الورثة غاضبون.. ومسلسلات السيرة الذاتية مستمرة

الاتفاق على الجزء الثاني من «الجماعة»

TT

كما كان متوقعا لم تستطع كل الدعاوى القضائية التي أقامها «محمد سيف الإسلام» إيقاف عرض مسلسل «الجماعة» الذي يتناول في جانب منه حياة والده «حسن البنا» مرشد الإخوان ومؤسس الجماعة الأول. القضية التي شهدتها المحاكم من أجل إيقاف عرض المسلسل تأجلت إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) القادم، أي أنها تتيح لصناع المسلسل عرضه مرة أخرى قبل أن يقول القضاء كلمته النهائية.

صناع المسلسل الكاتب «وحيد حامد» والمخرج «محمد ياسين» لن يكتفيا بالجزء الأول، بل تعاقدا مع الأبطال على تقديم جزء ثان ليعرض في شهر رمضان القادم، ومن المنتظر أن يبدأ التصوير مبكرا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) حتى لا تضيق المساحة الزمنية أمام المخرج مثلما حدث في الجزء الأول فيضطر لحذف بعض مشاهد ليلحق بموعد العرض. سوف يبدأ التصوير وأمام الجميع متسع من الوقت، ولن يكتفي «وحيد حامد» بجزء ثان، فهناك أيضا كما أكد الكاتب جزء ثالث في الطريق!! استند ابن «حسن البنا» في دعواه التي شهدتها المحكمة إلى وقائع يراها هو متجاوزة للحقيقة، منها تقبيل أعضاء الجماعة يد أبيه، وقدم مستندات تؤكد أن والده كان يرفض تماما تلك الممارسات سواء كانت معه أم مع الآخرين، فهو يعتبرها تحمل تجاوزا دينيا واجتماعيا.. كما أن مشهد استعطاف «حسن البنا» لرئيس الديوان الملكي لكي يوقف قرار حل جماعة الإخوان كان أيضا مبالغا فيه في تقديم شخصية «البنا» كانتهازي مستعد أن يغير جلده في كل لحظة.

انقسم الشارع في مصر والعالم العربي حول المسلسل، وبالتأكيد كل المؤشرات تؤكد على أن هناك مكاسب حققتها جماعة الإخوان المسلمين، وهي تشكل نقاطا إيجابية لصالح الجماعة لم تكن أبدا في ذهن الدولة عندما سمحت بتقديم هذا المسلسل، وعلى الرغم من أنه إنتاج خاص لشركة «الباتروس»، فإن الجميع يعلم أن الدولة اعتبرته مسلسلها الأهم وهكذا أفردت له مساحة متميزة على شاشتها، وتم شراء حق العرض بأرقام تتجاوز سقف الأجور المتعارف عليه، حيث وصل المقابل إلى 4 ملايين دولار.

كما أن اشتراك أكثر من نجم كضيف شرف مثل «منة شلبي»، «كريم عبد العزيز»، «أحمد حلمي»، بالإضافة إلى المساعدة التي قدمها عدد من المخرجين لمخرج المسلسل «محمد ياسين» من أجل إنجاز المسلسل في توقيت العرض الرمضاني، كل هذه مؤشرات ودلائل تؤكد على أن الدولة لم تكن أبدا بعيدة عن هذا المسلسل وموقفها المعارض للجماعة يستتبع في الوقت نفسه الترحيب بإنتاج المسلسل رغم غضب الإخوان ضد الكثير من أحداث المسلسل وإعلانهم عن تقديم مسلسل آخر لتقديم الوجه الآخر لحسن البنا.

