شاشات صقلية لأفلام البحر المتوسط وسواه

الدورة الجديدة من مهرجان «تاورمينا» حافلة بالحكايات

لقطة من فيلم «كيك أوف» ضربة البداية
TT

هناك اثنان وعشرون دولة تشترك في مياه البحر الأبيض المتوسط، بينها إحدى عشرة أوروبية وخمس دول آسيوية وخمس دول أفريقية.

ثم هناك دولة لها انتماء مزدوج هي تركيا فجزء منها آسيوي وجزء منها أوروبي، وكلاهما يطلان على هذا البحر الأزرق الجميل، ولو أنه يُكنى بالأبيض لسبب يحتاج إلى بحث.

ٍمن هذه الدول، هناك ست عشرة تعرف نشاطا سينمائيا متواصلا، هي: لبنان وسورية وفلسطين ومصر والجزائر وتونس والمغرب وإسرائيل، على الضفتين الشرقية والجنوبية منه، وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وتركيا واليونان وبوسنيا وكرواتيا وسلوفينيا، على الضفتين الغربية والشمالية منه، وذلك على الرغم من تفاوت حجم الإنتاج بين دولة وأخرى.

باقي الدول، مثل ليبيا ومالطا وقبرص وموناكو، فإنها لا تنتج أفلاما بالمرة تقريبا. ليبيا أنجزت أقل من خمسة أفلام روائية في تاريخها، كذلك قبرص في السنوات الثلاثين الأخيرة.

على الرغم من ذلك، فإن هناك نحو ستة مهرجانات منتشرة في بعض هذه الدول تهتم بالسينما المتوسطية أشهرها عربيا «تطوان» المغربي و«الإسكندرية» المصري، لكن أكثرها تنظيما وجودة ونجاحا هو مهرجان «تاورمينا» الذي يُقام هذا العام ما بين الثاني عشر والثامن عشر من هذا الشهر للمرة السادسة والخمسين، وبذلك هو أيضا من بين أعرق المهرجانات المتخصصة في المنطقة.

منذ أربع سنوات وإدارة المهرجان تحت إدارة ديبورا يونغ، وهي ناقدة سينمائية أميركية عملت طويلا في المجلة السينمائية المعروفة «فاراياتي» ثم تفرغت للعمل في الصحافة الإيطالية حينا قبل أن تستلم إدارة هذا المهرجان سنة 2007، ليس أن المهرجان كان يعاني مشكلات مستعصية أو أزمات كبيرة، لكنه كان بحاجة إلى روح جديدة يستطيع من خلالها الحفاظ على هويته من دون أن يغرق تحتها ويجد نفسه مطمورا كمهرجان محدود الأهمية.

نجاحها تبلور سريعا: أعادت تنظيمه وحددت له أولويات جديدة وغذّته بعدد من المساعدين والمبرمجين (ولو على نحو محدود)، ثم أخذت تقطف ثمار نجاح خطتها عاما بعد عام. وأحد أهم التغييرات التي قامت بها هو تعزيز وجود أوروبي مماثل في حجمه للوجود المتوسطي. فالمسابقة الرسمية هي مسابقتان: واحدة للأفلام القادمة من الدول المطلة على البحر المتوسط، والثانية، بعنوان «ما وراء المتوسط» هي للأفلام التي تقع خارج نطاق المنطقة الجغرافية المعنية التي طالما شكلت هوية هذا المهرجان.

* مخرجات من البلطيق

* نجاح ديبورا يونغ دليل على أن ما تحتاجه معظم مهرجانات السينما العربية، ليس مديرين آتين من حقول التمثيل أو الإخراج أو حتى من «الميديا» بشكل عام، بل من النقد السينمائي. فالناقد لا يزال الصوت الوحيد الذي يعرف ماهية المشكلات التي تعتري السينما العربية، ولديه - بصورة طبيعية - القدرة الأفضل على اختيار الأفلام وعلى التأكيد الوجه الثقافي للأفلام على نحو عام.

