الفنان السوري علي كريم: لست مرغوبا لدى مخرجي السينما.. والدراما التركية نقلت إلينا فكر الغرب

العقيد أبو النار قال لـ«الشرق الأوسط»: أعطوني 3 ملايين ليرة عن دور شامي واحد ولن أشارك في عمل آخر

العقيد أبو النار في أحد مشاهد مسلسل «باب الحارة» («الشرق الأوسط»)
TT

عندما التقيته في مقهى بوسط العاصمة السورية دمشق، لإجراء الحوار على طاولة مواجهة للشارع، دخل أحدهم ومعه أبناؤه الصغار طالبا أن يأخذ صورة لهم معه، وبعد دقائق قليلة مرّ عدد من الشباب فوقفوا لثوانٍ أمام طاولتنا من الخارج دَهِشين مبتسمين ومحيين إياه بكلمة: «مرحبا عقيد أبو النار»، ليتكرر المشهد أكثر من مرة مع ابتسامات العابرين: «انظروا، إنه الممثل أبو النار».

الفنان علي كريّم صاحب تجربة فنية عريقة تمتد أكثر من ثلاثين عاما انطلقت مع المسرح من خلال عروض على مسارح دمشق، ومنها: «أنشودة أنغولا» و«إنسوهيروسترات» و«رحلة حنظلة» و«نبوخذ نصر» وغيرها، وفي السينما كان حاضرا في أفلام عديدة منها «صهيل الجهات» و«شيء ما يحترق»، ومن ثم مع الدراما التلفزيونية في أعمال كثيرة منها: «الخوالي» و«الحيار» و«أحلام أبو الهنا» و«عائلتي» و«أنا» مع الفنان دريد لحام، وفي «شجرة النارنج» و«الطير» و«الواهمون»، وفي أعمال متنوعة جسّد فيها شخصيات تاريخية واجتماعية معاصرة، ولعل الأبرز في السنوات الأخيرة تجسيده لشخصية العقيد «أبو النار» في مسلسل «باب الحارة».

وفي الحوار مع الفنان السوري علي كريّم يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن شخصية «أبو النار» والجديد فيها في الجزء الرابع من العمل، وحول بعض القضايا الفنية الأخرى، فإلى نص الحوار:

* شخصية «أبو النار»، وهو عقيد حارته، كانت في الأجزاء الثلاثة السابقة من «باب الحارة» ذات منحى سلبي حاليا، فكيف هو مسار الشخصية في الجزء الرابع؟

ـ سيكون لها منحى آخر، وستتطور بشكل إيجابي ضمن سياق أحداث هذا الجزء، وهناك توجه أساسي ورئيسي له وهو نحو خدمة وطنه وبلده، وسيكون لحارتي دور ومساحة أكبر في سياق أحداث الجزء الرابع.

* ما حقيقة وجود ما يسمى بعقيد الحارة في دمشق القديمة أيام ثلاثينات وعشرينات القرن العشرين المنصرم؟

ـ سألت العديد من كبار السن، ومنهم صهري وعمره 90 عاما، فأكدوا لي أن العقيد هو من كان يأخذ إتاوات من الناس، ولكن كان هناك كبير لكل حارة ومرجع للناس يسمى «شيخ الشباب»، وكان يجمع الحارة ويحل مشكلاتها، وكان له دور إيجابي، وكان يُعتبر الأوعى والأفهم بين أهل حارته ويعرف مصلحة الحارة وناسه، ولكن كان ممكنا أن يكون هناك عقيد في الأسواق مثلا مثل سوق الهال، وهذه معلومة لست متأكدا منها، ولكن صهري أكد لي على موضوع وجود «شيخ الشباب»، وأنا أعي هذا الأمر، حيث كان «شيخ شباب» حارتنا يُدعى عارف الحارثي «أبو حاتم» حيث كان أهل الحارة يرجعون إليه لحل مشكلاتهم، وكان يفتح منزله ومضافته للجميع.

