السينما المصرية .. استسهال واستخفاف وقرصنة وتعددت الأفلام.. والأصل واحد

علي أبو شادي

TT

درج كثير من كتاب ومخرجي السينما المصرية على ان ينقضوا على الأعمال الادبية أو المسرحية، أو الأفلام المصرية والعالمية مستلهمين أو ممصرين هذه الأعمال أو ناقلين لها، وتواطأ الجميع على ألا يذكروا المصدر فانتقلوا من حالة الاقتباس أو الاستلهام الى حالة السرقة والاختلاس، وتاريخ السينما المصرية حافل بهذا النوع الذي قام على الاستسهال والاستخفاف والقرصنة دون وعي بخطورة نقل أفكار هذه الأعمال ـ خاصة الاجنبية ـ الى المتلقي خاصة بعد تشويهها بدعوى تمصيرها ونقلها الى عوالم محلية، والمتأمل لتاريخ هؤلاء الكتبة يدرك انهم اخفقوا الى حد كبير في تقديم سينما تعبر عن الواقع المصري، وظلوا معلقين بين السماء والارض، فلا هم على ارض الواقع ولا هم في سماء الفن. وقد تفاقمت هذه الظاهرة في الفترة الاخيرة نظراً لعزوف كثير من كتاب السينما الكبار عن الكتابة بسبب الازمة الطاحنة التي تعاني منها السينما، لغياب المؤسسات السينمائية المدركة لقيمة العمل الفني الجيد، وكذلك جهات انتاجه التي تبحث عن الكم لأسباب اقتصادية، وتعيد، واعية أو غير ذلك، أسوأ ما في نظام سينما المقاولات الذي باعتماده على نظام تعليب الافلام، وصل بالسينما الى أسوأ حالاتها. وفي تلك الايام طفحت على وجه السينما عشرات الأعمال الهزيلة، كتبها واخرجها مجموعة من أرزقية الفن، والقانعين بالفتات ـ مادياً وفنياً ـ والمخربين لوجدان المشاهد فكرياً، وانقض هؤلاء على كل التراث السينمائي، المصري والعالمي، يعيدون اجتراره بصفاقة منقطعة النظير، وهو ما يعود اليوم في صورة مغايرة تتدثر برداء الاحترام، عند البعض، ذاكرين اسماء مصادرهم، بغض النظر عن كون أعمالهم تناسب الواقع المصري أم تحلق في أجواء العمل الاصلي، دون امتلاك القدرة على تجاوزه، وهناك بعض آخر اختار ان يجهد نفسه في عمليات التمصير، والبحث عن صيغة مناسبة تقترب من الواقع وتحاول التماس معه أو ملامسته، وتجتهد في محاولة اخفاء ملامح المصدر، وبالتالي تتجنب ذكره وتعلن في تهور واضح نسبة هذا العمل إليهم. وقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حين يختلس كاتبان من مصدر واحد، وتلعب الصدفة ـ السيئة ـ دورها فيعرض الفيلمان في توقيت متقارب فتنكشف الفضيحة، ويتعرى صناع هذه الافلام أمام ضمائرهم أولا، وأمام الرأي العام السينمائي وغير السينمائي، مثلما حدث مع فيلم «جاءنا البيان التالي» الذي كتبه محمد امين واخرجه سعيد حامد ولعب بطولته المطلقة محمد هنيدي، وفيلم «اصحاب ولا بيزنس» الذي كتبه مدحت العدل واخرجه علي ادريس، والفيلمان مقتبسان أو مختلسان من مصدر واحد هو الفيلم الاميركي «أحب المتاعب» الذي عرض في مصر تحت اسم «مهنة المتاعب» اخراج تشارلز شاير ولعبت فيه جوليا روبرتس دور البطولة مع نك نولتي.

في فيلم هنيدي يكاد الاصل والصورة يتطابقان مع بعض التعديلات الضرورية ـ انتاجياً ـ أو بغرض الابتعاد عن مظنة الفكر أو التفكير، فجوليا ونولتي صحافيان متنافسان في جريدة واحدة، يبحثان عن الحقيقة من أجل تحقيق خبطات صحافية لكل منهما وللصحيفة التي يعملان بها الى ان يتم حادث انقلاب مدبر لاحد القطارات بغرض اغتيال باحث يمتلك وثائق تدين سلوك شركة تعمل في مجال الابحاث الكيميائية، قامت باكتشاف هرمون يزيد من انتاجية الابقار حين تحقن به، مما يحقق مزيدا من الارباح، لكن الباحث يكتشف ان الهرمون يتسبب في اصابة البشر الذين يحتسون هذه الالبان بالسرطان، لكن الحقيبة التي كانت تحمل تفاصيل البحث تقع في يد أحد اللصوص اثناء انقلاب القطار بدلا من حصول المافيا عليها فيدفع بها الى الصحافيين نظير مبلغ من المال بعد ان ادرك قيمة المعلومات الموجودة بها.

