بن كينغسلي: أضع كل معرفتي وخبرتي في صندوق وأستلهم من النص

حديث من القلب للممثل الذي أجاد تقمص كل الشخصيات

بن كينغسلي «أمير الظلام»
TT

إذا ما بحثت في مهنة الممثل السير بن كينغسلي وجدت أمامك أكثر من 50 فيلما على مدى 38 سنة تتميز جميعها بالقدرة على النفاذ تحت جلد الشخصية مهما اختلفت.

إنه العربي والأميركي والتركي والهندي والبريطاني والألماني. هو المسلم والمسيحي واليهودي. وهو الشخصية الحقيقية وقد تم تقمصها على أفضل سبيل، والشخصية الخيالية وقد منحت حياة خاصة بها.

في تفسير ذلك، أن كينغسلي هو نموذج للممثل المتأقلم تلقائيا. ذلك الذي تمكنه ملامح الوجه، وحدة الأداء ومزاياه الشخصية من مدارك ومواهب، ومن تشخيص داخلي مقنع لما يختار القيام به. ولا مانع في أنه أيضا ممثل ذو خلفية شكسبيرية تمنحه الأسلوب والمنهج اللذين يستطيع من خلالهما فتح الأبواب كلها والإقدام على أدوار قد لا يستطيع ممثل آخر تأديتها إلا إذا ما غير في نصوصها ومكوناتها. بذلك هو الضمانة على أن الشخصية التي يؤديها لن تجد مؤديا أفضل منه لها.

ولد بن كينغسلي قبل 66 سنة في بريطانيا باسم هندي هو كريشنا باندت بانجي. والدته اسمها آنا لينا ماري وكانت ممثلة، ووالده هو رحيمتولا حارجي بانجي، ولد في كينيا وبقي فيها إلى حين بلغ 14 من العمر وحط مع عائلته في بريطانيا حيث درس الطب.

التمثيل كان مطلبا لبن كينغسلي منذ البداية. مارسه على المسرح في السبعينات حتى بعد ظهوره في السينما والتلفزيون. أعماله على الخشبة العريضة استقطبت إعجابا متناميا بين الهواة والنقاد على حد سواء. لم يدع شكله يؤثر على اختياراته وهو يؤدي «هاملت» سنة 1975 أو شخصية دمتريوس في مسرحية شكسبير الأخرى «حلم منتصف ليلة صيف». وفي حين أن الممثل طمح إلى الوجود في السينما طوال حياته، فإن ذلك لم يشغله عن حبه الأول لكل ما هو شكسبير. لعب معظم شخصياته وحقق شهرته على الخشبة المسرحية قبل أن ينتقل إلى السينما ليظهر في أدوار البطولة أكثر من مرة بدءا من دوره في فيلم «غاندي». وسواء أكان الدور تاريخيا، كما الحال في «جزيرة باسكالي» حيث لعب شخصية تركية مسلمة، أو قريبة من الواقع كما الحال في «لائحة شيندلر» (الذي أضحى مع «غاندي» من أشهر أدواره)، فإن الممثل خبر الأداء الذي يستولي به على عناصر المشهد واهتمام المشاهد أيضا.

في مطلع هذا العام شاهدناه تحت إدارة مارتن سكورسيزي في «جزيرة مغلقة». فيه عكس كينغسلي شخصية طبيب الجزيرة المعتقل الغامضة. ليس فقط أن الفيلم لا يحاول تحديد الحقيقة فيما يتعلق ببطله ومحنته (قام بالدور ليوناردو ديكابريو)، بل يضع شخصية ذلك الطبيب في وسط مسببات الغموض، التي تتطلب قدرا خاصا من المعالجة الأدائية لدى كينغسلي خوفا من أن يخطئ فيمنح المشاهد قدرة على النفاذ على حقيقته.

وقريبا نراه في «أمير الفرس: رمال الزمن» لمايك نيوول، مع جايك جيلنهال والجديدة جيما أرترتون، لاعبا دور أحد أبناء البلاط الفارسي في زمن غابر اسمه «نظام» يربي ولدا أعجب شقيقه الملك، حتى إذا ما كبر الصبي واشتد ساعده وجد نفسه وسط مؤامرة تستهدفه، قد يكون نظام مسؤولا عنها - أو قد لا يكون. الممثل سيلعب الدور من دون إيحاء بذلك تاركا المسألة تطفو في ذهن المشاهد إلى أن يكشف الفيلم عن الحقيقة في هذا الصدد.

