«شهريار».. لا يزال يحاول ذبح «شهرزاد»

TT

لماذا كانت تحكي «شهرزاد» في حكايات «ألف ليلة وليلة»؟! كان هدفها هو الحياة تريد أن تبعد سيف «مسرور» عن رقبتها الذي يصبح رهن إشارة من مولاه «شهريار» ووجدت أن «شهريار» تستهويه الحكاية وظلالها ولا يمل منها حتى يداهمهما النوم ولهذا ينتظر ويبقيها على الحياة لليوم التالي.. هذا عن «شهرزاد» الأسطورة فما هي حكاية «هبة يونس» أقصد «شهرزاد» 2009 التي لعبت دورها «منى زكي» في فيلم «احكي يا شهرزاد» للكاتب «وحيد حامد» وإخراج «يسري نصر الله».. لم تكن «شهرزاد» هذا الزمن تسعى للتسلية ولم يكن أيضا هدفها هو الحفاظ على حياتها.. رغم أننا نكتشف في نهاية أحداث الفيلم أنها كانت مستهدفة من «شهريار» العصر زوجها الذي أدى دوره الوجه الجديد «حسن الرداد» وأنها كان ينبغي أن تحكي وتكشف وتفضح الفساد حتى تستطيع مواصلة الحياة.. لا أتصور أن تلك الحكاية التراثية هي التي شغلت الكاتب «وحيد حامد» ولكن كان توجهه مختلفا.. التقط «وحيد» مهنة مقدمة برامج «التوك شو» التي صارت في مجتمعنا تشكل ملمحا هاما في كل البيوت العربية.. نعم صار مقدمو برامج «التوك شو» مثل أحد أفراد الأسرة الذين نلتقي بهم يوميا.. تحملت مقدمة البرنامج في الفيلم عبء تقديم وجهات نظر للمجتمع وعلى مختلف الأصعدة اجتماعية وسياسية ونفسية واقتصادية.. ربما كانت المرأة في الجزء الأول للفيلم تبدو هي المسيطرة على مقدرات الأحداث وأن الفيلم يناصر المرأة، مثلما شعرنا بتعاطف مع «شهرزاد» أمام تعنت «شهريار» إلا أن هذا الرأي يتجاوز حقيقة الفيلم لأنه يسعى إلى تحطيم كل أوجه الظلم سواء الذكوري أو الأنثوي.. وذلك لأن الرجل الذي يقهر المرأة هو أيضا مقهور.. توقف في البداية «وحيد حامد» أمام ظاهرة الحجاب في المجتمع المصري وكيف أنها تعبر عن إرادة جماعية أكثر من كونها وجهة نظر دينية.. اللقطات الأولى نرى فيها «فاطمة نصر» التي تلعب دور أطلقوا عليه «سلمى حايك» المصرية لأنها تتشبه بهذه الفنانة العالمية اللبنانية الأصل «سلمى حايك» فهي تعمل في محل لبيع أدوات التجميل في هذا المشهد يقدم المخرج مفتاح شخصية «منى زكي» تتحرك بسرعة تشتري كل ما تقع عليه يدها الرغبة في الشراء العشوائي تعبر في العادة عن هروب من مواجهة حالة واقعية تعيشها الشخصية، وكانت تلك هي بالتحديد مشاعر البطلة في علاقتها مع زوجها.. أيضا فإن الهمسات من الباعة والجمهور لا تتوقف وهم ينظرون إليها ويتساءلون بماذا تمتاز عن الآخرين.. وتلك النظرة دائما ما تجدها في تفاصيل العلاقة بين المشاهير والناس.. عندما يلتقونهم لأول مرة حيث تبدأ بمرحلة الانبهار اللحظي ثم التقييم المتأني الذي يجعلهم ينظرون إلى هذا المشهور باعتباره لا يستحق كل ما وصل إليه وأنه مواطن عادي.. نعم سقوط الهالة ونزع أوراق ـ السوليفان ـ حول المشاهير إحدى علامات اللقاء معهم.. «سلمى حايك» المصرية تطلب من «منى زكي» أن تتعرف على البشر الحقيقيين ولهذا تصطحبها معها خارج المحل.. «سلمى» ترتدي الحجاب في الأتوبيس والشارع والحي العشوائي الذي تقطن به لأنه ليس مسموحا لأحد بالخروج عن هذا الناموس الذي يشكل الحياة بكل أطيافها.. وتبدأ التتابعات الخط الرئيسي هو الزوج والزوجة كل منهما لديه طموحه الوظيفي المشروع ولكن المهم هو الوسيلة.. الزوج صحفي كفء في عمله لكنه يتطلع إلى مقعد رئيس التحرير في جريدة قومية ولأول مرة نرى في السينما المصرية فضحا مباشرا للدولة في عالم الصحافة القومية بأنها لا تستعين سوى بمن يتنازل ويفتتح موسم التنازلات عندما يقترب موعد التغيير في مقاعد القيادات الصحفية هذه هي القاعدة الأساسية.. على الجانب الآخر فإن «منى زكي» تعمل في قناة فضائية خاصة بينما الضغوط على زوجها تزداد بضراوة، ولهذا يمارس عليها سطوته كزوج لتبتعد عن القضايا السياسية الحساسة خاصة تلك التي تتعرض لنظام الدولة وهكذا تقرر أن تكتفي بتناول القضايا الاجتماعية التي يعيشها الناس ولكن دائما فإن السقف هو السياسة لا شيء يتغير إلا بتدخل سياسي ولا شيء يحدث على المستوى الاجتماعي إلا كان لديه أيضا مردود سياسي.. وتتجسد علاقة المرأة