هوليوود تتجه إلى الصيغ الرائجة

مطالب الأطفال المتواصلة وسهولة إرضائهم تجعلهم الجمهور المثالي للسينما

فيلم «ستار تريك» للمخرج جي جي أبرامز
TT

في فيلم «أشخاص ظرفاء» بطولة آدم ساندلر، يشاهد الجمهور أجزاء من فيلم آخر تقوم ببطولته الشخصية التي يؤديها آدم ساندلر في الفيلم، وهي شخصية جورج سيمون الممثل الكوميدي الذي يصبح نجما سينمائيا. ويصور الفيلم الموجود بداخل الفيلم والذي يبدو كتنويع على فكرة «انظر من الذي يتحدث هنا» رأس جورج وهي مركبة على جسد طفل رضيع من خلال المؤثرات البصرية حيث تبدو الشخصية هزلية وظريفة، كما أنها في الوقت ذاته محملة بالدلالات الثقافية.

من الواضح أن صورة طفل له وجه آدم ساندلر المضحك تلخص إلى حد كبير تاريخ ساندلر المهني وتؤكد سحره الطفولي الدائم. ومن الواضح أن جود أباتو مؤلف الفيلم ومخرجه كان يسخر من بعض أعماله التي كانت تثير الغرائز الطفولية (كذلك كانت تستكشفها) التي تشكل ملامح الرجل الأميركي المعاصر.

مما لا شك فيه، أن فيلم «أشخاص ظرفاء» ليس استمرارا لذلك النوع من الاستغراق في الغرائز، على الرغم من وجود نكات غير لائقة تتعلق بالأعضاء التناسلية والبراز؛ فذلك الفيلم هو فيلم حول النضج، والشعور بالحزن، ومواجهة الموت، فهو فيلم جاد، وطويل يتحدى بطله نضجه. وربما يكون ذلك هو السبب الذي جعل كثيرا من محللي بيانات شباك الإيرادات الأميركية ينعتون الفيلم بالفاشل بعد الإيرادات الضعيفة التي حققها في أسبوعه الافتتاحي. فالصيف ليس وقتا ملائما للناضجين.

ولست أحاول الدفاع عن فيلم أباتو الذي تضاربت ردود الأفعال حوله، والذي من المتوقع أن يواجه مزيدا من الانتقادات الأكثر تعقيدا وثراء. ولكن ما يزعجني حقا هو سرعة الإعلان عن إخفاق الفيلم في التواصل مع الجمهور. وقد واجه فيلم ميشيل مان «أعداء الشعب» الشهر الماضي الأحكام نفسها الذي تستطيع أن تسمع فيها صوت الحكمة المحافظة، أو تستطيع رؤيتها مغروسة في الإنذار الذي يدقه هذا الرجل ـ الطفل، بصوته الضعيف ووجهه الباهت الذي تغطيه لحية خفيفة، وجسده المترهل الذي يحيط به حفاض. وربما لا يكون تصور هوليوود عن نفسها أكثر وضوحا من ذلك، وربما لا تكون هناك مرآة يرى فيها الناس أنفسهم أكثر صدقا من ذلك. فنحن مجرد مجموعة من بطاقات الهوية كثيرة النواح والمنقادة لشهواتها الجنسية والتي لها عقول وأفواه قذرة؛ هذه هي الطريقة التي ترانا بها تلك الاستوديوهات الكبرى.

فما الذي يعتقدونه حول رغباتنا؟ حتى الآن، فإن فيلم الموسم هو «المتحولون: انتقام الهابطين إلى الأرض» وهو فيلم ملحمي يزيد طوله بأربع دقائق عن فيلم «أشخاص ظرفاء»، وتدور قصته حول مجموعة من ألعاب هاسبرو. وقد هيمنت المنتجات المتعلقة بشخصيات الفيلم على مبيعات الأطفال، كما تصدر الفيلم شباك الإيرادات منذ مايو (أيار) الماضي. بالإضافة إلى الخنازير ثلاثية الأبعاد في فيلم «قوة الجاذبية» ومخلوقات ما قبل التاريخ المشعرة ثلاثية الأبعاد الموجودة في الجزء الثالث لفيلم «العصر الجليدي» والشخصيات التاريخية الموجودة في الجزء الثاني من «ليلة في المتحف» وبالطبع التلميذ الساحر وأصدقائه في الجزء السادس من سلسلة أفلام «هاري بوتر».