* ما أسباب نجاح مسلسل «باب الحارة» وانتشاره عالميا؟

ـ في رأيي أن البيئة الشامية في بدايات وحتى منتصف القرن الماضي بيئة آسرة بمفرداتها وبطبيعة حياتها وبحكاياها وبأنماطها، وأنا أتذكر المسنّين في الحارة حيث لكل واحد حضوره ونمطه الخاص مهما كان عمله في الحارة، فقد كان هناك حالة خاصة لهذه الشخصيات، ولذلك طبيعة المرحلة والظروف التي كانت قائمة والتي تميز شكل وملامح تلك المرحلة ومستوى تفكيره وثقافته، وهؤلاء كانوا مغرقين في بيئتهم وشعبيتهم حيث لهم خصوصية وتقاليد عريقة قدمها «باب الحارة» للمشاهدين أينما كانوا، فلاقت هذا الاهتمام والحنين إلى الماضي، ولهذه الخصوصية والتقاليد العريقة، وكذلك اللهجة الشامية كانت جسرا لوصول هذه الأعمال خصوصا وأنها مفهومة لكل العالم العربي، وهنا لا ننسى من أسّس لدراما البيئة الشامية من الراحل نهاد قلعي ودريد لحام والراحل ناجي جبر وياسين بقوش ونجاح حفيظ ورفيق سبيعي حيث كل من كانوا موجودين في تلك المرحلة، أي الستينات، قدموا تلك الأعمال الكوميدية الظريفة التي ما زالت تضحكنا أكثر من أي عمل كوميدي يقدم حاليا، لأنها قدمت كوميديا راقية، فهؤلاء كانوا الجسر الذي من خلاله وصلت أعمالنا وأعمال البيئة الشامية للمشاهد العربي.

* ما الأعمال الجديدة التي تصورها حاليا مع شخصية العقيد «أبو النار» في «باب الحارة»؟

ـ أصور دوري في الجزء الثاني من «بيت جدي»، وهو من البيئة الشامية، وأجسد فيه أيضا شخصية عقيد «أبو عزيز»، ولكنه مختلف عن العقيد «أبو النار» في «باب الحارة» فهو لا يتميز بالحماسة كما في «أبو النار»، ولكن يكون له أيضا مواقف وطنية وأخلاقية وإنسانية تجاه حارته والحارات الأخرى، ولكن اضطُررت إلى التغيير في الأداء حتى يكون هناك بين الشخصيتين تمايز.

* كيف ترى طلب المخرج بسام الملا ونصيحته لنجوم «باب الحارة» أن لا يعملوا أكثر من عمل شامي واحد حتى لا يؤثر على أدائهم؟

ـ أنا كنت مع المخرج بسام في هذا الرأي، فمثلا أنا عندما قدمت «الزعفرنجي» في مسلسل «الحصرم الشامي» والعقيد «أبو عزيز» في «بيت جدي» كانت هناك ملامح مشتركة بين هذه الأعمال رغم تباين المعالجة الدرامية للقصة، ولكن أنا مع الرأي الذي يقول إنه لا يجوز أن يقدم الممثل شخصيتين في مسلسلين شاميين وأن يكون هناك ممثلون آخرون، ولكن السبب في رأيي في قبول الممثل القيام بتجسيد أكثر من شخصية في أكثر من عمل شامي هو الحاجة إلى الأجر المالي، فلو أعطوني مثلا 3 ملايين ليرة عن تجسيد شخصية في عمل شامي فلن أشارك في أي عمل آخر ينتمي إلى نفس البيئة. ولذلك فبسبب الأجر أنا مضطر إلى أن أشارك حتى في عشرين عملا شاميا.

* ماذا عن الأعمال الاجتماعية المعاصرة التي تشارك فيها حاليا؟

ـ شاركت في عمل اجتماعي جديد معاصر يحمل عنوان «إنت مين؟» مع المخرج بسام الملا، وجسدت فيه شخصية «مهدي»، ويكون عما لطفلة تضيع منه ويبحث عنها في حالة إنسانية. كذلك شاركت في سهرة تلفزيونية مع المخرجة سهير سرميني جسدت فيها شخصية بائع شرقيات (أنتيكا).

