مروان حامد: «إبراهيم الأبيض» معادلة مجتمعية تبحث عن حل

العنف في سينما العالم كله.. ويمثل تحديا بصريا وحركيا

تصوير احد مشاهد «إبراهيم الأبيض» («الشرق الأوسط»)
TT

استطاع مروان حامد جذب الاهتمام إليه كمخرج شاب واعد وهو لا يزال طالبا في المعهد العالي للسينما، عندما عرض قبل بضع سنوات أول أفلامه «لي لي»، المأخوذ عن إحدى قصص يوسف إدريس القصيرة.

واستمر في إثارة الاهتمام في أول أفلامه الروائية الطويلة «عمارة يعقوبيان»، المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه للروائي المثير للجدل علاء الأسواني، بعد أن حققت روايته رواجا كبيرا على الصعيد العربي والعالمي، وهذا أيضا ما حققه الفيلم خلال عرضه في العالم العربي وأوروبا، وشكل أول تعاون بين مروان ووالده، كاتب السيناريو الأكثر شهرة في مصر خلال العقدين الأخيرين، وحيد حامد، والذي أسهم إلى حد كبير في التأثير على شخصية ابنه، بالاتجاه إلى السينما. «الشرق الأوسط» التقت المخرج الشاب لتحاوره حول مشواره القصير والمثير في آن واحد، وأيضا فيلمه الأخير «إبراهيم الأبيض».. فإلى نص الحوار..

* لماذا اخترت فيلم «إبراهيم الأبيض» ليكون ثاني أفلامك، بعد النجاح الكبير في عمارة يعقوبيان، والانتقال من رؤية اجتماعية سياسية إلى فيلم يحوي العنف في كل مشاهده؟

ـ لست من النوع الذي يقدم نوعا واحدا من الأفلام ويتمسك بها، فأنا أرى أن العالم السينمائي عالم غني ومتنوع جدا، بحر كبير فيه آفاق متعددة، وكل واحد له طريقته في الإخراج، وكمخرج أحب أن اكتشف وأجرب كل ما هو جديد. وعندما قرأت سيناريو «إبراهيم الأبيض» أعجبت جدا بكم العنف الموجود به، خصوصا وأنا أعشق وأحب مشاهدة أفلام العنف على المستوى الشخصي.

* هل وجدت في سيناريو الفيلم نوعا من التحدي لإظهار قدراتك كمخرج؟

ـ من دون شك، فأي عمل تعمل عليه كمخرج لا بد أن يتضمن تحديا ما، وإلا فإنك لن تجد الدافع القوي الذي يدفعك لتنفيذه. والعنف الذي تراه في الفيلم شكل تحديا كبيرا لي على المستوى البصري والإخراجي الذي سيظهر عليه الفيلم، الذي اعترف كثير من النقاد بأنه من أفضل الأفلام في لغة الصورة.

* صحيح، لكن ألم تلاحظ لوم النقاد لِكَم العنف غير المسبوق في السينما العربية، في الوقت ذاته الذي لم يوفر فيه السيناريو معادلا لتطور الشخصية الدرامية لأبطال الفيلم تبرر مثل هذا الكم من العنف؟

ـ أولا العنف موجود في سينما العالم كلها، ونحن في العالم العربي لا نقدم سوى 10 في المائة من الأنواع التي تطرقها السينما العالمية، فغالبية أفلامنا تركز على الحالة الاجتماعية، ولا نتناول أفلام الخيال العلمي وأفلام الرعب وغيرها من المواضيع. وتصوير العنف لا يعتبر من المحرمات في السينما العالمية، وكون الفيلم غير مسبوق في السينما العربية، من حيث العنف، لا يقلل من مستوى الفيلم. وعدم التعود لا يعني ابدأ عدم التناول، فالسيناريو يركز على أننا في مجتمع يعتمد على العنف لحل مشاكله، ويعرض لسؤال أساسي في الدراما النامية داخل الفيلم وهو «هل تستطيع قصة حب أن تنمو وسط مجتمع يتميز بكل مظاهر العنف؟».

* هل ترى فعلا أن العنف يصل إلى هذا المستوى في البيئة العربية؟

ـ لا أستطيع أن أعمم الأمر بالنسبة للبيئة العربية، ولكن العنف موجود بقوة في المناطق العشوائية التي تشير الإحصائيات إلى أن عدد سكانها يصل إلى 17 مليون نسمة. طبعا المناطق العشوائية فيها ناس عظماء وفيها ناس طيبون وفيها كل شيء، ولكن الفن فيه اختيار، وأنا كفنان أختار نمطا وشخصيات معينة قررت أن أتناولها، فأنا لست معنيا بتحليل الواقع كله لأن هذا ليس عملي. إلى جانب ذلك، فأنا أرى أن العنف موجود بقوة في أقسام البوليس وفي الأحياء الراقية، وفي صفحات الحوادث يوميا جرائم مروعة، تكشف أن مصر أصبحت دولة مليئة بالعنف. وصحف الأسبوع الماضي وحده، بها الكثير من أحكام الإعدام التي صدرت في جرائم عنف مختلفة، مثل الحكم على قاتل ابنة المطربة ليلى غفران، كذلك الحكم بإعدام عشرين شخصا في مجزرة القليوبية، وكذلك الضابط الذي قام بقتل رجل في الشارع، والرجل الذي قتل زوجته وأبناءه. فلاحظ أن هناك أكثر من خمسة أحكام إعدام خلال أقل من أسبوعين، ألا يشير ذلك كله إلى وجود عنف زائد في المجتمع؟!

