فادي صبيح: لا أحب المكدوس ولكن من متطلبات شخصية المثقف «ستنكو» أن يكون شرهًا

الفنان السوري لـ «الشرق الأوسط»: تعرضت لبعض المضايقات في الشارع بعد دوري في «ضيعة ضايعة»

الفنان السوري فادي صبيح
TT

تميز عبر مسيرته الفنية المتواصلة منذ 15 عاما بأدائه العفوي البسيط القريب من قلوب المشاهدين فتابعوه باهتمام وشغف من خلال كثير من المسلسلات التلفزيونية الاجتماعية والمعاصرة، ولكنه كان يخبئ للجمهور مفاجأة فنية أظهرها في السنتين الماضيتين وهي أنه ممثل كوميدي بامتياز يجيد تجسيد مفردات الموقف الكوميدي بكثير من المهارة والحرفية على الرغم من صعوبة خوض هذا النوع من الفنون التلفزيونية ولكنه ربح الرهان الكوميدي خاصة في العملين اللذين لقيا متابعة واسعة من قبل الناس، حيث جسد شخصية «مثقف الضيعة» العاشق الولهان (سليم أو «ستنكو») في «ضيعة ضايعة» بجزأيه الأول والثاني، وشخصية الشاب المدلل الضعيف أمام البنات في مسلسل «صبايا»، مما جعله محط اهتمام النقاد الفنيين والمتابعين، وقبل ذلك والأهم الجمهور.. إنه الفنان السوري الشاب فادي صبيح، الذي التقت به «الشرق الأوسط» في دمشق، وكان الحوار التالي:

* ما الأعمال الجديدة المقبلة في مجال الدراما التلفزيونية؟

- هناك مشاركة قادمة لي مع المخرج حاتم علي وأخبرت بها قبل يومين ولكن لا أعرف بعد ما الشخصية وما النص.

* يلاحظ المتابع لأدوارك في الأعمال الأخيرة تركيز المخرجين على إسناد شخصية العاشق الضعيف ذات النمط الكوميدي إليك، ألا تخشى أن ينحصر ما يعرض عليك من أدوار قادمة في هذا الإطار فقط وفي مجال الكوميديا فقط؟

- لا أعتقد ذلك، فهذا الأمر كان من الممكن أن يحصل منذ سبع سنوات من خلال تنميط الممثل بشخصية وحيدة فقط كأن يقال إن الممثل الفلاني يلعب فقط دور الشرير وآخر الخيّر وممثل يلعب دور العاشق وهكذا دواليك، ولكن في الوقت الحاضر لا يمكن أن يتم ذلك والسبب أن معظم مخرجينا في الساحة الدرامية السورية حاليا ينتمون لنفس جيل الممثلين ولنفس الثقافة والعمر، ولذلك ستكون نقطة ضعف للمخرج وليس الممثل في هذه الحالة، لأنه من المعروف أن أصعب الأعمال الفنية هي الكوميديا فمن الصعوبة بمكان أن يقدم الممثل شخصية خفيفة الظل على مدى 30 حلقة تلفزيونية، فهي مهمة ليست سهلة مطلقا، والخوف بالنسبة لي من أن يصر المخرجون على هذا النوع من الأدوار، فلا أخاف لأن الممثل في المحصلة سيطرح في كل الأمكنة والأدوار من الخير والشر والعشق وأتمنى أن لا تكون القراءة هكذا بالفعل، فهي بالصدفة جاءت في العام الماضي أنني شاركت في ثلاثة مسلسلات كوميدية، وهذا ليس قراري، حتى إنه عرض علي المشاركة في الجزء السابع من السلسلة الكوميدية «بقعة ضوء» واعتذرت لأسباب شخصية وقرار خاص بي، وهو أنني لن أقدم نفسي فقط في موسم واحد بأعمال تنتمي جميعها للكوميديا، وكان يكفيني ثلاثة أعمال فقط. وبرأيي أن الممثل يجب أن يجسد كل الشخصيات الكوميدية والتراجيدية، ولا أخاف أن أحصر أيضا في الكوميديا، فعبر تاريخي الفني القصير نسبيا شاركت في أعمال تاريخية واجتماعية معاصرة وكانت مقبولة لدى الناس.