تضم مسابقة البحر المتوسط سبعة أفلام بينها فيلم واحد من بلد عربي هو الفيلم المصري «رسائل البحر» للمخرج داود عبد السيد، وهو فيلم صفق له بإعجاب غالبية النقاد السينمائيين في مصر، لكنه لم يجد شاشة مهرجان غربي رئيسي حتى الآن وهذه هي إطلالته الأولى على هذا الصعيد.

فيلم عبد السيد الذي يحمل شجون صاحبه وفنّه يتنافس مع الفيلم الإيطالي «بعد ذلك في الحياة» أو (Della Vita in Poi) لمخرجه جيانفرانكو لازوتي مع الممثلة الجديدة نوعا كرستيان كابوتندي في دور امرأة شابة وجميلة لكنها مقعدة تقبل على عاتقها كتابة رسالة غرامية كل يوم لصديق صديقتها روزاليا (نيكوليتا رومانوف) بناء على طلب الأخيرة. وكما في «سيرانو د برجيراك»، حيث يأخذ رجل على عاتقه تأليف أشعار غرامية عوضا عن العاشق ذاته فيجد نفسه في الحب، تجد كاتيا نفسها في هذه الورطة العاطفية، حيث عليها الآن درء حب الصديق لصاحبة تلك الرسائل حين يكتشف أن صديقته روزاليا لم تكتبها.

فيلم ثان، من إسبانيا هذه المرة، عنوانه «18 وجبة» للمخرج جورج شور مع بطولة لعدد كبير من الوجوه من بينها كريستينا بروندو وماريا فارزكواز ولويس توسار. الفيلم الذي باشر عروضه في إسبانيا في الحادي والثلاثين من شهر مارس (آذار) الماضي، يتناول ست قصص تحتوي على ثماني عشرة وجبة أريد لها أن تعكس شخصيات آكليها.

الفيلم الفرنسي «صغيرات» هو الأول للروائية ياسمينا رضا التي كان لها أيضا بعض الأعمال المسرحية. قصة أعجبت نقادا فرنسيين عدة، تدور حول المرأة الوحيدة التي ترعى ثلاث فتيات صغيرات، وما يحدث حين تتولى تقديم رجل تتعرف إليه وتعجب به وتخطط للزواج به إلى بناتها.

من تركيا هناك فيلم بعنوان «فافيان» (وله اسم بالإنجليزية هو «تغيير مزدوج») لأخوين جديدين في المهنة هما يقمر ودورول طايلان، والفيلم خرج قبل أيام على أسطوانات في تركيا، لكنه يشهد عرضه المهرجاناتي الأول خارج تركيا (عرض في مهرجان إسطنبول حيث حصد جوائز). إنه كوميديا سوداء حول رجل متزوج منذ خمس عشرة سنة لكنه لا يحب زوجته. لديهما صبي أصبح شابا وحياة روتينية إلى أن يكتشف الزوج أن والد زوجته داوم إرسال المال إليها خشية أن يطلقها الزوج ذات يوم. يحاول الزوج السطو على مدخرات زوجته وفي أحد المشاهد يدفعها لكي تقع من فوق صخرة في تلك البلدة الصغيرة المطلة على البحر الأسود لكنها تفاجئه بأنها لم تمت وبإصرارها على استرداد مالها.

أما الفيلم السابع، فهو عمل مشترك بين عدد من الدول البلقانية: بوسنيا، كروايتا، ماسادونيا، صربيا وسلوفينيا ويحمل عنوان «بعض القصص الأخرى» لخمس مخرجات هن: إيفونا جوكا، وآنا ماريا روسي، وإينس تانوفيتش، وماريا دزدجيفا، وهانا سلاك. كل واحدة منهن تقف وراء الكاميرا للمرة الأولى باستثناء السلوفينية هانا سلاك التي تحقق ثاني فيلم لها. كل فيلم من هذه المجموعة يحمل اسم دولته عنوانا له. وكعادة مثل هذه الإنجازات، فإن المستوى الفني يتفاوت من فيلم إلى آخر مع تقدم الفيلمين البوسني والصربي على ما عداهما. الأول عبر موضوعه والعمل على أبعاده المتعلقة بنتائج الحرب الأهلية (هجرة عائلة من قرية مهددة) والثاني على صعيد حرفته التقنية النافذة.