يكتشف الصحافيان ان نائباً من الحزب الديمقراطي هو المتورط في هذه العملية المشبوهة، وهو الذي يقف وراء الشركة، وتتوالى الاحداث الى ان يتم فضح الشركة والسيناتور أمام الرأي العام.

في «جاءنا البيان التالي» يتحول الصحافيان الى مذيعين في احدى القنوات الفضائية الاخبارية التي يلعب الاعلان في دعمها دوراً هاماً ومن خلال عدد من المواقف الهزلية، والهزيلة، التي تأتي لتأكيد قدرة هنيدي على الاضحاك، بأي طريقة، وبعد عدد من المماحكات السياسية، وابتزاز مشاعر المشاهدين القومية والوطنية والاسلامية عن طريق اظهار وحشية الجيش الروسي في الشيشان أو تضامنه مع كفاح الشعب الفلسطيني ضد بربرية الصهاينة الى ان ينقلب احد الاتوبيسات ـ بديلا للقطار في الفيلم الاميركي ـ وينكشف الأمر عند هنيدي وزميلته ومنافسته حنان ترك ان ثمة جريمة في حادث الاتوبيس، وينطلقان في رحلة الكشف عن عناصر الفساد التي تكمن وراء الحادث، ويتضح لهما تواطؤ أحد اعضاء مجلس الشعب في ذلك الحادث، بعد ان يقدم لهما أحد اللصوص الحقيبة التي كانت مع الباحث داخل الاتوبيس.

تتوالى الاحداث متطابقة مع وقائع الفيلم الاميركي ـ دون خجل ـ مع اضافة بعض المشاهد الفجة لاستدرار الضحكات الغليظة مثل تخفي هنيدي في زي امرأة ساقطة، داخل أحد بيوت الدعارة، بينما ترتدي حنان زي الرجال وتتسلل الى نفس المنزل! في فيلم مدحت العدل «اصحاب ولا...» هناك مذيعان تلفزيونيان، مصطفى قمر وهاني سلامة، يقدمان برامج «التوك شو» في إحدى محطات التلفزيون التي يديرها سامي العدل بمنطق التجارة وتخدير المشاهدين ببرامج مشبوهة ـ مفبركة ومضللة ـ تعتمد على التفاهة والضحالة، وتثير في المشاهد الرغبة في المكسب دون جهد، وتشيع ثقافة الكسل والبلادة، ولان مدحت العدل اذكى كثيراً من محمد امين، ولانه حريص في معظم افلامه على ملامسة الهم القومي، من باب التماحك وليس من باب التحليل والقراءة الواعية للواقع، كما فعل في «صعيدي في الجامعة الاميركية» حين تم حرق علم اسرائيل، وفي «شورت وفانلة وكاب» حين أصر على تقديمه احد وجوه التشرذم العربي، وهنا في «اصحاب» ينتقل مصطفى قمر الى الارض المحتلة لتقديم إحدى حلقات برنامجه «التافه» لكن يعيش تجربة استشهاد حقيقية، تحرك مشاعره وتغير من افكاره، وتجعل منه شخصاً آخر يرفض عمليات التضليل والتخدير التي كان يشارك فيها باسم التسلية، وعلى حين يرفض صاحب المحطة عرض الشريط الذي صوره لعملية الاستشهاد ويحاول تشويه صورته أمام الرأي العام، ينجح مصطفى قمر ومعه صديقه المنافس هاني سلامة في تدبير خطة لاذاعة الشريط على الهواء وكشف اكاذيب صاحب المحطة.

ربما كان فيلم مدحت العدل أكثر جدية، واكثر احكاما، لكن الهمسات تتزايد في الوسط السينمائي، هل اقتبس العدل من امين، أم من الاصل؟ أم ان كليهما نهل من النبع نفسه مع اختلاف الامكانات والتوجهات.. وفي كل الاحوال تعددت الافلام والأصل واحد!