* هل يعني ذلك أنه عرضت عليك الموسم الماضي أعمال غير كوميدية؟

- نعم، ولكن ذهبت مني بسبب ارتباطي بمسلسل «ضيعة ضايعة» وهي أعمال بعيدة تماما عن الكوميديا وعن شخصية العاشق. وتأخر تصوير «ضيعة ضايعة» شهرا ونصف الشهر - وأقول ذلك بحب - بسبب ظروف الصديق نضال سيجري فاضطررت للاعتذار عنها، ومنها فيلم سينمائي مع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد («مطر أيلول»)، واعتذرت عن دور مهم في المسلسل التاريخي «القعقاع»، ومع ذلك لست منزعجا من ذلك لأن مسلسل «ضيعة ضايعة» أعتبره مشروعي الشخصي.

* شخصيتك في «ضيعة ضايعة» كانت مميزة ولكن تعرض الجمهور لخيبة من خاتمته الضبابية في جزئه الثاني؟

- عندما طرح موضوع تصوير جزء ثان من المسلسل كان المخرج الليث حجو مترددا في الموافقة لمجموعة مخاوف وللأسباب المعروفة حول إشكالات المقارنة ما بين الجزأين وضرورة ذلك، ولذلك لم يكن القرار سهلا في موضوع الجزء الثاني، وعندما اتخذ القرار بتصوير الجزء الثاني عملنا جميعا كأسرة عمل بمسؤولية عالية ومن منطلق أن العمل جديد ويطرح لأول مرة ولا يوجد جزء أول، فحصل لدينا خيارات مهمة في النصوص وقرار شبه جماعي بقبول اللوحات والحلقات أو رفضها ولذلك اخترنا الحلقات، فجاء الجزء الثاني كخطوة أهم بعد الجزء الأول. وبالنسبة لنهاية الجزء الثاني، فأقول، كشخص حيادي ولست كمشارك في العمل، إنني حزنت من أن هذا العمل الذي عملنا فيه على مدار سنتين بكل هذا الحب والإخلاص والتفاني حزنت فعلا لتوقفه في الجزء الثاني، ولكن مهما كان حكم الناس عليه، فبرأيي المشاريع والإبداعات والأفكار لا تنتهي. ومن هنا التميز من حيث أن تنفذ عملا فنيا وتشاهد حكم الناس عليه بمدى نجاحه وأن ينتظروا الأشياء الجديدة وأنا مع الناس عندما انزعجوا من انتهاء العمل بهذه الطريقة، ولكن أقول لهم إن هناك مسلسلات مقبلة وقد تكون أهم من «ضيعة ضايعة».

* هل سببت لك شخصية «ستنكو» في «ضيعة ضايعة» إشكالات أو طرائف مع الناس في الشارع؟

- عانينا في هذا المجال كما عانى ممثلو باب الحارة مثلا؛ فأي شخصية مميزة يجسدها الممثل سيتعرض بسببها لمناداة الناس له في الشارع بها وهي قد تسعد الممثل لأنها وصلت للجمهور، ولكن تسبب له بعض المضايقات. والطريف هنا أن كل شخص أقابله ويعلق على هذه الشخصية يخبرني أن هناك مثيلا واقعيا لها في قراهم ومناطقهم، حيث إن هذه الشخصية موجودة بالفعل، وموجود هذا المتثاقف الكاراكتر وحتى جميع الشخصيات كان هناك في الواقع ما يشبهها من «المختار» وغيرها.

