رشا شربتجي لـ «الشرق الأوسط» : الإخراج في مصر فرصة رغم الأجر الضعيف

المخرجة السورية تستعد لإخراج المسلسل المصري «رز الملائكة»

المخرجة رشا شربتجي أثناء تنفيذ أحد أعمالها الأخيرة
TT

على الرغم من رحلتها مع الفن والدراما وعالم الإخراج التلفزيوني القصيرة نسبيا مقارنة بزملائها المخرجين، فإن رشا شربتجي حققت وجودا مهمّا، ليس في خارطة الدراما السورية فحسب، بل في الدراما المصرية التي اقتحمتها بقوة ومن خلال إخراجها للكثير من المسلسلات ومع كبار نجوم الدراما المصريين، كما استطاعت تحقيق الكثير من الإنجازات والإضافات الهامة في الدراما السورية، خصوصا في الأعمال الاجتماعية المعاصرة والجريئة التي نالت عليها الكثير من الجوائز، وفي الموسم الحالي تابعها المشاهد العربي مخرجة لعملين هامين حملا عنصر المغامرة، وهما إعادة إخراج المسلسل الشامي «أسعد الوراق» الذي قدم في سبعينات القرن المنصرم بسبع حلقات، بينما قدمته رشا بثلاثين حلقة. والثاني «تخت شرقي» الذي حمل جرأة اعتبرها البعض تجاوزا للخطوط الاجتماعية الحمراء.

في دمشق التقت «الشرق الأوسط» المخرجة السورية رشا شربتجي، وكان الحوار التالي:

* ما الجديد إخراجا لديك للموسم القادم؟

- أقرأ حاليا عددا من النصوص ولم أتخذ القرار النهائي حولها بعد، حيث أبحث بينها عما هو جديد لي ويحقق إضافات لتجربتي الإخراجية، وهذه النصوص سورية وخليجية، ولدي عمل مصري يحمل عنوان «رز الملائكة» لأسامة أنور عكاشة، وهو مؤجل للموسم القادم حتى ينتهي من إكمال كتابته مرسي صبري.

* أخرجت في الموسم الحالي عملين متناقضين، وهما «أسعد الوراق» من البيئة الشامية و«تخت شرقي» من الواقع المعاصر، كيف استطعت التوفيق بينهما؟

- أخرجت «تخت شرقي» بعد انتهائي من «أسعد الوراق»، ووافقت عليه للموسم الحالي رغم أنه كان معدا قبل «أسعد الوراق»، كونهما من نمطين مختلفين، ومن خلالهما حققت نوعا من المتعة بحيث لا أخرج عملين من نفس النمط الدرامي، فـ«أسعد الوراق» يتضمن عبق التاريخي والحس الروائي، بينما «تخت شرقي» مغرق في الواقعية، ولذلك كانا مختلفين وجريئين بنفس الوقت.

* الجرأة واضحة في طروحات «تخت شرقي» ومقولته، ولكن أين الجرأة في «أسعد الوراق»؟

- الجرأة هنا هي إعادة إخراج عمل مقدم سابقا، وفكرة الرواية التي حملت عنوان «الله والفقر» وما تتضمنه من استسلام للظلم وأن الشخص البسيط والصادق والنقي الذي لا يحمل ضغينة نحو أحد في هذه المجتمعات، هل يجب أن ينتهي مثل هذه النهاية؟ والعمل يستند إلى رواية، أخذ منها سباعية، وحاليا 30 حلقة، تتضمن نصوصا وشخوصا جديدة. وكان «أسعد الوراق» ضمن هذه الشخصيات، حيث حمل العمل اسمه، ولكن في نفس الوقت يحيط به مجموعة من النجوم والخطوط القوية، التي تتضمن مضمونا وحكاية.

* ألم يشكل إعادة إخراج عمل ما زال موجودا في الذاكرة تحديا لك؟

- بلى، شكل تحديا كبيرا، ولكن تميز العمل جعله يحقق مشاهدة كبيرة، والأسباب تنطلق من النص المميز بجديته وابتعاده عن السباعية والحبكة المختلفة، وقد كسبنا نوعين من المشاهدين، وهما أولئك الناس الذين شاهدوا أسعد الوراق بالعمل التلفزيوني القديم فصار لديهم شغف أنه كيف سيقدم من جديد والجيل الشاب الذي لم يشاهد العمل القديم ولم تتوفر لهم مشاهدة النسخة القديمة، فصار لديهم توق لمشاهدته بنسخته الجديدة من خلال أحاديث الآباء والأجداد عنه، وهناك أيضا الورقة الرابحة (تيم حسن) والفنيون المميزون مع الإنتاج المريح الذي استطاع تقديم صورة راقية لعمل يحافظ على سمعة النسخة القديمة ولا يسيء لها.