* لكن كل هذا يعتبر عنفا متواضعا مقارنة بما يحدث في مدينة نيويورك التي تقع فيها جريمة كل 30 ثانية، أو البرازيل، أو غيرهما؟

ـ أنا أتناول العنف غير المبرر في العشوائيات. مثل رجل يقتل زوجته لأنها تأخرت في تحضير الشاي، أو ذاك الذي قتل صديقه من أجل ثلاثة جنيهات، أو ذلك الذي يلقي طفله من النافذة بسبب بكائه، إلى آخر ما في القائمة من حوادث تقرأها في الصحف. وهذه الجرائم كلها كما ترى وقعت لأسباب تافهة لكنها مليئة بالعنف. لا يمكن أن نرى إنسانا يقتل آخر من أجل ثلاثة جنيهات ولا نتحدث عن العنف. كما أن الإعلام الرسمي يحاول جاهدا أن يغطي على كل المشكلات، ويظهر أننا نعيش حياة وردية. ولذلك يهاجم الأعمال التي تتناول المشاكل والعشوائيات، بل يحاول أن يظهر حادثة مثل غرق عبارة عليها 1400 شخص على أنها حادثة عادية من الممكن أن تحدث في أي مكان بالعالم، حتى لا نسائل المسؤولين عن معاقبة الفاعلين، في الوقت الذي يعاقب فيه من يحمل مطواة «قرن غزال» بالسجن لمدة سبعة أشهر!! ولا تنسى أن كلاسيكيات الدراما العالمية لم تستطع حل إشكالاته الدرامية إلا بالعنف، مثل الأوديسة والإلياذة وروميو وجولييت وهاملت وغيرها. وهذا أيضا ما نجده في بعض روايات نجيب محفوظ، خصوصا «الحرافيش» التي قدمت من خلالها الكثير من الأفلام، وصورت العنف في عالم الحارة المصرية. وأنا أتمنى أن أعيد تقديمها لأصور العنف الحقيقي الذي تمتلئ به الرواية، وتصور واقعا عاشته الحارة المصرية وما زالت تعيشه حتى الآن في العشوائيات.

* وماذا تقول عن فيلم «عمارة يعقوبيان» والتوجهات السياسية التي حملها، والكثير من الانتقادات لرجال السياسية؟

ـ أحببت الرواية ولا أملك توجها سياسيا معينا، وهذا لا يعني أنني غير مهتم بالسياسة، فأنا لا أنتمي لحزب أو لتيار، لكني مهتم بالسياسة كمواطن مصري. وأعجبتني في الرواية إنسانية الشخصيات كلها، وجذبتني النظرة غير الأحادية للشخصيات، إلى جانب أنها المرة الأولى التي نتعامل فيها مع التطرف والإرهاب الديني بالطريقة التي قدمت بها شخصية طه الشاذلي. والمرة الأولى التي أرى فيها تحليلا ورؤية في التعامل مع شخصية الشاذ جنسيا كما عبرت عنها شخصية رئيس التحرير حاتم رشيد، من حيث الاعتراف بشذوذه أولا، والتعامل بدون تحجيم للشخصية، فالحكم الإنساني هو الأساس.

* وماذا عن مشروعاتك الفنية، والمقبل في أعمالك، وهل ستتجه لكتابة السيناريو الخاص بك؟

ـ لا مشاريع لدي الآن، ولكن طبعا لدي هموم وأفكار كثيرة أبحث حولها لأجد عملي المقبل. وحاليا، لا أستطيع كتابة السيناريو، لأنه عمل مجهد، وفي تجربتي مع قصة يوسف إدريس أرى أنني فقط قمت بتقديم معالجة أكثر منها كتابة سيناريو، فالسيناريو يعني أن تتعامل مع ورق وقلم وتجلس وحيدا، وأنا لا استطيع ذلك، فخطي سيئ، ولا أحب الكتابة على الكومبيوتر، في حين أن الإخراج يعني التعامل مع الناس، ونقوم بشكل مشترك بإقامة ورشة العمل، وصولا إلى إنجاز العمل وتقديمه للمشاهد على الشاشة.

* وهل ستعود للتعاون مع والدك كاتب السيناريو وحيد حامد كما فعلت في أول أفلامك الروائية الطويلة؟

ـ طبعا سأفعل إذا كان هناك سيناريو أرى أني قادر على إخراجه وتقديمه بأفضل صورة على الشاشة، لكني أيضا أرى أفلاما قد يكتبها والدي لا أستطيع إخراجها، مثل فيلم «شهرزاد»، فأنا رأيت منذ البداية أن الأفضل لهذا الفيلم هو فعلا المخرج الكبير يسري نصر الله. وبالمناسبة، فإن يسري صديق جميل، وقد استشرته في بعض الإشكالات التي واجهتها في فيلم «إبراهيم الأبيض».