* هناك آراء قالت إن «باب الحارة» ظلم المرأة الشامية، كيف ترى هذه الآراء؟

ـ لا، لم يظلمها، فهذه شخصية سعاد مثلا، كم كانت محترمة في العمل من قِبل زوجها! وأم حاتم كم كانت أيضا محترمة من قبل أبو حاتم! ولكن في حارتي (حارة أبو النار) لا يوجد نساء حارة، وهناك رجال فقط، وقد يكون هناك نساء في حارتنا في الجزء الخامس.

* كيف هو تأثير شخصية العقيد «أبو النار» في المجتمع وبين أصدقائك وعائلتك؟

ـ تصور أنني عندما أسير في الشارع ينادونني «وين عقيد أبو النار؟»، فإذا كان مزاجي رائقا أتقبل الأمر، وأحيانا يكون المزاج غير ظريف فتواجهني تعليقات مائعة لا يمكن تقبلها مثل: «اسحب ليك العقيد أبو شهاب شافك». وهذه التعليقات تأتي غالبا من شباب صغار في السن وهم غالبا ليس لديهم التربية الجيدة لأنه على الأقل كان عليهم أن يتحدثوا بلباقة واحترام، لأننا في المحصلة كممثلين نقدم للناس أعمالا تقدم لهم المتعة، فعلى الأقل ليحترم جهد الممثل، وبسبب هذه التعليقات أتمنى أن تكون هذه آخر سنة أعمل بها في الفن. تصور بعض الناس سبّني في الشارع عندما جسدت شخصية «اليوزباشي» في مسلسل «الخوالي» وكأنني أنا «اليوزباشي» فعلا! ما هذا الخلط العجيب بيني أنا علي كريم وبين الشخصية التي أجسدها؟ هل يُعقل أن يكرهني البعض لأنني جسدت شخصية سلبية رغم ما يعني ذلك من وصول الشخصية إلى الجمهور؟ ولكن لا يُعقل أن تصل إلى حد شتمي في الطريق، فهل مثلا إذا كنت شاهدت الممثل المصري الراحل محمود المليجي في الطريق وهو كان يجسد الشخصيات الشريرة فهل أسبّه؟ طبعا لا، بل على العكس أحترمه وأقدّر الجهد الذي يبذله لتقديم وتجسيد الشخصيات وحتى أنحني له.

* ما جديدك سينمائيا؟

ـ يبدو أنني لست مرغوبا لدى مخرجي السينما، فهؤلاء لديهم عدد من الممثلين يقدمونهم في كل أفلامهم السينمائية ولا يرون غيرهم، ولذلك أنا أيضا لا أرى هؤلاء المخرجين. ولكن هذا لا يعني إلغاءهم بالتأكيد، حتى في التلفزيون هناك مخرجون ناجحون وآخرون تفشل أفلامهم، ومع ذلك يعودون ليقفوا في الدور وليحصلوا على فرصة إخراج ثانية.

* ماذا عن مشاركاتك خارج سورية، ورأيك في تجربة الفنانين السوريين مع الدراما المصرية والخليجية؟

ـ ليس لدي حاليا أي مشاركة درامية خارج سورية، وإحدى زميلاتي التي تعمل مع المصريين قالت لي أخيرا إن بعض الممثلين المصريين قالوا لها: «ياريت نقدم كام مشهد مع العقيد أبو النار»، فهم معجبون بشخصيتي وبعمل «باب الحارة». أما بالنسبة إلى تجربة الممثلين السوريين مع الدراما المصرية فلو لم يكونوا جديرين بهذه التجربة لما طلبهم المنتجون والمخرجون المصريون، وهم يمتلكون طاقات مهمة واستطاعوا فعلا تأكيد وجودهم.

