«أحمد مكي» يضحك علينا ولا يضحكنا

في «لا تراجع ولا استسلام»

TT

قبل أن نصل إلى خط النهاية للموسم الصيفي السينمائي لحق بأسابيعه الأخيرة آخر عنقود نجوم الكوميديا في السينما المصرية، أحمد مكي، بفيلمه «لا تراجع ولا استسلام القبضة الدامية». الفيلم يقع في إطار نوع سينمائي هو «البارودي» Parody أي السخرية والتهكم من أعمال فنية سابقة، حيث نرى العديد من المعالجات الإبداعية التي تقدم وجها آخر ساخرا - في الغالب - من أعمال سابقة، في كل المجالات موسيقى أو دراما، ومن الممكن أن تعثر على بعض تنويعات لهذا اللون في فيلم مثل «شارع الحب» عندما أراد المخرج «عز الدين ذو الفقار» أن يسخر من مشهد شهير للمخرج «صلاح أبو سيف» في «الوسادة الخالية» عندما كانت «لبنى عبد العزيز» تتحدث في التليفون مع «عبد الحليم حافظ» وهي نائمة على السرير وتحرك قدميها لأعلى.. جاء المشهد في «شارع الحب» عبارة عن «وسادة» مكتوب عليها «الوسادة الخالية» بينما «زينات صدقي» تتحدث أيضا في التليفون مع «عبد السلام النابلسي» حبيبها الذي يضن عليها بالحب.. مشهد في الفيلم أراد به قبل نحو 55 عاما «عز الدين ذو الفقار» أن نضحك من خلاله على مشهد كان في الأصل مغرقا في رومانسيته.. كثير من أفلامنا الكوميدية تتخللها مشاهد على هذا النحو من أفلام مثل «شيء من الخوف»، «رد قلبي»، «بين الأطلال»، وخاصة «شيء من الخوف» إخراج «حسين كمال» عندما توجه أهالي القرية وهم يحملون المشاعل إلى بيت «عتريس» محمود مرسي مرددين «جواز عتريس من فؤادة باطل» حيث شاهدنا هذا المشهد في أكثر من فيلم كوميدي.. إنه وجه آخر للعمل الفني، ومثلا اخترعت إيطاليا للسخرية من أفلام «الويسترن» الأميركية أفلاما ساخرة أطلقوا عليها «اسباجتي ويسترن» تتهكم على تلك القدرات الخارقة للكاوبوي الأميركي.. المخرج «داود عبد السيد» كان لديه مشروع لتقديم رؤية ساخرة تهكمية لفيلم «صلاح أبو سيف» الشهير «شباب امرأة» وكتب «داود» السيناريو ولكن تعثر المشروع إنتاجيا.. تستطيع أن ترى فيلم «إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة» الذي أخرجه «حمادة عبد الوهاب» عام 56 بعد عام واحد من تقديم «ريا وسكينة» لصلاح أبو سيف وهو يحمل وجهة نظر ساخرة، حيث استعان المخرج أيضا بنفس أبطال «ريا وسكينة» نجمة إبراهيم وزوزو حمدي الحكيم.

من الممكن أن تجد في فيلم «أحمد مكي» بعض ومضات مما ذكرت، فلقد تعود «أحمد مكي» أن يلتقي مع جمهور الصيف للعام الثالث على التوالي. قدم فيلمه الأول كبطل 2008 «إتش دبور» ثم الثاني 2009 «طير أنت».. الحقيقة أن «أحمد مكي» جاء بمفردات كوميدية طازجة حققت مع الجمهور قدرا لا ينكر من التوحد تستطيع أن تجده في تلك الأرقام التي وصلت إليها أفلامه في العامين الأخيرين. «مكي» في غضون سنوات قليلة بات هو والجمهور على موجة واحدة بعد أن شاهدوه بباروكته الشهيرة في ست كوم «تامر وشوقية» وذلك قبل 4 سنوات، ثم التقطه «عادل إمام» وقدمه في فيلم «مرجان أحمد مرجان» في دور طالب «روش» وبعد ذلك قدم دورا صغيرا ولكنه مميز في فيلم «ليلة البيبي دول» وهو دور السائق، ومن بعدها صار بطلا داخل دائرة نجوم أعلى الإيرادات وأصبح صاحب مشروع سينمائي، أي إن إرادته واضحة في اختيار الفيلم والمخرج والأبطال. وهكذا يتجدد لقاؤه مع نفس المخرج «أحمد الجندي» لثالث مرة بينما يلتقي للمرة الثانية مع «ماجد الكدواني» و«دنيا سمير غانم» بعد اللقاء الأول في فيلم «طير أنت».