* العراق والإمارات

* خارج منطقة البحر المتوسط، هناك سبعة أفلام أخرى آتية من الدنمارك وألمانيا والإمارات العربية المتحدة وهونغ كونغ والبرازيل وجمهورية التشيك مع فيلم مقدم كإنتاج عراقي/إيراني مشترك، مما ُثير التباسا في مكانه. فالفيلم وعنوانه «ضربة البداية»، تم تصويره في الإقليم الكردي من العراق من إخراج شاب كردي اسمه شوكت أمين كوركي، وعرضه مهرجان دبي في العام الفائت في مسابقة «المهر العربي» مع العلم أن سكان الإقليم المذكور لا يعتبرون أنفسهم عربا، كما أن الحوار في جزء كبير منه كرديا. إلى ذلك، فإن الفيلم تم تقديمه على شاشة مهرجان دبي كفيلم ياباني عراقي وليس كفيلم إيراني/عراقي وهو التقديم الأصح، ذلك لأن الشركتين اللتين قامتا بهذا المشروع هما: واحدة عراقية باسم «نارين»، وواحدة يابانية باسم «سمول توك»، وهي الهوية التي حملها الفيلم أيضا حين تم عرضه في مهرجان «بوسان» في كوريا الجنوبية، مما يوعز بأن هناك احتمالا أن تكون الصفة الإيرانية خطأ مطبعيا ورد في النشرة التي أصدرها مهرجان «تاورمينا» قبل أيام.

إنه فيلم آخر حول ما عاناه العراقيون تحت مظلة الحكم السابق، تدور معظم أحداثه في ملعب كرة قدم تم تحويله إلى مربض لنحو 300 عائلة عربية وكردية من اللاجئين الذين خسروا، لسبب أو آخر، منازلهم أو فروا منها. هناك شاب كردي اسمه أسو، يقرر أن الوقت والمكان مناسبين لإقامة مباراة رياضية بين فريقين: واحد كردي والآخر عربي، على أن تبقى بعيدة عن الحساسيات.. إذا ما أمكن.

أيضا من مهرجان دبي الأخير، يستعير «تاورمينا» الفيلم الإماراتي «الدائرة» لنواف الجناحي. هذا عمل أسهمت في تمويله محطة «إم بي سي» المعروفة، وحسنا فعلت: تنفيذ جيد فنيا وتقنيا لسيناريو يوازي التنفيذ إجادة حول عصابة تقرر سرقة رجل ثري. اللص الذي دخل المنزل يقع في قبضة صاحب البيت الذي يتفق معه على القيام بعملية ضد شريكه في الشركة نظرا لتهوره وخداعه. ما يحدث بعد ذلك خطوط متشابكة بينها ما كان بحاجة إلى بعض التفكير لاستخراج أبعاد أفضل للشخصيات المقدمة. لكن الجناحي في عمله هذا يبرهن عن ملكية فنية بالمعنى، أحسن تنفيذ الفيلم كما يُراد له أن يكون: دراما تشويقية ذات خطوط بوليسية.

الفيلم الدنماركي هو «المرأة التي حلمت برجل» لبر فلاي مع سونيا ريتشر في دور مصورة فوتوغرافية ناجحة وتشق طريقها بحماسة مهنية وثقة كبيرة إلى أن تتعرف على رجل وتبادله شعورا جارفا يميد بوضعها الذي كان بدا لها ثابتا. لا تبدو القصة جديدة لكن المحتمل أن أحد أسباب اختياره الإعجاب بالشغل على الشخصيات الذي أثار إعجاب النقاد الدنماركيين أيضا.