في مقابلة سابقة قبل عدة سنوات، بدا الممثل مترددا في فتح الباب الكاشف لخبرته. مقتصدا في كلامه، لكنه الآن مقبل عليه. سعيد بالحديث عن شخصيته الخاصة وشخصية أدواره وكيف يبقي الطريق مفتوحا في اتجاهين بينهما.

* على الرغم من اختلافهما فإن «جزيرة مغلقة» و«أمير الفرس» يلتقيان من حيث إنك تؤدي فيهما شخصية لا يمكن معرفة موقفها سريعا. وربما بالنسبة إلى الأول لا يمكن معرفة حقيقتها مطلقا. كيف أنجزت هذين الدورين وكيف تصفهما؟

- أعرف أنك تعتقد أنهما فيلمان مختلفان لكنهما متشابهان. إنهما أولاد عم. أحدهما دور المداوي والثاني دور المتسبب في الداء. إنهما وجهان لشخصية واحدة. ما أقوم به هو البقاء مقتصدا في التعبير بحيث يجد المخرج مارتن سكورسيزي ومونتيرته المبدعة ثيلما (سكوونماكر) في «جزيرة مغلقة» ومايك نيوول ومجموعته الرائعة من فناني المونتاج، لقطات يمكن استخدامها للتمويه. أعتقد أنني أستطيع توظيف شيء تعلمته من خلال العمل مع مخرجين مبدعين كثيرين في مهنتي، وكذلك الممثلين مثل ليوناردو ديكابريو في «جزيرة مغلقة» وجايك جيلنهال في «أمير فارس». وأود منك أن تلاحظ أن العلاقة بين الطبيب والشخصية التي يؤديها ديكابريو علاقة ودية في معظمها ليست بعيدة عن العلاقة بين الوزير في «أمير فارس» وبطل الفيلم جايك جيلنهال.

* إنك تمنح الآخرين الكثير من الامتنان لما تحققه أنت من إنجاز.

- لو سمحت لنفسي أن أوحي للمشاهد بما يساعده على تمييز دوري أو معرفة حقيقته قبل الأوان، وهذا ما لا أقوم به، فإن المخرج سوف يقوم بقطعه من الفيلم مبقيا الدور غامضا كما يجب أن يكون. الأمر كله راجع إليه، وأنا محظوظ حيث أعمل عادة مع مخرجين يعرفون مهنهم ويمارسونها ببراعة ومقدرة رائعة. أحيانا ما أريد أن أسمح لنفسي بإشارة أو حركة أعرف أنها قد تكشف الشخصية لكني أمتنع لأني أعرف قيمة إبقاء هويتي غامضة قدر الإمكان وأن هناك وقتا في الفيلم سيتيح لي مثل هذا الأمر، فلم الاستعجال إذن؟! مثل هذا الكشف قد يساعدني على التحرر قليلا أمام الكاميرا، لكنه تنازل قد يطيح بالدور إذا ما قمت به ويمنح الشخصية وضعا تكتسب به تعاطفا سريعا مع أو ضد لكن هذا خطأ. ولا تنسى موضوع الممثل وعلاقته بالكاميرا. المخرج يعرف أين يضع الكاميرا ويؤلف اللقطة التي يريد منها الكشف عن موضوع ما في الوقت المحدد. أنا ومارتي (مارتن سكورسيزي) تناقشنا كثيرا في هذا المجال، وهو كان يقول إنني أعطيه أداء مختلفا في كل لقطة نعيد تصويرها، بينما كنت أقول له إنني أمارس التمثيل ذاته والأداء نفسه إنما بتنويع بسيط في كل مرة من دون تغيير يذكر.

