التشكيلي المصري مصطفى عبد المعطي: نملك فنانين ممتازين ولا نملك حركة فنية

TT

«ثلاثة فرسان في رحلة فن اتخذوا التجربة الطلقة عكازا، ومن الشوق الى الجديد منظارا، ومن التوتر الخلاق اغنية للطريق». هكذا كتب محمود امين العالم في مجلة المصور القاهرية عن معرض اقامه ثلاثة فنانين شباب من الاسكندرية عام 1965.

الفنان مصطفى عبد المعطي (1938) كان احد الفنانين المشاركين في ذلك المعرض، وواحدا من الثلاثة الذين اتفقوا على برنامج الجماعة الفنية التي اطلقوا عليها اسم «التجريبيين».

وعبد المعطي، الذي ما ان تخطى عتبة كلية الفنون التي درس فيها في الاسكندرية حتى عاد اليها معيدا، كرس جهوده لنيل الماجستير، فتحصلها عام 1977، ليلحقها بدراسة في التصوير الجداري نال عنها الدبلوم من اكاديمية سان فرناندو الاسبانية.

اقام الفنان معارض شخصية كثيرة، وله مشاركات غزيرة في معارض محلية وعربية ودولية، واليه يعود الفضل في انشاء بينالي القاهرة عام 1984، وكان رئيسا لدورتيه الاولى والثانية، وفي العام نفسه قام بتأسيس قاعة النيل للعروض التشكيلية التي تعد من كبرى قاعات عرض الفنون في مصر، هذا بالاضافة الى دوره في انشاء متاحف ومشاريع فنية وثقافية متنوعة.

الروح الساكنة.. الكتلة الرصينة وهدوء تكرار الوحدات، تلك الملامح التي اتصلت بتجربة فناني مصر القديمة، وارابيسك مصر الاسلامية رصدها الناقد مصطفى ابراهيم مصطفى في بدايات انطلاق تجربة الفنان مصطفى عبد المعطي، وكتبها في مقال نشر في صحيفة «الاهرام»، وهي نفس الملامح التي لازمت تحوله منذ اقتران التشخيص بملامح لوحاته (لوحة السور ـ من اعمال معرض التجريبيين الاول 1965) الى استعارته للعناصر والوحدات من العالم الخارجي واعادة صياغتها الى اشكال هندسية منتظمة (لوحة ـ المثلث في تركيب نشيط) في اعماله التي شارك بها جماعته التجريبية في المعرض الذي اقيم عام 1968 في القاهرة،، حينها قال تعليقا على خروجه على صيغة اعماله السابقة «لقد زرت اسوان وابو سنبل، ان البيئة والطبيعة والحضارة تفرض قوانينها على اللون والمعالجة».

خلال السبعينات من القرن الماضي خرج عبد المعطي على الجاذبية الارضية ليتوغل في جاذبية اشكال وفضاءات الكواكب الاخرى، فصور مجموعة من المجسمات الهندسية ووزعها على متسع لا نهائي من فضاء اللوحة، فبدت وكأنها نصب تذكارية تركها رجال من فضاء كوكب آخر (مجموعة فضائيات ـ عالم الصمت) التي كتب عنها الفنان حسين بيكار قائلا: «.. ونعود الى عالم الصمت الذي يدعونا اليه الفنان مصطفى عبد المعطي الذي هجر الارض وما عليها بحثا عن كوكب آخر يقيم عليها اعلامه، ولقد اكتشف الفنان كوكبا جديدا، نظيفا بكرا بلا حياة، تتماوج آفاقه على امتداد البصر لتغوص في النهاية في اعماق المجهول، وفي هذا التيه غير المتناهي، والوحشة الرهيبة التي تخيم على العالم الجديد، يغرز الفنان اشارات وعلامات تؤنسه او ترشده حتى لا يبتلعه الضياع، وفي احد المواقع على الافق الممتد الى ما لا نهاية تصل الى اسماعه اصداء الفنان الخالد سيزان «كل شيء يبدأ بالكرة والمكعب والمخروط». وهنا يضع الفنان الشاب يده على سر البدء، فمن هذه العناصر الثلاثة تبدأ الحياة في عالم الصمت، فينشر مشخصاته التي تتكون من هذه الاساسيات ومشتقاتها ومركباتها فوق اديم الكوكب الجديد، ويغمسها في بوتقة الالوان المرجانية فتتلألأ كقطع من الاحجار الكريمة في صياغات تشكيلية رائعة، وهنا تدب الحياة وتزول الوحشة، وتشع في جنبات اللوحة اشعاعات ماسية وزبرجدية ومرجانية وزمردية وياقوتية».