* هل فكرت في أن تكون مخرجا لمسلسل تلفزيوني كبعض زملائك الممثلين؟

- لا، لم أفكر بذلك، ولكن من الممكن أن أكون مخرجا في المستقبل وأنا خريج المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1998، فكل ممثل يعرف ما هو مخزونه وتجربته في هذا المجال وعندما قرر زملائي خوض تجربة الإخراج فهم بالتأكيد عرفوا أنهم قادرون على ذلك، ولكن هل نجحوا أم فشلوا وإلى أي مدى كانوا جيدين في هذه التجربة، هذا شأن آخر يخضع لحكم الناس والنقاد، ولكن القرار بأن يخوض الممثل تجربة الإخراج ليس سهلا ولا يأتي من فراغ فهو يأتي من تراكم خبرات وثقافة ووعي، إضافة إلى أن الشركات الإنتاجية هل تعطي الممثل الفرصة لذلك أم لا.

* هل دعيت للمشاركة في الدراما المصرية؟

- إلى الآن، لم أُدع، وأعتبر المشاركة في الدراما المصرية ميزة للفنان، وانتشار الممثل السوري عربيا ساهم في دعوته لمصر، ولذلك أرى في تجربة النجوم السوريين مثل جمال سليمان وباسم ياخور وسلاف فواخرجي وتيم الحسن وغيرهم تجربة إيجابية على الرغم من نظرة البعض لها من منظار سلبي، فالتجربة ليست سهلة، وأن يدافع عن نفسه بوجود كادر جميعه مصري وهو الوحيد من سورية، فعليه عبء كبير ولديه مشوار النجاح غير الطبيعي بدءا من إجادة اللهجة المصرية وانتهاء بفن الأداء. وفي تقديري أن أغلب تجارب الممثلين السوريين في مصر استطاعوا من خلالها أن يملأوا أماكنهم ودافعوا عنها بشكل جيد ونالوا نجاحا عربيا منقطع النظير.

* لك مشاركات محدودة في دراما البيئة الشامية، كيف تنظر لهذه الأعمال وجماهيريتها؟

- للأسف شاركت في عملين لم يعرضا بشكل جماهيري بل على القنوات المشفرة وهما الجزء الأخير من مسلسل «الحصرم الشامي» وجسدت فيه شخصية «موسى أغا» وحاولت الاجتهاد فيها على الرغم من بعدي قليلا عن البيئة الشامية (ينتمي الفنان صبيح للبيئة الساحلية) ولكن بذلت جهدا كبيرا في أدائها، كذلك شاركت في مسلسل «أولاد القيمرية» وجسدت فيه شخصية إمام مسجد، وبشهادة الجميع أديتها بشكل جيد.

* ما الأسس التي تعتمدها في قبولك أو رفضك للدور الذي يعرض عليك؟ وهل تتحاور مع المخرج في تعديله؟

- معظم مخرجينا الشباب يقبلون الحوار معنا وإذا أردنا تحويل خط ما في الشخصية ولمصلحة النص، يقبلون ذلك، فهم يسمعون الرأي ويتقبلونه ويصغون إليه. أما الأسس التي أعتمد عليها في اختيار الدور، فأود القول هنا إن عددا كبيرا من أبناء جيلي الفني الشاب ليس هو من يختار ويقول أريد لعب هذه الشخصية ولا أريد لعبة تلك الشخصية فهذه المرحلة لم نصل لها بعد في الدراما السورية ولم يحصل لدينا تقليد أن يكتب عمل تلفزيوني من أجل نجم واحد فقط. وفي المحصلة الممثل ليس صاحب قرار ويضطر إلى أن يشارك في أربعة أعمال في الموسم الواحد يكون واحد منها مقتنع به فقط والباقي غير مقتنع ولكن وافق على المشاركة فيها من أجل المعيشة والدخل. وبالنسبة لي فأنا أقبل الدور إذا كان يحقق لي 70% من الخطوط العامة التي أؤمن بها وأقبله إذا كان الدور جديدا ولم أجسد ما يشبه الشخصية من قبل، وفي حال كنت قد قدمت ما يماثلها فأحاول إلى حد ما أن أغير في الكاراكتر الخاص بها حتى تأتي مغايرة قليلا لما قبلها.

