الفيلم الوثائقي العربي يغط في سبات عميق

ردود الفعل السابقة وغياب المنتجين والتقنيات أهم الأسباب

المنتجون العرب اتجهوا الى المسلسلات التلفزيونية لاتفاقها ومتطلبات الجمهور العربي («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من الرواج الكبير والاهتمام البالغ الذي تجده الأفلام الوثائقية في العالم، والذي أوجد لها مكانا مهما ضمن الباقة البرامجية في القنوات الفضائية العالمية، وأكدت به وجودها عبر قنوات عالمية متخصصة لمثل هذا النوع من الأفلام مثل قناة «ديسكفري» الأميركية، إلا أنها لم تجد هذا القبول والاهتمام في العالم العربي، لأسباب أرجعها الخبراء إلى غياب المنتجين وضعف التقنيات، إضافة إلى غياب الثقافة التي تؤدي في الغالب إلى ردود فعل متوقعة بسبب اختلاف النصوص المعروضة، فيراه بعض المتعصبين مساسا بجوانب القبلية والعادات والتقاليد والجانب الديني في بعض الأوقات.

ووجد المنتجون في تقديم الحقائق التاريخية عبر المسلسلات التاريخية حلا أسرع للوصول إلى المشاهد العربي وأكثر ربحية، ولكون المشاهد العربي يميل إلى الدراما وتجسيد الواقع من خلال شخصيات ونجوم.

ووجدت تلك المسلسلات معارضة من أقارب الشخصيات، وصلت إلى المحاكم في بعض الدول ومطالبات بتعويضات باهظة، وتوقف عدد من المسلسلات في أثناء عرضها، مثل مسلسل «سعدون العواجي» الذي وقف بثه العام قبل الماضي لذات الأسباب.

ويرجع ممدوح سالم، المخرج السينمائي المعروف، ندرة الأفلام الوثائقية إلى الطلب المحدود عليها بسبب رغبة المشاهد في مشاهدة فيلم كوميدي أو حركي أو رومانسي بعيدا عن الحقائق والوقائع التي يرصدها الفيلم، إضافة إلى الثقافة العربية المحدودة. وضرب مثالا على ذلك بعرض الفيلم الوثائقي «9/11» الذي أخرجه مايكل مور وحصد إيرادات عالية وقبولا كبيرا من المشاهدين العرب، إضافة إلى غياب المساحة التي تعرض فيها تلك الأفلام، ولعل نجاحات القنوات الفضائية الوثائقية الغربية مثل قناة «ديسكفري» يعد حافزا لرجال الأعمال المهتمين بالإعلام.

فيما يرى المخرج نضال الدمشقي أن غياب المنتجين هو السبب الرئيسي لغياب الأفلام الوثائقية العربية، على الرغم من وجود النص والإرث العربي الكبير في المواقع والحقائق التاريخية، إضافة إلى غياب الإمكانات الحقيقية لتصوير تلك الأفلام، وقال: «من الخطأ تصوير الأفلام الوثائقية بإمكانات الأفلام العادية كما هو موجود في الأفلام الموجودة حاليا».

وأضاف الدمشقي: «إن الحركة الحالية للأفلام الوثائقية العربية مبنية على الطلب، فمع الأحداث تظهر الأفلام وتنتعش الحركة».

وحمّل من جانبه توفيق الزائد، المخرج السعودي، القنوات الفضائية غياب تلك الأفلام والاعتماد على البرامج الترفيهية المربحة، كما حمّل غياب المختصين وعدم تعاون بعض الجهات ذات الصلة في إبراز الحقائق أسباب ندرة الأفلام العربية من هذا النوع. فيما وصف أحد المخرجين الوضع الحالي للأفلام الوثائقية الموجودة في الوقت الحالي أنها تعتمد على المجاملة والتمجيد فقط بعيدا عن الحقائق، وهو ما حدث حقيقة في عدد من الأفلام الروائية التي عرضت على الشاشات العربية خلال الفترة الماضية، وأكده لـ«الشرق الأوسط» عدد من المنتجين والمخرجين العرب.

يقول عبد الله بن محفوظ منتج فيلم «هجرة الحضارم» الذي عرض على قناة «العربية»: «للأسف، الحقيقة تغضب البعض، ونحن بطبيعتنا كشعوب نتأثر بالعاطفة والقبلية ونرفض الرأي الآخر».

وأضاف أن فيلم «هجرة الحضارم» بلعت تكلفته الإنتاجية نحو 800 ألف ريال، وهو المبلغ الذي تجاوزته في الوقت الحالي بعض الكليبات الغنائية، وعرض الفيلم بعض الوقائع بحسب ما أوردته المعلومات التاريخية، وعلى الرغم من ذلك هاجم البعض المحتوى ورفضوا بعض الأفكار والحقائق، موردين حقائق أخرى. وعلق على ذلك بالقول: «الحقيقة دائما ما تكون مؤلمة».