فهذه هي المنتجات التي تستهدف الشباب، أما الاهتمام بالشباب فيما يتعلق بالنضج الذكوري فلا يتجلى إلا من خلال أفلام مثل «آثار الإسراف في الشراب» وهو فيلم تود فيليب الذي يتشابه قليلا مع مدرسة أباتو في الإخراج، وفيلم أبرام «ستار تريك» الذي يعيد بناء قصة المغامرين المسافرين في الفضاء وكأنه فيلم لهاري بوتر.

وهناك بالطبع استثناءات؛ فمثلا فيلم «ملائكة وشياطين» تسافر فيه مجموعة من البالغين في رحلة حول الفاتيكان للبحث عن مفاتيح لحل أحد الألغاز القديمة. هذا، بالإضافة إلى الأفلام الرومانسية الناجحة خلال ذلك الموسم مثل فيلمي «عرض زواج»، و«الحقيقة البغيضة» وهما فيلمان مقنعان ويؤديان الغرض منهما بما يتناسب بدرجات متفاوتة مع جمهور البالغين.

ولكن الجميع (على الأقل في الولايات المتحدة) قد نسى أمر فيلم «ملائكة وشياطين» والأفلام الرومانسية الكوميدية ـ اللذين كانا يمكن أن يحققا أرباحا خيالية في الأيام الخوالي ـ والذين يمكن تصنيفهما كنوع من الأفلام التي تقف في مواجهة تلك الأنواع الرائجة من الأفلام. وهناك أفلام الغراميات، والأفلام الموجهة للنساء، والتي تتعالى إلى حد ما على جمهورها. فالأعمال المربحة في مكان آخر مع الأولاد وألعابهم.

لقد انتهى الموسم الدراسي. ويرغب الناس في قضاء أوقات لطيفة، وقضاء الوقت بالمجان في مكان مكيف، ويحتاجون إلى مكان يهربون إليه في أوقات الضغط. تلك هي الحقائق الأساسية المتعلقة بالصيف، التي تستحضر في كل مرة بعض الشكاوى النخبوية الكئيبة حول الأجزاء الجديدة من الأفلام أو أفلام الأبطال الخارقين، جمهور الفشار الكبير الأخرق. فنحن نحب جمهور الفشار الكبير الأخرق. بالطبع نحن نحبه، حتى تلك النخبة النكدة. ولكن تلك الحقائق الأكيدة حول ذوق وتوقعات جمهور الأفلام ليست قوانين طبيعية أكثر من كونها استراتيجية شركات، تخدم الدروس المستخلصة، منها الوضع الراهن الذي يهمش المخاطرة والأصالة والذكاء بشكل متزايد.

ولكن الدرس المستفاد من صيف 2009، هو أن هذه الخصائص لا تستطيع سداد الفواتير على الرغم من أنها مرغوبة على النحو النظري المثالي. فقد أصبحت الاستوديوهات أكثر حذرا، نظرا للأزمة التي يمر بها الاقتصاد؛ فأصبحت تنتج عددا أقل من الأفلام وتركز جهودها في إنتاج الصيغ التي تلقى رواجا؛ فقد كانت معظم الأفلام الكبرى حتى الآن تشكل جزءا من سلسلة من الأفلام التي لاقت الرواج بالفعل.