* هناك موجة قادمة على غرار «أسعد الوراق»، وهي عودة تقديم المسلسلات القديمة من جديد، ومنها «دليلة والزيبق». ما المؤشرات والأسباب برأيك؟

- برأيي أن بعض الأعمال التي ظلت في الذاكرة تستحق أن لا تغيب مع تطور التقنيات التلفزيونية بحيث يمكن إعادة إحيائها بنسخة جديدة، ولكن بشرط أن لا تسيء للقديمة.

* من المعروف وجودك الدائم سنويا في عمل مصري، لماذا لم نشاهد عملا مصريا لك في الموسم الماضي؟

- سرقني «تخت شرقي»! فلو كنت سافرت إلى مصر لذهب مني «تخت شرقي» وكنت سأنزعج كثيرا.

* هل تتوقعين لـ«تخت شرقي» أن يحصد الجوائز كما حصل مع «زمن العار»؟

- الجوائز بالنسبة لي أتلقاها مثل طفل صغير تبسطه الجائزة، ولكن جائزتي الكبيرة هي الاحتفاء بهذا العمل من الكثيرين، وليس شرطا أن تحصل أعمالي في كل عام على الجوائز، فمن حق الجميع الحصول عليها، وجائزتي في النهاية هي تلك الجمل التي يرددها بعض الناس في الشوارع من «تخت شرقي» حيث حفظوها عن ظهر قلب.

* كيف لاحظت الفروقات في التعامل مع الفنانين والكادر الفني المصري والسوري في عملك الإخراجي مع الجهتين؟

- لم أشعر بأي فروق لأن الممثل هو إنسان له أحاسيس، ونحن شعبان متقاربان بالطباع والأخلاق ولا توجد فروقات سوى باللهجة، ولذلك كنت مرتاحة مع الجهتين، خصوصا أن تجربتي كانت مع فنانين يعملون بكاميرا وحيدة مثل جمال سليمان ويحيى الفخراني ومعالي زايد ودلال عبد العزيز، وهم مجموعة من النجوم وأبطال السينما، فلم يكن غريبا عليهم الكاميرا الواحدة، ولذلك كانت تقاليد وحب العمل واحدة، ولكن لاحظت في مصر أن لدى الفنانين مقدرة على أن تكون أيام التصوير أطول حيث لا توجد مشكلة في عدد ساعات التصوير بسبب ارتفاع التسويق لأعمالهم.

* ولكن هناك فرق معروف، وهو أن الدراما المصرية تعتمد النجم والبطل الواحد.

- هذا كان حتى قبل سنتين، ولكن لاحظ الأعمال التي قدمت حاليا مثل «أهل كايرو» و«الجماعة» و«العار»، وأنا لست ضد عمل النجم الواحد ولكن بشرط أن يكون موظفا بشكل صحيح وأن لا يكون القصد هنا أن يحمل النجم العمل وتوزيعه فقط. خذ «أسعد الوراق» مثلا هو شخص واحد، ولكنه موظف بشكل صحيح ويحيط به مجموعة من الأشخاص والنجوم الذين لا يقلون أهمية عن تيم حسن، وجميعهم لهم مكانتهم ودورهم.

* ماذا أضاف الإخراج في مصر لتجربتك الفنية، خصوصا مع رأي البعض من زملائك أن العمل والإخراج هناك ليس فرصة للممثل والمخرج السوري؟

- أنا أعتبرها فرصة لي ولعدة أسباب، وهي: الأول معنوي يتعلق بوالدتي المصرية المهندسة منيرة ثابت زاده، التي كانت مديرة استوديو مصر ورئيسة قسم الديكور. إنها في حياتها ومع جيرانها تشير إلي بافتخار أن هذه المخرجة هي ابنتي، خصوصا أنني في طفولتي لعبت فيه وركبت البسكليت بين أروقته، فمن الجميل أن أعود إليه مخرجة، فسرورها كبير عندما يقول لها عمال الاستوديو إن ابنتك صارت مخرجة، وهذا أكبر شيء معنوي أقدمه لأمي. والسبب الثاني أن مصر تحقق انتشارا، حيث يوجد 70 مليون متفرج. والسبب الثالث أنها فرصة لي لأتعامل مع نجمين هامين وهما جمال سليمان، حيث لم تتح لي الفرصة للتعامل معه في سورية، والرائع يحيى الفخراني حيث استفدت بكل لحظة عملت فيها معه.

* لم نشاهدك مخرجة لأعمال البيئة الشامية، لماذا؟

- «أسعد الوراق» قريب من البيئة الشامية، ولكن تعاملت معه كدراما اجتماعية تدور أحداثها في أوائل القرن المنصرم وببيئة فقيرة، أما البيئة الشامية بمعناها التي قدمت به فلدي مجموعة من النصوص أقرؤها حاليا ولم أوافق عليها بعد حتى أجد فيها شيئا مختلفا عما قدّم ويهزّني النص، فستجدني مخرجة لعمل بيئي شامي.