* كيف هي مشاركات الدراما التركية المدبلجة؟

ـ شاركت في أعمال كثيرة، ولكن أكثر عمل أحببته هو «الأجنحة المنكسرة»، حيث أخذت فيه دورا مختارا يكون هو محور الحدث، ويتحدث عن مرحلة نهاية الإمبراطورية العثمانية وصعود وبروز جمهورية أتاتورك، فالعمل جميل من حيث الإخراج والصورة المدهشة والمشهد رائع. وحول من يقول إن الممثلين الأتراك صعدوا عربيا على أكتافنا كممثلين سوريين، أنا معهم، ولكن الشركات المنتجة للدبلجة قللت من إنتاج هذه الأعمال، كما سمعت في العام الماضي كان هناك 45 مسلسلا، بينما انخفض العدد في هذا العام إلى 22 مسلسلا. ولكن هذا في رأيي لا يؤثر على الدراما السورية، لأن المواضيع مختلفة وكذلك الشخصيات، ولكن تبقى الدراما التركية تقدم لنا جوا شرقيا يشبهنا بأشخاصه ولكن بمفهوم وعلاقات غربية، وهنا تكمن مشكلة الدراما التركية المدبلجة إلى العربية، ولكن الشركة المنتجة انتبهت إلى هذا الأمر وعالجته في المونتاج. وحول من يقول إن اللهجة الشامية في الدبلجة هي التي جعلت الدراما التركية تنتشر في العالم العربي، أنا معه، فلو دُبلجت باللغة العربية الفصحى فلن تلقى الشهرة، لأن اللهجة الشامية أصبحت سائدة لدى العالم العربي ومحبوبة من قِبل الناس. وقبل فترة قال لي أحد الأصدقاء إن جدته قالت له إنها تشاهد مسلسلا شاميا جديدا، ولكن لم تعرف ممثليه، فضحك وقال لها: هذا مسلسل تركي مدبلج.

* يقال إن لديك طموحا أن تكون مخرجا كبعض الممثلين السوريين الذين اتجهوا إلى الإخراج.

ـ أخرجت مرة مسرحية موجهة إلى الأطفال، ولكن في مجال الإخراج للتلفزيون أصارحك القول إنه لدي رغبة، ولكن لا أمتلك الجرأة أن أخرج عملا تلفزيونيا، فأنا أخاف رغم أنني أقف أمام الكاميرا منذ 30 عاما، ولكن مسألة الإخراج مسألة دقيقة، والغلط فيها محرج، والكاميرا لغة دلالة، فالصورة في رأيي أهم من الكلمة، كما أرى أن الحوار في الفن هو آخر شيء، باستثناء المسرح طبعا، لأن المسرح حوار مع إمكانية تقديم شيء جمالي واستعراضي، وبالتالي يكون هنا الحوار آخر مرتبة، وهذه كلها تجعلني أخاف من الإخراج.

* ما مقترحاتك للمحافظة على ألق دراما البيئة الشامية والسورية بشكل عام؟

ـ في رأيي أن هذا الأمر يقع بالدرجة الأولى على الكتّاب، وعليهم أن يقدموا المواضيع الجديدة وأن يقرأوا الأحداث بشكل صحيح وأن تكون الدراما معاصرة بشكل أساسي. مثلا كيف يمكن أن تقدم الواقع المعيش لدراما تلفزيونية؟ هنا مسؤولية كتّاب الدراما والسيناريو وعلينا أن نشاهد أنفسنا في الدراما التي نقدّمها، ومسؤولية الكاتب أن يقدم مشكلاتنا، ولكن ليس مطلوبا منه أن يقدم الحلول، وبالنسبة إلى الدراما الشامية فلا أرى مانعا من أن يقدم أكثر من عمل في العام، على أن يكون هناك قصص وحكايا جديدة رغم أنها تنهل من وعاء واحد وتتحدث بمفردات واحدة، ولكن يجب أن يكون في المواضيع تنوع حتى لا نقف أمام حالة واحدة فقط وبالتالي أن نرى الشام فعلا في هذه الأعمال.

* هل لديك طموح لتجسيد شخصية ما في عمل تلفزيوني؟

ـ ما يهمني هو أن أجسد الشخصية المكتوبة بالشكل الصحيح، ويمكن أن ألعب مشهدا واحدا في عمل وأشعر أن هذا المشهد مهم لأنه مكتوب بشكل صحيح ولأنه حرّضني على أن أقدم شيئا وفتح لي آفاقا وأدوات تعبير.