أما الفيلم الألماني في هذا القسم فبعنوان «صداقة»، ومع أن الملصق يصور بطل الفيلم يحتضن تمثال الحرية في نيويورك، إلا أن مقصده (وجزءا من الأحداث) هو سان فرانسيسكو، وذلك لكي يبحث عن والده الذي هرب من ألمانيا الشرقية (أيام الفصل) وانقطعت أخباره.

«الدخان يدخل عينيك» دراما برازيلية بطلتها امرأة في منتصف العمر تتعامل ولديها خياران: أن تحافظ على الموسيقار الذي تعرفت إليه أو تحافظ على تدخينها المتواصل للسجائر. بصرف النظر عما تختاره. يبدو الفيلم الذي أخرجته آنا مالييرت مثيرا للاهتمام ليس بسبب موضوعه فقط، بل بسبب طريقة إعداده.

الفيلم الأخير في المجموعة هو التشيكي «زهرة كاواساكي» للمخرج النشط يان هربيك، الذي سبق له أن حقق نحو أربعة عشر فيلما قبل انفصال جمهورية التشيك عن جمهورية سلوفاكيا ونحو ثلاثة أخرى منذ ذلك الحين، أشهرها فيلمه الكوميدي الداكن «متحدون نقع». الفيلم الجديد، الذي شوهد في قسم البانوراما في «برلين» الفائت، أكثر جدية في تعامله مع موضوع النظام السابق للجمهورية الموحدة. بطله مدرس معروف بأنه كان من بين القلة التي قالت: لا للنظام الشيوعي السابق، حين كان ذلك لا يزال حاكما. الآن هناك محطة تلفزيونية تريد صنع فيلم وثائقي عنه رغم اعتراضه، غير مدرك للضغينة التي يحملها زوج ابنته عليه، لكونه لا يزال يشعر بالانتماء إلى ذلك الحكم.

* نجوم يتحدثون

* ليس هناك من جوائز في هذا القسم: أولا لأن المهرجان انطلق بهوية بحر متوسطية ويريد الحفاظ على هذه الهوية، وثانيا لأنه في حين استطاع جمع عدد من الأفلام التي لم يسبق لها أن عرضت عالميا من قبل، في نطاق مسابقة البحر المتوسط، فإنه يدرك أنه لا يستطيع ضمان مثل هذه العروض الدولية الأولى في المسابقة الثانية. رغم ذلك، هي مسابقة لأن فيها جائزة رئيسية واحدة يصوت عليها الجمهور بنفسه.

أما مسابقة أفلام البحر المتوسط فيرأسها دييتر كوزليك، رئيس مهرجان برلين السينمائي، ويشترك في عضويتها الناقد الزميل سمير فريد والمخرجة الإسبانية إيزابل كواشيت والممثلة البرازيلية أليس براغا والممثل الإيطالي أرنيكو لو فرزو.

فيلم الافتتاح، كما تخبرني رئيسة المهرجان هو «توي ستوري 3»، وذلك في ذات يوم افتتاحه التجاري أميركيا وعالميا.

إلى ذلك، فإن عددا من كبار السينمائيين سيصلون لكي يتحدث كل إلى جمهور المهرجان عن سينماه.

في اليوم الثاني من المهرجان، يحل ضيفا روبرت دي نيرو، وفي اليوم الثالث طاولة مستديرة مع فكتوريا أبريل وايزايل كواكشيت بين سينمائيين إسبان آخرين. المخرج الإيطالي ماركو بيلوكيو يحل ضيفا في المساء في اليوم ذاته، يليه المخرج الصربي إمير كوستاريتزا في الخامس عشر من الشهر وفي السابع عشر منه مخرج أفلام الرعب الإيطالي داريو أرجنتو، وفي اليوم الأخير يصل المنتج فرانشيسكو ألياتا (89 سنة) للحديث عن مهنة شهدت أفلاما جماهيرية ناجحة في الخمسينات وبعض الستينات.