* البعض يقول إن للبيئة الشامية مدرسة إخراجية خاصة بها.

- قد يقصد هنا المخرج بسام الملا. إنه مدرسة في هذا المجال، وهو بالفعل يستخدم تكثيفا للحظة معينة، وهو شبيه بالدراما الأميركية من حيث معرفتهم لتقديم لحظة الشجن والفخر، والملا لديه بالفطرة وبالثقافة ومع الأيام إمكانية تكثيف اللحظة والوصول للحظة النشوة بالمشاهدة، وهذه موهبة من الله تعالى ولكن ليس فقط بالبيئة الشامية، بل أتوقع منه أنه في أي من أنواع الدراما يستطيع إيصال هذه اللحظة.

* ما مبادئ قبول أو رفض النص لديك لإخراجه؟

- أن يقدم المتعة وأن يتوافق مضمونه مع أفكاري ويتضمن إلى حد ما جزءا من طرح جديد ويحترم المشاهد.

* هل تشاهدين الأعمال المدبلجة وما يقال عن تأثيرها على الدراما السورية؟

- هي بالفعل أثرت على مساحة بث الأعمال السورية، فنحن نشاهد على قنوات فضائية، ودون ذكر أسمائها، ثلاثة أو أربع أعمال مدبلجة تعرض في نفس اليوم ودون حتى فواصل بينها، ولكن من ملاحظتي الشخصية فقبل سنتين كنت أستمتع ببعض المشاهد حيث قدمت بحرفية عالية في الدبلجة، بينما حاليا ألاحظ تراجعا حتى بمستوى الدبلجة.

* يتهم البعض من الممثلين المخرجين والمنتجين السوريين بأنهم أعادوا مفهوم الشللية إلى الدراما السورية.

- أنا مع الشللية ولكن ليس بمفهومها الضيق، بل مع الشلة الفنية التي تعمل معها منذ سنوات حيث كمخرج يكون قد وفّر وقتا طويلا حتى يفهمه هذا الكادر ويعرف أحاسيسه، فمن نظرة عين المخرج يفهم ماذا يريد، وبالنسبة للممثلين فهناك أناس مقربون تحبهم يمكن أن يخدموا العمل بشكل أفضل، فأنا يعمل معي مجموعة من الممثلين بشكل متكرر ولكن لم تصادف ولا مرّة أنهم كانوا متشابهين، وليس هناك دور مستنسخ من دور آخر، وبالتأكيد لن يوافق أي ممثل على العمل معي في تقديم دور قدمه من قبل، وأنا لن أقدم له دورا قدّمه من قبل، ورغم ذلك ومع وجود هؤلاء الناس الذين أحبهم وأرتاح إليهم ومن النظرة يفهم بعضنا بعضا، ففي كل عمل جديد أحرص على العمل مع مجموعة لم أعمل معها من قبل لأستفيد من وجودها في العمل.

* هناك أيضا من الممثلين السوريين، خصوصا ما بعد الصف الأول، يشتكون من الأجور المنخفضة وأن نجوم الصف الأول يحصلون على أجور مرتفعة على حساب أجورهم، وبسبب حصولهم على مثل هذه الأجور في مصر. ما رأيك بهذا الكلام؟

- أنا كمخرجة ما زلت في سورية أحصل على نصف الأجر الذي أحصل عليه في مصر! رغم أنني أحصل على أعلى أجر في سورية، وأتذكر هنا أنني عندما طلبت أجرا يقارب أجري في مصر قال لي المنتج: «اطلبي أجرا منطقيا»، ورضيت حتى لا أقضي على مهنتي وأمارس الأنانية هنا، ومن حقي أن أحصل على أجر يحقق لي حياة كريمة رغم أنه قد لا يوازي المجهود الكبير الذي أبذله ويتناسب مع الأيام والساعات التي أعمل بها، ولكن بنفس الوقت لا يجوز المطالبة بالحصول على نفس الأجور التي نحصل عليها في مصر لأن ذلك سيسبب طفرة كبيرة بتكلفة الأعمال، وبالتالي سيؤثر على تسويق العمل الفني.

* هل تعاملت مع الدراما الخليجية؟

- لدي حاليا نصان، كويتي وإماراتي، أقرؤهما وأنا أرغب في إخراج عمل خليجي، ولكن أن يكون مختلفا ويترك بصمة في مجال الدراما الخليجية.

* كيف هي علاقتك حاليا مع والدك المخرج هشام شربتجي؟

- له الفضل الأول والأخير في وجودي على ساحة الإخراج التلفزيوني، فهو علمني ودعمني، وهو هرم بينما أنا ما زلت في قاعدة الهرم أصعد قليلا قليلا، وأؤكد لك أنه عندما ينجح عمل لي فيكون سعيدا جدا.