعبير عن التغزل بجمال الفتاة. هذان المشهدان وهناك الكثير غيرهما توضح فكرة ارتجالية الشخصية وانطباعها الذاتي من الممثل أحيانا، حيث تلقى شخصية مناحي، كما يقدمها الممثل، ومثل هذه التعليقات، الكثير من القبول في أوساط الشباب لأنها تنسجم للأسف في النهاية مع طريقة تفكير تقليدية مزدوجة ومخاتلة أيضا.

[email protected]