وعن البدايات، ومراحل تطور عمله الفني، تحدث الفنان لـ«الشرق الأوسط»، فقال: بدأت المسيرة الفنية منذ التحاقي بكلية الفنون الجميلة ـ جامعة الاسكندرية، كنت ضمن طلاب اول دفعة التحقت بالكلية. حظيت هذه المجموعة المتميزة من الطلاب برعاية الاساتذة الرواد مما جعلها تتجه الى محاورة الافكار السائدة، وعدم التسليم بالواقع، وكان الهدف خلق فنان محاور ومفكر وليس مجرد فنان مستقبل.

طبيعة الحركة الفنية المصرية، وماهيتها، وامكانية اضافة الجديد لما هو قائم فعلا اصبحت شغلنا الشاغل خلال السنة الدراسية الثالثة في الكلية، وكانت النتيجة توصلنا عبر نقاشات اخذت منا وقتا طويلا الى تكوين عدد من الجماعات الفنية، كان منها جماعة التجريبيين، وبذلك وضعنا انفسنا على خط الانشغال بالفن والتجربة الفنية.

كان معرضنا الاول في الاسكندرية في عام 1965 بمثابة الاعلان عن جماعتنا، وعندما انتقل الى القاهرة قوبل باستحسان كبار النقاد امثال محمود امين العالم ومصطفى ابراهيم وحسين بيكار.

يعالج عبد المعطي الخطوط المستقيمة التي تكاد ان تكون القاسم المشترك لمعظم لوحاته بطرق مختلفة، فهذه الخطوط تشكل في كثير من الاحيان نسيج اللوحة والخارطة التي ينتشر على جسدها مجسداته من كواكب واقمار واهرام ومعابد، التي لا تنجو بدورها من الامتداد الخيطي الدقيق المرهف احيانا، والسميك الخشن في احيان اخرى.

الموضوع المتغير، والنغمة المغايرة، يدفعان بالفنان الى قلب المعادلة في اوقات اخرى، فيقلب خطوطه الآسرة ليجعلها متعامدة سميكة يوزع على رؤوسها شواهده التي تدل عليه.

عن سر اهتمامه بالخطوط يقول الفنان: «ان الخطوط الافقية في لوحاتي صورة من التراث الفرعوني القديم، فسهولة اراضي مصر وانبساطها جعلا الفنان القيم يستمد الخطوط الافقية في رسومه، لذا تجده يرسم في خطوط متراصة متتالية فوق بعضها، نجده ينظر الى السماء وهي تعانق الارض عند خط الافق بينما اشجار النخيل تصل الى عنان السماء، فيعتبر هذا العناق صورة من صور اللقاء المنتظر مع السماء في الحياة الفانية بعد الموت».

وعن سؤال حول النقاط المضيئة والمعتمة في تجربة فناني مصر المعاصرين، اجاب: «في الفن المصري المعاصر الكثير من العلامات المضيئة، وستظل مصر تنجب الفنانين العظام، لان الشعب المصري بطبيعته شعب مبدع، ورسالتنا للعالم كانت عن طريق الفن، ومن العلامات الفنية المهمة في تاريخنا الحديث نذكر المثال محمود مختار، والمصور محمود سعيد، وغيرهما من الرعيلين الاول والثاني، انا من الجيل الحالي وهناك مجموعة طيبة من الفنانين الذين يقدمون تجاربهم بشكل جيد، غير ان هناك فنانين افرادا يمكن وضعهم على المستوى العالمي، فنحن نملك فنانين ممتازين، ولكننا لا نملك حركة فنية حيث يغلب الهم الخاص على الهم العام.

* على ضوء ذلك، كيف ترى مستقبل الحركة التشكيلية في مصر؟

ـ مستقبل الحركة الفنية في مصر يحتاج وقفة جادة، لكي يتعلم الشباب قبل ان يكتب الشعر ان يجيد اللغة العربية.

* ما هي آخر مشاريع الفنان مصطفى عبد المعطي؟

ـ سوف اقيم في هذا الموسم معرضين، يضم الاول مختارات من اعمالي لفترة الستينات، اما المعرض الثاني الذي سيقام في اكتوبر (تشرين الاول) القادم، فيضم الحالة التي وصلت اليها الآن.