وفي حالة الأفلام الكوميدية، الساخرة أو الرومانسية، فإن مجرد كونها كوميدية كان كفيلا بمساعدتها على الرواج؛ ففي حالة فيلم «رحلة حول العالم» لبكسار ـ فيلم فريد في عالم هوليوود ـ كان نوع الفيلم كفيلا بتحقيقه للنجاح. ولكن على الجانب الآخر (وحتى مدى معين) ـ كانت الأشهر الأخيرة مهرجان للأفلام المعروفة، للأشياء التي قد اشتريتها من قبل ـ سواء بدافع العادة أو الولاء ـ وترغب في تحديثها.

وعلى الرغم من ذلك، فإن كل الأجزاء الجديدة من الأفلام لم تنجح، فلم يحقق فيلم «خلاص المدمر» النجاح المتوقع له، حيث لم يماثل فيلم «المدمر» الأصلي؛ ومرة أخرى، فقد كان «المدمر» الأصلي يعاني من مشكلات في أداء المهمة الحالية. فبداية من ولفراين وسبوك في مايو (أيار)، ومرورا بأفلام الكائنات الغريبة والسحرة في يوليو (تموز) كانت المسألة انتصارا لما هو مجرب وحقيقي، حيث كانت الأفلام تحيي بشكل استثنائي الأصالة أو تكتسي بها، ولكنها بصفة عامة، لم تخرج عما كان متوقعا منها بالضبط، فلم تكن هناك مفاجآت. فما نوع الشخص الذي يستمر في المطالبة بشيء جديد ولا يرغب في الوقت نفسه إلا في الأشياء القديمة؟ إنه الطفل بالطبع. فمنذ طفولتنا المبكرة ونحن نبرع في ذلك: مرة أخرى! المزيد! مرة إضافية! (لقد أطلق على الرضيع الضخم في فيلم جورج سيمونز اسم «ريدو»). فالأطفال يطلبون عددا لا نهائيا من الأشياء، وهذا حقيقي، ولكنهم يسهل إرضاؤهم كذلك، وهذا المزيج بين الرغبة الدائمة وسهولة الإقناع تجعل من الأطفال الجمهور المثالي للسينما. ولكن بما أن هناك عددا محدودا من الأطفال المتعلمين؛ ولأنهم من ذوي الدخول الضعيفة؛ ولأنهم لديهم فترات انتباه قصيرة، كان على هوليوود أن تجد جمهورا جديدا. ولذلك بدأت شركات الإنتاج في تبني الأفلام التي تتعامل مع الجمهور باعتباره مجموعة من الأطفال.

وتشهد أفلام الموسم الحالي التي كان أغلبها مبتذلا، وبعضها جميلا؛ ومعظمها مربحا كبيرا؛ على نجاح مفهوم التعامل مع الجمهور على أنه مجموعة من الأطفال. وتشير القائمة الموسمية للفائزين والخاسرين كما يحددها منجّمو شباك الإيرادات إلى تحقيق شركات الإنتاج المزيد من ربحية الأسهم. كما أن الألعاب، والكتب الكوميدية، والشخصيات الخيالية المألوفة هي عوامل جذب يمكن الاعتماد عليها أكثر من نجوم السينما، أو المخرجين المشاهير كما أنهم يسهل السيطرة عليهم.

ولفراين، كابتن كيرك، هاري بوترن هاسبرو ـ هؤلاء هم العلامات التجارية والفرص الاستثمارية التي سوف تدفع الأطفال بلا شك إلى قاعات السينما. ولكن الأفلام مثل «اقتحام بيلهام 123» وفيلم «أعداء الشعب» وربما «أشخاص ظرفاء» قد ينظر إليها الآن باعتبارها دليلا حيا على أن فنانين مثل دينزيل واشنطن، وجون ترافولتا، وميشيل مان، وجوني ديب، وجود أباتو، لم يعودوا عوامل جذب مضمونة.