تخفت في تلك الأفلام لدى المخرج الجديد «أحمد الجندي» روح الإضافة الكوميدية خارج نطاق أداء الممثل، وأعني بها تكوين الكادر واستخدام عناصر الموسيقى والإضاءة، تلك التفاصيل تبدو وكأنها أسلحة المخرج لا تزال في غمدها، بينما يشهر فقط سلاحا واحدا هو إمكانيات بطل الفيلم وقدرته على التواصل مع الجمهور. «مكي» هذه المرة أراد أن يقدم رؤية ساخرة لأفلام الأكشن وللبطل «فان دام» فقدم فيلمه «لا تراجع ولا استسلام القبضة الدامية» متخذا نفس العنوان الذي عرض قبل نحو 25 عاما، هو بالطبع لا يسخر من فيلم محدد لكنه يتناول القوة المفرطة للبطل الشعبي الجماهيري كما شاهدناها في عشرات بل مئات من الأفلام الأجنبية والعربية، إلا أنه لم يخلص تماما للفكرة التي شارك في كتابتها مع المخرج «أحمد الجندي»، بينما السيناريو لشريف نجيب في أول تجربة له. لم يستطع كاتب السيناريو أيضا أن يبتعد كثيرا عما هو شائع ولم ينجح في أن يعقد بينه وبين المتفرج هذا القانون القائم عليه الفيلم وهو أننا نتهكم على تلك النوعية، حيث إن الفكرة الدرامية قائمة على أن الدولة تزرع شخصا داخل العصابة التي يقودها «عزت أبو عوف» الذي يتاجر في المخدرات ويقتل ذراعه اليمنى «أحمد مكي» أثناء إتمام إحدى الصفقات، فتقرر الدولة البحث عن شبيه له ويقع اختيارهم على الشاب الضائع الذي يتوافق معه في الملامح الذي يؤدي دوره «أحمد مكي». في مثل هذه الأعمال الدرامية يسقط قانون الحتمية الدرامية، الناس تتعامل ببساطة مع الدوافع الدرامية على شرط أن تصل إليهم دائما فكرة السخرية، أي إننا لا نحاسب العمل الدرامي بمنطق الدراما لكن بقانون العمل الفني الذي يقفز عامدا متعمدا على كل تلك القواعد، وكنا قد شاهدنا «مكي» في بداية أحداث الفيلم وهو يحاول الهرب خارج الحدود ليعمل في اليونان لا يدري ماذا يفعل عندما يلقي به صاحب مركب على شاطئ «بلطيم» في مصر، على اعتبار أن هذه هي «اليونان»، كانت هذه هي الخديعة الأولى التي تعرض لها البطل.. تستعين الدولة بخبير تجميل من النمسا لإجراء عملية جراحية لأحد الأشخاص ليقترب في ملامحه من الشخص المطلوب، ويأتي عثورهم عليه عن طريق الصدفة عندما يشاهده طبيب التجميل في حوار تلفزيوني مع «معتز الدمرداش» في برنامجه الشهير «90 دقيقة».. وهكذا يجدون فيه المواصفات المطلوبة، وبعدها يبدأ في التعرف على تفاصيل الصفقات التي يجريها «أبو عوف»، وتجد وزارة الداخلية من خلال ضابط أمن الدولة «ماجد الكدواني» حلقة الوصل بينهما فرصة لكشف كل ما تفعله تلك العصابة.. الفيلم لأن خياله محدود لا يتجاوز ما هو شائع. بطل يتعامل مع الفيلم على البعد الأول لا باعتباره يسخر من هذا القالب الشائع ولكن كأنه يقدم نوعا رديئا منه ولهذا لم يستطع الجمهور أن يحقق تلك المتعة المفترضة مع هذا النوع من الأفلام، حيث إنه يخلو تماما منها. فبدلا من أن يسخر من تلك الأفلام صار الجمهور يسخر من الفيلم ومن النجم الذي كان من المفترض أن يضحكهم لا أن يضحك عليهم.. كل العناصر الفنية أسهمت في هذا التراجع الفني لأنه كان ينبغي أن يلعبوا بنفس المفردات؛ تصوير «أحمد جبر»، ديكور «علي حسام» موسيقى «عمرو إسماعيل» مونتاج «وائل فرج».. المفروض أن كل هذه العناصر تسهم بقدر وافر في هذه الرؤية وحتى إنه مثلا عندما يقدم «غسان مطر» باعتباره شريرا في الأفلام فهو يسعى للسخرية من الشرير السينمائي، لكن الناس لم تشعر أبدا بأن هناك رؤية ما تشغل بال المخرج «أحمد الجندي».. حتى اختيارهم لغسان مطر لا يحمل أي معنى مباشر لدى الجمهور لأن غسان لم يحقق لدى المشاهدين هذه الحالة ليصبح مجرد ظهوره عنوانا للشر.. وهكذا يبدو المخرج في ثالث تجربة درامية لم يحدد هذا الخط الفاصل الذي عليه أن يداعب به جمهوره ولهذا انحرف بالسيناريو ولم يضبط موجة أداء ممثليه.. شهد هذا الفيلم بالفعل تراجعا لأحمد مكي عن الموقع الذي وصل إليه مع الناس في فيلميه السابقين كبطل.. أيضا «دنيا سمير غانم» حققت، لا شك، قفزة في دورها في فيلم «طير أنت» كبطلة موازية لأحمد مكي، حيث سمح لها الفيلم بأن تقدم هي أيضا تنويعات وعددا من الشخصيات.. هذه المرة الدور لم يمنحها أي مساحات إبداع في الأداء، صحيح أن «مكي» لا يهمش من يقف بجواره، لكن الفيلم لم يسمح بأكثر من ذلك فكانت تبدو وكأنها فنيا هي التي تراجعت واستسلمت.. «ماجد الكدواني» و«دلال عبد العزيز» التي لعبت دور أم «أحمد مكي» السيناريو لم يضع أيا منهما في دور يحمل أي خصوصية أو رسم ملامح تدفعهما للإبداع على مستوى الشخصية الدرامية.. يبقى أن «أحمد مكي» أراه نجما كوميديا لديه ذكاء وأتصوره بهذا الذكاء قادرا على أن يقفز فوق فيلمه «لا تراجع ولا استسلام».. ربما ساعتها يدرك الفارق بين أن تضحك الجمهور وأن تضحك عليه!! [email protected]