النقطة الإيجابية التي استفادت منها «الجماعة» هي أن الناس لأول مرة تعرفوا على فكر «حسن البنا»، حتى لو شاب ذلك الفكر كما قدمته المعالجة التلفزيونية قدر من التشويش، ولأن لدى الناس إحساسا مسبقا بأن الدولة من المؤكد تكره الإخوان ولهذا سوف تشوه توجهاتهم وأفكارهم فإن هذا أدى إلى أن هناك قدرا من التعاطف أعلن عن نفسه. كما أن «وحيد حامد» لم يستطع أن يغفل بعض الجوانب الإيجابية في شخصية «البنا» حتى لا يتهم بتشويهها كاملا فكان يقدم في الشخصية جانبا إيجابيا يعقبه جانب سلبي، وأدى هذا رغما عن وجهة النظر الرسمية إلى حدوث قدر من التعاطف مع «حسن البنا» باعتباره رجلا كان يرفع راية الإسلام في العالم كله.

الجانب الإيجابي الآخر الذي لم ينتبه إليه الإعلام الرسمي هو أن جماعة الإخوان كان التلفزيون والصحف القومية يصفانها بالمحظورة، لكن لم يعد هذا التعبير جائزا الآن، فكيف تعتبر محظورة والتلفزيون لا يكف عن وصفها بالجماعة؟! أهم ما طرحه هذا العمل بعيدا عن أفكار مسلسل «الجماعة» هو إلى أي مدى يملك الورثة أوراقا مؤثرة في مصير الدراما خاصة أنه كما رأينا لم يتم إيقاف أي عمل فني أثناء عرضه.. إلا أن السؤال هو: هل الورثة هم فقط أصحاب الرأي الوحيد والصائب عن وريثهم؟

لو تتبعنا الأعمال الدرامية سينمائيا وتلفزيونيا سوف نكتشف أن الورثة لم يرضوا طوال التاريخ عما يقدم من أعمال فنية إلا فيما ندر.. مثلا فيلم «السادات» لاقى ترحيبا من أسرة الرئيس «السادات» لأن السيدة «جيهان السادات» كانت تتابع كل التفاصيل، بل كانت هي أحد المصادر الرئيسية في صناعة السيناريو، وسمحت لفريق العمل بالتصوير في الأماكن نفسها التي شهدت الأحداث في بيتها. أيضا فيلم «ناصر 56» وافقت عليه أسرة الرئيس «جمال عبد الناصر»، لكن الغضب هو دائما صاحب الصوت الأعلى، حتى في مسلسل «الملكة نازلي» ظهر حفيد لأحمد حسنين باشا الذي أدى دوره «كمال أبو رية» وكان زوجا للملكة «نازلي» قبل أن يرتبط بقصة حب طويلة مع «نازلي» أغضبت الملك.

قال حفيد «أحمد حسنين باشا» مدافعا عن جدته «لطفية» التي تركها «أحمد حسنين باشا» للزواج من «نازلي» إن جده كان يحب جدته أكثر، مصححا اسمها الحقيقي «لطفية» وليس «لطيفة» كما ذكر في المسلسل. المؤكد بالطبع أن المعلومة الثانية صحيحة تماما، ولكن اختلط الأمر على الكاتبة «راوية راشد» لأن اسم «لطفية» غير شائع.. أما مسألة أنه أحب جدته أكثر فهذا كما هو واضح نوع من الدفاع عن جدته التي أهانتها بالتأكيد «نازلي» عندما طلقها «أحمد حسنين باشا» بسببها!! أعادنا هذا الغضب المعلن من الورثة إلى ما سبق تكراره تقريبا في كل رمضان، حيث إننا نعيش المشكلة نفسها، ففي العام الماضي مثلا كان التلفزيون يقدم حياة اثنين من المشاهير «ليلى مراد» و«إسماعيل ياسين»، وشارك في كتابة مسلسل «إسماعيل ياسين» ابنه الراحل «ياسين إسماعيل ياسين»، واشترك في كتابته أيضا «أحمد الإبياري» ابن «أبو السعود الإبياري» صديق «إسماعيل ياسين».