وذلك من دون أن تضع في اعتبارك أن فيلم «أعداء الشعب» قد حقق مبيعات جيدة بعدما كان قد بدأ بداية بطيئة. كما أنه وضع فيلم «أشخاص ظرفاء» في هذه المقارنة ـ نظرا للوقت الذي عرض فيه الفيلم ولموضوعه ـ بفيلم «مطروح أرضا» أو «غليمور السعيد» حيث تتجاهل الحكمة المحافظة في الغالب مثل هذه الأفكار. وربما يكون ذلك نظرا لأن أي انتقاص في نجاح النجوم أو المخرجين المستقلين يعود مردوده لصالح الشركات التي تمتلك حقوق نشر وتوزيع المنتج النهائي.

وسوف تثبت هذه المجموعة الصغيرة من قصص الحذر الاقتصادي في هذا الموسم مدى جدواها في المستقبل، عندما تصبح هناك رغبة في السيطرة على الطموحات والأنا المرتفعة. ويبدو ممثلو القرون الوسطى والمخرجون الذين تعرضوا لانتقادات كثيرة كمتهورين وليسوا كمستثمرين عقلاء. فـ«فورتي» هو شخص ميت، و«أوتور» هي الكلمة الفرنسية لعاطل عن العمل. كما تم معاملة فيلم «The Hurt Locker» (من أفلام الحركة الساخنة والذي كان يمكن أن يصبح فيلما ناجحا قبل ذلك الوقت) كفيلم حساس وكوردة رقيقة يجب معاملتها معاملة خاصة؛ فقد عرض الفيلم في البيوت الفنية وتم بيعه استنادا إلى السمعة التي اكتسبها.

ولا تكذب عادة أرقام شباك الإيرادات، ولكنها لا تفصح عن مجمل الحقيقة كذلك؛ حيث يسجل مجمل الأرباح في نهاية الأسبوع مقدار التذاكر التي تم بيعها ولكنه لا يستطيع أن يسجل نوعية الخبرة التي كان يروج لها الفيلم؛ كما أن إجمالي الإيرادات يظهر أن كثيرا من الناس يحبون الذهاب إلى السينما، ولكنه لا يؤكد بالضرورة أنهم كانوا سعداء بما شاهدوه.

وربما يعكس النجاح التجاري ترحيب الناس بالعمل الإبداعي وربما لا يعكس سوى نجاح السياسة التسويقية. والخلاصة، هي أن ذلك تمييزا وليس اختلافا، حيث إن الفيلم الذي يذهب الناس لمشاهدته وكأنه لا يوجد خيار آخر أمامهم؛ هو نوع من العمل الآمن أكثر من الفيلم الذي يقتضي أن يذهبوا ويفكروا فيه. وفي هذا الإطار، فإن فيلم «المتحولون: انتقام الهابطين إلى الأرض» يعد نموذجا مثاليا؛ فقد أحبط النقاد بذكاء، وأفسد الحجج التي كانت تثار ضده واستحوذ على الاستجابات الذكية. إن أكثر الأشياء إثارة للاهتمام حول ذلك الفيلم ـ بعيدا عن فيلم ميغان فوكس ـ كانت أنه حقق نحو 400 مليون دولار على المستوى المحلي. ولا يوجد أي شيء آخر يمكن قوله. فأي مناقشة إضافية ـ مثلا المناقشة حول جودة الفيلم أو مستواه الفني ـ ستكون عقيمة وعتيقة الطراز. حاول أن تستنتج، أو اذهب لمشاهدة فيلم «رحلة حول العالم الفيلم» الوحيد الذي حقق نجاحا مذهلا خلال الصيف والذي يتضمن بنجاح بعض الأفكار المتعلقة بالكبار؛ فهو يدور حول الخسارة، والإحباط، وخيبة الأمل. كما أنه يقدم واحدا من أكثر أفلام الموسم ودروسه المتناقضة؛ فإذا كنت تريد أن تصنع فيلما ناضجا لجمهور ناضج فاحرص أن يكون فيلما للرسوم المتحركة.

* خدمة «نيويورك تايمز»