بالرجل أكثر من مرة.. «سوسن بدر» التي تصل إلى مرحلة العنوسة وكانت في شبابها حسناء تتحدث عدة لغات ولكن الرجل يريد السطوة المطلقة على المرأة وهكذا فشلت في زيجتها وأودعت مصحة للأمراض النفسية لأنها كبتت مشاعرها الجنسية ولم تمارسها سواء في إطارها الشرعي أو خارج هذا الإطار.. الرجل يملي إرادته عليها هذا هو ما أراده بالضبط «حسين الإمام» الذي تقدم إليها ليصبح زوج المستقبل فأظلم من بعدها مستقبلها كأنثى.. الحكاية الثانية والتي تستطيع أن تجد فيها ملامح للمسرحية الإيطالية «جزيرة الماعز» التي سبق وأن قدمت في فيلمين مصريين «الراعي والنساء» و«رغبة متوحشة» مع بعض ظلال من قصة يوسف إدريس «بيت من لحم» حيث أن الجنس يلعب دورا مؤثرا، ثلاث نساء يموت عائلهم ولا يجدن سوى العامل في محل بيع أدوات «البوية» فيصبح مطمعا لكل منهن وينتهي مصيره بالقتل على يد أكبر البنات.. يؤدي دور هذا العامل «محمد رمضان».. إن الاحتياج الجنسي وأيضا البحث عن حماية اقتصادية هو الذي دفع كلا منهن للبحث عن نفس الرجل الذي يخدعهن ويجدن أنفسهن في صراع يصل بهن إلى حد القتل.. طال هذا المقطع الدرامي أكثر مما ينبغي تشعبت تفاصيل درامية متعددة وهو ما يتعارض مع إيقاع الفيلم حيث صار وكأنه فيلم خاص محدد القسمات داخل الفيلم الأساسي.. نصل إلى الحكاية الأخيرة، المرأة الناضجة طبيبة الأسنان التي أدت دورها المغربية «سناء عكرود» مع «محمود حميدة» المثقف الوسيم الذي يبحث عن عروس بها مواصفات خاصة في مرحلة متقدمة من العمر على مشارف العنوسة من أسرة ثرية محافظة اجتماعيا ليبدأ في ممارسة لعبته المفضلة وهي إقامة علاقة بعد كتب الكتاب وقبل إعلان الزواج الرسمي ومع بدايات الحمل يبدأ الادعاء بأنه عقيم لا ينجب حتى تكتمل خطوط اللعبة ويطلب تعويضا ماديا أمام الخوف من الفضيحة يحصل على المال من أهل العروس.. اللعبة لا تكتمل عند هذا الحد بل تنتقل إلى ملعب السياسة عندما يصل هذا الفاسد إلى موقع قيادي ترشحه الدولة لكي يصبح وزيرا هنا تخرج طليقته من الشرنقة التي وضعت نفسها فيها تمسك يافطة تقول كلماتها على أي أساس تختارونهم تقصد الوزراء.. وفي لمحة سريعة نرى كيف أن رجال الأمن يطوقون الحدث ويمنعون المتظاهرة.. وتعود الأحداث في الجزء الأخير إلى «منى زكي» وتشتعل الدنيا ويضيع كرسي رئيس التحرير من زوجها «حسن الرداد» ويعتقد أن برنامج زوجته هو السبب لأنها لم تخفف من انتقادها للدولة ويوسعها ضربا وانتقاما.. ولم يدرك أن مقعد رئيس التحرير يذهب لمن يتنازل أكثر وهناك دائما من ليس لديه سقف في التنازل.. وتتحول في نهاية الأمر «منى زكي» إلى ضحية بسبب قسوة اعتداء الزوج تتحول إلى حدث «توك شو» يراه الناس على الشاشة بعد أن تقدمه لهم «منى زكي» لكن الشمس ينبغي أن تشرق، هذا هو ما أوضحته اللقطة الأخيرة من الفيلم!! استطاع «يسري نصر الله» أن يمنح ممثليه حالة خاصة في فن الأداء الكل يشعرك بالتلقائية لأنهم بالفعل يعيشونها في البلاتوه.. عدد من الممثلين الجدد دفع بهم خطوات للأمام أذكر منهم «محمد رمضان»، «ناهد السباعي»، «نسرين أمين»، «رحاب الجمل»، «فاطمة نصر»، «تميم عبدو» والممثلة المغربية «سناء عكرود» تمتلك وجها معبرا لكن تفلت منها أحيانا اللهجة المصرية.. أما «منى زكي» فلقد انطلقت في أدائها لشخصية «هبة يونس» ممثلة تعيش صراعها الداخلي بين حبها لزوجها ولوظيفتها وأيضا لوطنها وصراعها المستحيل وتريد أن تنجح في الاتجاهات المتعارضة الثلاثة.. «محمود حميدة» يعيش سنوات توهجه الإبداعي هكذا رأيته في فيلمين متتاليين في موسم الصيف «دكان شحاتة» و«احكي يا شهرزاد».. الوجهان الجديدين «محمد رمضان» و«حسن الرداد» قدمهما «يسري نصر الله» للحياة الفنية ووضعهما على الطريق الصحيح.. مدير التصوير «سمير بهزان» يمنح للفيلم ألقا خاصا وحالة إبداعية تملك انسيابية.. وديكور «محمد عطية» ومونتاج «منى ربيع» وموسيقى «تامر كروان» عناصر تفوقت، خاصة المونتاج الذي لعب دور البطولة في هذا الفيلم.. إنه فيلم يقول إن السينما المصرية تستطيع أن تقدم بين الحين والآخر شريطا سينمائيا نقول إنه بحق وحقيقي «فيلم»!!