أستوحي من الثلاثينات والستينات

حديث بن أفلك عن فيلمه «البلدة»:

بن أفلك وراء الكاميرا
TT

* هناك حس من سينما الستينات والسبعينات البوليسية. كيف قصدت ذلك؟

- كان في بالي قصص العصابات في الثلاثينات والأربعينات في الحقيقة. أفلام همفري بوغارت وجيمس كاغني، لكن طريقة صنع هذه الأفلام متصلة بالفترة ذاتها ولا جدوى من تقليدها في الأسلوب أو في المعالجة السردية. ما تستطيع أن تفعله هو استخلاص نماذجها واستخدامها على النحو الذي يرضيك. هذا يبدو كما لو أني أقصد القول إنها السينما القديمة التي استهوتني واستوحيت منها فقط، لكن شاهدت بالطبع سينما الستينات وأردت في الواقع أن أقدم ما يماثلها.

* ماذا عما استوحيته من أفلام الثلاثينات؟ هل لذلك علاقة بالشخصيات التي قدمتها مثلا؟

- نعم، علاقة كبيرة. معظم أفلام العصابات حينها كانت تنتهي بالرسالة الأخلاقية التي مفادها أن الجريمة لا تفيد وتقضي على بطل الفيلم الذي خرج على القانون بالقتل. وبصراحة عمدت في السيناريو الأول إلى هذا الحل. أنا أموت في نهاية الفيلم حسب تلك النهاية، لكني رغبت في حمل رسالة تلك الشخصيات إلى حد. تقديم أخلاقياتها وما نشأت عليه وصراعاتها العاطفية التي تجذبها إلى الخير لولا أنها سارت سلفا في درب الشر ولا تستطيع التغيير مهما كانت الدوافع.

* هناك ميزة مهمة في إبقاء شخصيتك حية، كما أرى، وهي أنه ببقائه حيا يستطيع أن يتطلع إلى ما حدث كتجربة قد تغير من منهج حياته؟

- هذا صحيح. موته، كما فكرت سوف لن يخلق ما يكفي من علاقة بينه وبين المشاهد. سيحول الفيلم إلى جريمة وعقاب. لقد دفع من معه ثمن الجريمة ونراه يحاول التحول عن حياة الجريمة، لكنه مضطر للدفاع عمن يحب. هناك بداية جديدة تنتظره كما تقول.

* على أي أساس تختار ممثليك؟

- جون هام الذي لعب دور التحري كان أول من اخترتهم. أردته في تقديم شخصية التحري الذي يشعر بنفسه ويتصرف على أساس أنه بطل في فيلم أو حلقة تلفزيونية. جيمس رنر أعرفه من قبل مشاهدته في «خزنة الألم» ورأيي فيه أنه من أفضل الممثلين ويعطي الانطباع الذي يتطلبه أي دور يقوم به. ربيكا هول شاهدتها على المسرح واخترتها لأنها تصلح لقيادة عمل والبقاء في إطار الفتاة الطبيعية تماما.

* هل حقيقة أنك ممثل يؤثر على كيفية إدارتك للممثلين؟ ربما يفيد ذلك الممثل الآخر؟

- لا أدري إذا كان هناك من تأثير. خلال التصوير كنا مجموعة متجانسة على عكس شخصياتنا في الفيلم. هناك جو من الثقة والتفاهم.

* البعض (جيمس رنر) قال لي إنك كنت مرتاحا تماما وفي سلام مع نفسك.

- هذا جيد. ليس لدي أي مانع في أن أكون كذلك (يضحك). لكن المهم هو ذلك التفاهم المسبق والمصاحب للعمل.

* هذا ثاني أفلامك كمخرج. كيف ترى تقدمك في هذا المضمار إلى الآن؟

- ما زلت في طور التعلم وآمل أن أرتقي وأتقدم. إذا أعتقد الجمهور والنقاد أن فيلمي هذا أفضل من فيلمي السابق فهذا يعني الكثير لي.

* حسنا، إذن هو أفضل من فيلمك السابق Gone Baby Gone من حيث إنه كان يشكل رقعة محدودة بالقياس بهذا الفيلم. أرى هذا الفيلم أكثر تعقيدا؟

- في الحقيقة نعم، وهذا مقصود. لقد حاولت البدء بفيلم لا يتطلب الكثير من الجهد والتركيب المؤلف من تجانس العناصر الفنية المتعددة على عكس هذا الفيلم. هنا وجدت نفسي أمام حجم أكبر ومسؤولية أعلى وفيلم يفرض الانتقال بين مختلف جوانبه لخلق الـ«اللوك» الخاص به. أتمنى لو أن مشاهد الأكشن كانت أقل. لقد رغبت فيه فيلما دراسيا عن الشخصيات.

* ما الذي منعك؟

- المتطلبات التجارية بالطبع، لا تستطيع القفز فوقها. تستطيع ربما اصطحابها معك، لكن لا تستطيع أن تتجاهلها.

* هل صحيح أن إخراج الممثل لنفسه في فيلم ما أمر صعب؟

- لا أعتقد. حين لا تكون في الصورة فإن اهتمامك ينحصر في الممثل الآخر. حين تكون في الصورة لا يزال اهتمامك منحصرا في التمثيل. تمثيلك وتمثيله أما ما وراء الكاميرا فقد أنجزته قبل كلمة أكشن. حددت الكاميرا وعاينت حجم اللقطة وكنت تحدثت مع الفريق كله عما تريده.

* ما هي سياستك حيال عمل الممثل؟

- أترك للمثل حرية التصرف، وأستطيع أن أفهم أنه في بعض الأحيان يريد توجيها وأنه غير واثق مما نفذه في مشهد ما. أخبره بأنني سأصور اللقطة ذاتها مرات ومرات، وهذا يريحه ويعطيني فرصة الانتقاء. أصور اللقطة عشر مرات مثلا، لأنه كما تعلم شغل المخرج المهم الآخر هو في المونتاج. هناك أضع الفيلم في أولوياته ويأخذ الشكل المحدد الذي سيصل إلى الناس.