وهكذا لم نسمع أي اعتراض خاصة أن «ياسين» الابن الوحيد لإسماعيل ياسين كان قد رحل قبل عرض المسلسل بأكثر من عام. بينما ورثة «ليلى مراد» أقاموا دعوى قضائية ظلت تتردد طوال أحداث المسلسل، مؤكدين أن هذه ليست «ليلى مراد»، وليس هذا هو جدهم «زكي مراد»، وهددوا هم أيضا بتقديم مسلسل يتناول حياة «ليلى مراد»، إلا أن ما حدث هو أننا لم نر شيئا، والدعوى القضائية انتهت إلى لا شيء، وأغلب الظن أن مشروع المسلسل كان مجرد تهديد لصناع مسلسل «ليلى مراد».

في رمضان الذي وافق عام 2008 كان الأمر أشد ضراوة بل ودموية، حيث إن ورثة «أسمهان» و«فريد الأطرش» في جبل «الدروز» بسورية هددوا بإراقة الدماء، ولم يكتفوا فقط بإقامة دعوى قضائية على صناع مسلسل «أسمهان»، فقد هددوا بالقصاص من صناعه والتهمة الجاهزة دائما هي أنهم يشوهون وريثهم، وقالوا إن كل ما ذكر من تفاصيل بالمسلسل عن سلوك «أسمهان» مأخوذ عن كتاب للكاتب الصحافي «محمد التابعي» لا يستند للحقيقة في شيء.

إلا أن ما حدث هو أن كل شيء انتهى، ولا يوجد أي أثر يذكر لتلك القضايا التي أقيمت في مصر وسورية ضد المسلسل، بل إن تهديداتهم المباشرة بالاغتيال لكل من «سلاف فواخرجي» و«عابد الفهد» و«فراس إبراهيم» أبطال المسلسل انتهت إلى مرحلة الصلح، وهو ما تكرر في رمضان أيضا في العام الذي قبله عندما تم تقديم مسلسلي «حليم» و«السندريللا»، وشاهدنا غضبا ودعاوى قضائية ومطالبة بتعويض مادي عن الحلقات، وبالفعل حصل الورثة على قرابة 200 ألف دولار من صناع مسلسل «السندريللا»، ثم انقلبوا عليهم وتعددت المشكلات التي يثيرها الورثة دائما ولم يسلم أي عمل فني منها حتى مسلسل «أم كلثوم» الذي عرض عام 2000 وحقق نجاحا جماهيريا ضخما ولا يزال، إلا أن ما حدث وقتها هو أن ورثة «أم كلثوم» أيضا طالبوا التلفزيون المصري بعدم عرض الحلقات ومنع تصدير المسلسل للعرض في أي دولة عربية.

حدث ذلك قبل بداية رمضان بأربع وعشرين ساعة، ولم يلتزم أحد بما أراده الورثة، ولم تمض سوى عشرة أيام فقط حتى فوجئ الجميع بهذا النجاح الطاغي الذي حققه المسلسل مع الناس في مصر والعالم العرب، وعلى الفور تحولت الدعوى القضائية إلى حفل سحور يوجه إلى صناع المسلسل الكاتب «محفوظ عبد الرحمن» والمخرجة «إنعام محمد علي» والأبطال «صابرين» و«أحمد بدير» و«كمال أبو رية»، وبالطبع هذه النهاية السعيدة ليست متوقعة مع أغلب المسلسلات التي نراها حاليا خاصة «الجماعة» الذي انتهى الجزء الأول منه بغضب عارم من الورثة وأيضا من أعضاء «الجماعة» وعدد من المتعاطفين معهم.

أتصور أن كل ذلك لن يسفر عن شيء سوى ترقب للجزء الثاني الذي يبدأ عند لحظة اغتيال «حسن البنا»، ويصل إلى ما يجري الآن، لتتجدد مرة أخرى في كل رمضان قضايا الورثة في المحاكم وكأنها طقس رمضاني مثل صوت مدفع الإفطار وطبلة المسحراتي!!