وهنا يعود المخرج ممدوح سالم ليتحدث حول نجاح الأفلام الوثائقية الغربية بقوله: «نجاح التجارب الغربية في هذا المجال بسبب الأهمية الفائقة للأفلام الوثائقية ودورها الكبير في كثير من مجالات الحياة، وفي كثير من الميادين التاريخية، الدينية، السياسية، الاجتماعية، الثقافية، خصوصا أنه ليس لديهم محظورات رقابية في طرحهم لقضاياهم، وهذا يعد سببا رئيسيا لنجاحهم، إضافة إلى ثقافة المشاهد الغربي الذي يبحث عن المعلومات والوقائع الحقيقية من دون تزييف أو تغيير، من خلال عمل وثائقي يقدم القضية بأبعادها».

وفي ظل الغياب للأفلام الوثائقية العربية لتلك الأسباب وجد المنتجون العرب طريقة أخرى متوافقة مع ميول ومتطلبات الشعوب العربية من خلال تقديمها على شكل مسلسلات تاريخية وجدت قبولا كبيرا من المشاهدين، أرجعه ممدوح سالم إلى التسويق الجيد، مشيرا إلى نجاح مسلسلات تاريخية مثل «الزير سالم»، و«الظاهر بيبرس»، و«الأمين والمأمون»، مرجعا النجاح إلى كون المشاهد العربي يميل إلى الدراما وتجسيد الواقع من خلال شخصيات ونجوم معروفين وقصة وحبكة درامية لها بداية وعقدة ونهاية، وقد اعتاد على ذلك كثيرا، خصوصا أنه في الآونة الأخيرة أصبح العمل التاريخي يخدم إنتاجيا وتتوفر له سبل النجاح، وبالتالي هي مسألة ثقافة، فثقافة المشاهد العربي ترجح المسلسلات التاريخية على الأفلام الوثائقية.

أما عن نشأة الأفلام الوثائقية فيقول: «تعتبر سنة 1923 المرة الأولى التي استعمل فيها مصطلح أو مفهوم الوثائقية، وذلك للتعبير عن كل فيلم من خلال الوثائق المأخوذة من الواقع. وفي بداية من سنة 1949 تم استخدام مصطلح (documentariste) (الوثائقية)، وهو الاسم الذي يطلق على السينمائيين الذين يخرجون أفلاما وثائقية، وهي السنة كذلك التي انفجر فيها الفيلم الوثائقي بشكل معتبر، وظهر الكثير من الأفلام الوثائقية التي تروي قصصا وأحقابا تاريخية، وبدأ بعدها الفيلم الوثائقي يأخذ أبعاده كعلم مستقل بذاته، وكفن له مبدعوه».

وقد استخدم الفرنسيون مصطلح «Le film documentaire»، منذ ظهور اختراع «لويس لونيار» لجهاز التقاط وعرض الصور السينمائية المتحركة سنة 1895، وذلك لتصوير فيلم الرحلات (نقصد بفيلم الرحلات: تصوير المكان الحقيقي الذي يدور حوله الموضوع، وهو واقعي المضمون، قصير الطول، ذو مسحة سياحية، يقدم للمشاهد معلم البيئة ومناظرها في بلد ما، ومظاهر الحياة الاجتماعية بها). وكان هواة الرحلات أكثر من يقبلون على تصوير «أفلام الرحلات»، بعد اكتشاف آلة التصوير السينمائي بهدف توثيق أوجه نشاطهم، وتسجيل مشاهداتهم، لإعادة عرضها على الأهل والأصدقاء من قبيل التذكار، أما الفيلم الوثائقي فهو وثيقة تاريخية، والهدف منها هو المعرفة، لذا سمي كذلك بالفيلم التعليمي. كما سمي أيضا بالفيلم العلمي، والفيلم التدريبي. وبعد نحو ربع قرن، سنة 1920 ظهر التعبير الإنجليزي «documentry film»، من خلال المخرج الناقد الإنجليزي John Grierson، حيث ظهر الفيلم الوثائقي للناس بمواصفات محددة. في مقال نشره في جريدة «The New York Sun» الأميركية سنة 1926.

ووصف الفيلم الوثائقي بأنه المعالجة الخلاقة للواقع، وميزه عن غيره من الأشكال السينمائية التسجيلية التي أخذت في الانتشار آنذاك، حيث قسم الإنتاج السينمائي الوثائقي إلى مستويين لكل منهما أهدافه.