* هذا ينقلنا إلى الوضع الآخر الخاص بك. لقد لعبت شخصيات من شتى أنحاء العالم، عربية وتركية وهندية وأميركية وبريطانية وفارسية وألمانية... كم من هذا النجاح يمكن إرجاعه إلى ملامح وجهك؟

- أعتقد أنه إذا ما قمت بإجراء تحليل حامض نووي (DNA) علي ستجد أنني مفاجأة (ضحك). أعلم يقينا أن جد جدي لناحية أبي جاء من الشرق وأنه انتمى إلى الطائفة الإسماعيلية وقد هاجر إلى بلاد الفرس قبل أكثر من مائة سنة أو ربما ولد هناك حين هاجر والده. هناك أيضا عنصر هندي، فجدي المباشر ولد في الولاية ذاتها التي ولد فيها المهامتا غاندي وهو أمر من قبيل الصدف، إذا كان هناك شيء اسمه صدفة بالفعل. لناحية والدتي، ستجد أن هناك عنصرا بريطانيا كاملا في، لكن ما الذي يعنيه ذلك، هل والدتي من سلالة الفايكنغ.. أو من سلالة دنماركية أو اسكندنافية أو سلتيكية.. هل هي من سلالة رومانية.. هل يمكن أن تكون والدتي من أصل مغربي، إذ كانت الملاحة نشطة ما بين المغرب وبريطانيا لعقود طويلة.. ربما. أيضا بين أقاربنا عائلة دي سوزا التي هي في الأصل إسبانية تعيش هنا في بريطانيا. كما قلت تحليلي الشخصي سيكون مليئا بالمفاجآت. آه... هناك أيضا دم روسي يهودي يجري في عروق بعض أقارب والدتي، وعروق هندية لناحية والدي أيضا!

* الأمر معقد إذا ما تم إجراء إحصاء مدني معك! - صحيح (يضحك) صحيح.. لكن في نهاية المطاف، تبقى الموهبة الحقيقية لدي هي العطف.

* كيف؟

- أقصد أننا إذا افترضنا أن لدي شقيقا توأما. هذا الشقيق سيحمل بالطبع ذات الـ«DNA» الذي أحمله. لكن لنفترض أنه ليس إنسانا عطوفا أو إنسانا مثيرا للعطف. من أين جاء هذا العطف عندي وكيف غاب عنده؟ لا أعرف. لكن أعرف أنني أستطيع أن ألعب دور الإيراني الدكتور باراني في فيلم «منزل الرمال والضباب» أو أضع نفسي في دور الدكتور لوغان أو دور اليهودي في «قائمة شندلر» أو دور الوزير نظام في «أمير الفرس»، بينما قد لا يستطيع ذلك شقيقي التوأم. أستطيع أن أعدد الأدوار لكن اللائحة ستكون غريبة جدا. أنا لا أقوم بالتردد على الإنترنت كثيرا لكني أخشى إذا فعلت أن أجد نفسي منتشرا حول العالم عبر الشخصيات التي مثلتها، كما انتشرت الإمبراطورية البريطانية.

* لنتحدث عن آخر محطة في تلك الإمبراطورية إذن.. هل كان كل ما تطلبه كممثل موجودا على الورق في فيلم «أمير فارس»؟

- نعم. لقد قرأت الإيحاءات على الورق أساسا. قرأتها وقرأت الفرصة المتاحة لتكوين الشخصية التي سأؤديها ولم أغير حرفا واحدا. لكن ما أدركته هو أنني أستطيع أن أقول عبارة معينة أو تأدية مشهد معين بقدر من السخرية أو الازدراء من دون أن أخرج عن النص مطلقا. هناك حوار أقوله في الفيلم يعكس ما أعنيه، حين أنتقل إلى القدر المناسب من القسوة، وهو: «كن متأكدا من أن كأسه تبقى ممتلئة». هناك عدة طرق يمكن للممثل أن يقول هذه العبارة بها، وكل طريقة تترك أثرا مختلفا بين المشاهدين. لكن العبارة موجودة بذكاء في السيناريو وتوحي بالرغبة في استخدامها للنيل من براءة بطل الفيلم داستان (جايك جيلنهال). هناك عبارات أخرى ذات مدلولات مشابهة لا يهم صغرها. طريقة الإلقاء عليها أن تعكس مضامينها وتثير التساؤل حول موقف الشخصية خلالها.

