المعرض التشكيلي للشيباني: حضور متميز للإنسان والمكان في التشكيل الكويتي

TT

كانت المساهمة العربية في الجانب التشكيلي من موسم اصيلة لهذه السنة من اهم ما ميز الدورة الثالثة والعشرين لموسمها الثقافي عن سابقاتها. فإلى جانب معرض الفن البحريني المعاصر الذي جاور المعرض التشكيلي لرواد الفن المغربي في الخمسينات والستينات، نجد المعرض الكويتي الذي تم افتتاحه في رواق قصر الثقافة وسط المدينة العتيقة باصيلة.

وبالرغم من حداثة الحركة التشكيلية الكويتية المعاصرة على المستوى الزمني، اذا ما قارناها بمثيلاتها في بعض البلدان العربية والاجنبية، فإنها استطاعت ان تحقق في ظرف وجيز تطورا ملموسا وان ترسم معالم شخصية فنية متميزة استمدت الكثير من عناصرها من الهوية والروافد العميقة المكونة للمشهد الاجتماعي والتاريخي والحضاري في الكويت، وشهدت انفتاحا كبيرا على المدارس والتقنيات الغربية المتقدمة مع الاحتفاظ بجذورها التراثية في اطار تركيبة بلغت حدا بعيدا من النضج.

والمعرض المقام باصيلة يكشف عبر الامثلة والنماذج المحدودة العدد التي قدمت لعين وذوق الجمهور هذه الدرجة من النضج. واول ما يستوقف النظر في هذا المعرض هو حضور البيئة المحلية على مستوى الموضوعات والميل الكبير الى التشخيص، حيث جاءت العديد من اللوحات على شكل خلطات بين السوريالية والانطباعية مما يترجم انشغالا كبيرا لدى المبدع الكويتي بحضور الانسان ومختلف تمثلاته، وبعلاقته الحميمة مع المكان.

ولاحظنا في اعمال محمد الشيباني ميلا قويا للسوريالية واحتفاء بالاساليب والتقنيات الحديثة في اطار اهتمامه المستمر بحضور الفعل الانساني في مواجهة الكون الذي تطغى عليه الزرقة. اما الفنان ناجي الحاي فقد عمل على ادغام مكونات سوريالية في فن البورتريه وعلى خوض مغامرة الضوء بشجاعة تقود الى تداخل العناصر بين الطبيعة والوجوه المرسومة. نفس الحضور الانساني كرسته لوحة «ابتسامة» لبدر جاسم حياتي الذي لجأ الى تطوير صورة البرقع باعتباره نمطا حياتيا ودفعه الى اخفاء العين وابراز ابتسامة مجهولة الهوية تمزج التجسيم بالسوريالية.

ونفس الشيء يمكن ان يقال عن لوحات الفنان ابراهيم حبيب الذي قدم اعمالا عبارة عن رسومات على ورق تحت الزجاج تتضمن الوانا وفية للبيئة الصحراوية القديمة، ولاستذكار انماط حياتية كويتية اتجهت للانقراض بعد الطفرة البترولية. اما الفنان عبد الرضا حسين باقر فقدم اعمالا تنتمي لفئة الطبيعة الميتة، لكنها ركزت على رسم ادوات الرسم نفسها، اي ان عين الفنان هنا فضلت ان تقوم بالتأمل لا في العالم المحيط بها بل في ادواتها التقنية ووسائلها والتمكن من جعلها معبرة. وقد نجح حسين باقر في هذا التحدي فجاءت اعماله متميزة بالرصانة الاكاديمية ونابضة بقوة التعبير في الوقت نفسه.

اما الذي خلق الاستثناء في هذا المعرض فقد كان بدون شك الفنان جابر احمد مختار بفضل مزجه المرهف بين الحفر والتجريد الهندسي وطرحه لاشكالية علاقة اللوحة الفنية باطارها، سواء بالمعنى الضيق او المجازي للكلمة. ذلك ان كل لوحة من لوحات جابر احمد مختار تتضمن لوحة اخرى داخلها، مما يدفع المشاهد لطرح سؤال الحرية من خلال تحلىل هذه الرغبة في تجاوز الاطار والتي تعتمل داخل اللوحة الداخلية وحركات الريشة المنطلقة داخلها بحرية حركية كبيرة وبالوان ضعيفة تتحدى محيطها العام. اشكالية حرية الحركة التجريدية تظل مطروحة اذن هنا بقوة، خاصة انها تظل دائما في نطاق الاطار الاكبر للوحة، مما يدفع المتلقي الى الاحساس بالنبض المتميز وبالتفاعل الداخلي المتوثب لمكونات العمل الفني عند جابر احمد مختار.