* شكسبير ملهما

* من أين تأتي بتلك القرارات حين تمثل؟ كيف تستدل على العلاقة بين الممثل والكلمة المنطوقة؟

- شكرا لسؤالك هذا، لقد كدت أقول لك بنفسي. تأتي من ترجمة شكسبير بمئات الطرق المختلفة. إنه حبي لشكسبير ولدي في رأسي ما يشبه خريطة الساتالايت التي تمنحك القدرة على البحث. أقرأ السيناريو ولدي ذلك الجهاز الذي يمكنني من التعرف إلى حبكته الشكسبيرية. إنه أمر غريب، لكني أستطيع أن أعود بأي شيء أمثله إلى شكسبير لأني مثلت شكسبير على المسرح طيلة 15 عاما أديت فيها 17 عملا من أعماله. وأعدك أنك تستطيع أن تقلب «أمير فارس» إلى «رتشارد الثالث» بسهولة.

* هناك الحكاية العائلية «الملك وأولاده».

- تماما. كل مسرحيات شكسبير هي عائلية. «رتشارد الثالث» هي عن عائلة اسمها بلانتاغانيت. «يوليوس قيصر» عن عائلة. «روميو وجولييت» عن عائلتين... كل مسرحياته عن العائلات سواء أكانت مفككة أم مترابطة.

* هذا الكلام مثير جدا، وخصوصا أن «أمير الفرس» آت من مرجعية مختلفة. إنه لعبة فيديو أساسا. ها هي التكنولوجيا تقابل وليام شكسبير.. هل شكل مصدرها العصري هذا أي اهتمام خاص، أو كنت قادرا على تجاوز عناصرها وملامحها وإرجاعها إلى شكسبير مباشرة؟

- هناك عدة مراحل للإجابة عن هذا السؤال. أولا أعرف أن من صمم شخصية الوزير صممها وأنا في باله. بذلك ألعب الشخصية التي كتبت بناء على مواصفاتي. أنا، بصورة أو بأخرى الجد. هي الأب ثم أنا الابن الذي يؤديها على الشاشة. ثم هناك القصة. أولئك الكتاب الذين يقومون بوضع هذه القصص يعرفون الميثالوجيا والمفهوم القديم للبطولة. يستخدمون النسخة الأصلية لما هو ذكر ولما هو مؤنث. هناك الكثير من ألعاب الفيديو التي انتقلت إلى السينما ولم تحقق نجاحا والخطأ في اعتقادي يكمن في الغاية. هنا الغاية ليست إنجاز نجاح يعادل طنا من المال، بل التواصل أولا مع الجمهور الكبير وتأمين تلك الميثالوجيات التي تنتقل من جيل إلى آخر بنجاح وعبر مختلف أنواع ووسائل التعبير.

* المخرج رونالد إيميرك يصور حاليا فيلما في ألمانيا بعنوان «مجهول» يتساءل فيه عما إذا كان شكسبير كتب مسرحياته فعلا. ما رأيك؟

- رأيي أنه جرأة من صناعة السينما أن تمول فيلما حول هذا الموضوع، وجرأة من قبل أي شخص يريد طرح هذا السؤال، على الرغم من أن المسألة محسومة لصالح شكسبير مهما أثيرت هذه المسألة من حوله. بل إن مجرد إثارتها فعل رائع يدل على أهميته وتميز أعماله.

* في «جزيرة مغلقة» نوع آخر من الميثالوجيات. قصة حب مغلفة بحالة رجل يعيش عالما لا يفهمه. الفيلم يقع في الخمسينات لكنه يبدو كما لو كان خيالا علميا. هل توافق؟

- نعم. هذا صحيح. القصة هي أيضا عائلية في الصميم. كما رأيت ليوناردو يؤدي شخصية رجل ربما يكون مسؤولا عن قتل زوجته التي قتلت أولادهما لكنه ينفي ذلك من دون أن يدري. يعيش حالة رفض للواقع تؤدي به إلى خلل نفسي. دوري هو تطويعه لكي يكتشف الحقيقة. وقوة الفيلم تعتمد على كل ذلك القدر من الغموض المحيط بشخصيته والمحيط بشخصيتي أيضا. هل أنا شخص جيد أم شخصية شريرة. هذا ليس من السهل معرفته لكنه أوصل الفيلم بنجاح إلى الجانب الآخر حيث يكمن الجمهور.

* كل شيء في صندوق

* الجلوس إليك والاستماع لما تقوله يجعلني أتساءل عن كيف تستخدم هذا القدر الكبير من المعلومات؟

- حين تختار دورا لتأديته. كيف تضع ما تعرف في إطار أو صندوق؟ كيف ترتب ما تعرف، وكيف ترتب خبراتك في هذا المجال؟ هل هو أمر تلقائي؟

رئاسة الوزراء البريطانية أمر صعب جدا. ليس لأنني أريد أن أرفع نفسي إلى هذا المصاف، لكن فقط أريد استخدام رئاسة الوزراء كمثال. في يوم يسألونه ما خطته حيال أولادنا في أفغانستان وفي اليوم الثاني عن خطته الاقتصادية، أو ماذا سيفعل حيال احتياجات العجائز، وعليه دائما أن يمنح كل ما لديه من عناية لكل مسألة على حدة. هذا الصندوق كما وصفته على نحو جميل هو السيناريو. إنه صندوقي وعليه أستطيع أن أستجلب كل خبراتي ومعرفتي التي لها علاقة بالدور: كل ما يؤذيني. كل ما أحبه. كل ما أتطلع إليه. كل تجاربي. كل ذلك يدخل هذا الصندوق. أضع كل شيء في الشخصية التي أؤديها.

* ما رأيك في مارتن سكورسيزي وبمايك نيوول.. طبعا لكل منهما شخصيته المختلفة لذلك أسألك؟

- مارتن لديه سياسة عمل تختلف تماما عن تلك التي يتبعها مايك. مارتن يريد تحقيق فيلم ينتمي إلى مارتن سكورسيزي. مايك يريد تحقيق فيلم ينتمي إلى المشاهدين من إخراج مايك نيوول، أي بقدر خاص من البصمة التي يمتلكها وهو ليس مجرد مخرج ينفذ الأفلام حسب المواصفات بل يتدخل كثيرا لكي يمنح الفيلم شخصية مختلفة عما تنتجه هوليوود عادة. هذه الفانتازيا بالغة الجمال في حد ذاتها، لكن كان عليه ألا يكتفي بالقصة لكي تورد تلك الفانتازيا، بل أن يضيف من عنده ما يجعل الفيلم حالة خاصة. أقرب إلى تجسيد صوره وذاكرته عما كان يقرؤه ويشاهده من حكايات وهو صغير.

* هذا الفيلم فيه الكثير من «ألف ليلة وليلة».

- طبعا. تلك الحكايات التي يمكن صنع الكثير من الأفلام منها. فيها كل شيء تطلبه إلى اليوم من خيال وعناصر إنسانية وميثالوجيات.

* هل حدث أنك وجدت نفسك في تناقض مع المخرج؟

- إذا ما صافحت المخرج، أو المخرجة، فإن ذلك يمنحني القدرة على مناقشته. ليس أنا شخصيا بل عليه أن يمنح كل ممثل ذلك الحق. أحيانا لا يستمر اللقاء طويلا قبل أن تدرك أن تفكير كل منكما لا يلتقي مطلقا وتفكير الآخر. ذات مرة جلست مع مخرج أميركي في قصر مارمونت الشهير نتناول الغداء ونتحدث في المشروع الذي بيننا. في منتصفه قلت له: نحن لا نستطيع أن نتفاهم. كيميائيا لا نتطابق. توقف عن الطعام وقال: «معك حق»، ثم نهض وغادر المكان لأنه أدرك أن هذا التناقض لا يدفع بالعمل إلى الأفضل بل إلى الأسوأ.

* هناك فترة من حياتك لا أعرف عنها الكثير.. سنة 1972 مثلت فيلما تشويقيا بعنوان «الخوف هو المفتاح»، كان دورا صغيرا على ما أعتقد. ثم غبت لعشر سنوات وحين عدت لعبت دور البطولة المطلقة في «غاندي».. أين أمضيت هذه السنوات؟

- أمضيتها في بيتي على المسرح. هناك وجدني مخرج «غاندي» سير رتشارد أتنبوره. كان يبحث عن ممثل بمواصفات مختلفة ووجدني بتلك المواصفات التي أرادها، وهي مواصفات واقعية تماما سواء أكنت تتحدث عن البدن من حيث نحافته وضعفه ورقته، أم من حيث القدرة على الظهور متلائما مع العنصر الهندي. في نهاية الأمر ليس هناك ممثل أشقر يؤدي الدور، بل ممثل له جذور هندية.