* شاركت في الأعمال المدبلجة، كيف تنظر لمثل هذا النوع من الدراما الوافد إلينا؟

- شاركت بشكل بسيط فيها من خلال عمل تلفزيوني، وفيلم مدبلج أديناه باللهجة الريفية وأحببت العمل في هذا الفيلم على الرغم من أن أجر الممثل في الدبلجة قليل قياسا بأجره في الدراما العادية، والدراما المدبلجة أخذت حيّزا من ساعات البث في القنوات الفضائية وعلى حساب الدراما العربية ولكن المشكلة في درامانا أننا نعمل ما يشبه الارتجال حيث لا يوجد سياسة سنوية لتقديم النصوص، فقد نقدم سبعة أعمال في الموسم الواحد يشبه بعضها بعضا وتقدم المواضيع نفسها، فهل يعقل أن لا تعرف الشركات المنتجة والمخرجون أن هناك عملا يصور يشابه ما يريدون تقديمه وأن الأمور جاءت مصادفة؟! يجب أن يكون هناك تنسيق بين الشركات الإنتاجية في ما يريدون تقديمه خلال الموسم الواحد حتى لا تتكرر هذه الأعمال، كما أن بعض النقاد مثلا هاجموا أعمال البيئة الشامية منذ انطلاقتها في «أيام شامية» قبل عشر سنوات، فماذا حققوا من ذلك؟ استمرت هذه الأعمال وحققت مشاهدة واسعة فماذا فعل النقاد؟! كان الأجدر بهم هنا أن يحاوروا المخرجين والمنتجين ويعرضوا ملاحظاتهم بعيدا عن المهاترات الإعلامية وهذا سيكون لمصلحة الدراما السورية بشكل عام.

* ولكن ليس بالضرورة أن يكون رأي النقاد صحيحا، وأبرز دليل على ذلك نجاح «باب الحارة»..

- هذا صحيح، حتى إننا عندما قررنا تقديم «ضيعة ضايعة» خفنا من عدم نجاحه ومن تقاطع الجمهور معه خاصة أنه لا توجد لدينا مقاييس ومعايير في تقييم العمل، فهناك أعمال تفاجئنا بعد عرضها بمدى نجاحها ولم يكن متوقعا من قبل النقاد والمتابعين أن تنجح مثلا، بينما هناك أعمال يبذل الجهد الكبير فيها وهناك متابعة من النقاد، ولكن عند عرضه يمر مرور الكرام من دون أن يحقق متابعة من الناس، ولذلك لا يوجد مقياس لدينا في هذا المجال.

* كيف تنظر لما يقال عن عودة الشللية إلى الدراما السورية؟

- من قال إنها عادت؟ لم ألاحظ ذلك.. ولكن إذا كانت فعلا موجودة فهي ليست فقط في الدراما بل في كل المجالات، ألا توجد شللية في المكاتب الهندسية وفي الشركات الإنشائية والتجارية؟ الأمر طبيعي هنا حيث يوجد فريق عمل متفاهم بعضه مع بعض ويستمر لعشر سنوات لمصلحة العمل ونجاحه، ولكن بسبب أن الوسط غير مضاء في المؤسسات غير الفنية فلا أحد ينتبه لتكرار الأسماء من العاملين بها ولعشر سنوات بينما في الدراما فنحن تحت المجهر دائما ولذلك هناك من يطلق عليها «الشللية»، وأنا لا أسميها كذلك، فالمخرج مثلا يتعامل مع النجم نفسه في ثلاثة أعمال ولثلاث سنوات فيقول الناس والنقاد والمتابعون إن هذه شللية، ولكن العمل الفني يربط القائمين عليه في علاقات مودة وصداقة مع الآخر، فإذا كان هذا مفهوم الشللية فأنا معها.

* وما رأيك في مشكلة تفاوت الأجور بين الفنانين السوريين؟

- هذا أمر واقع، خاصة في السنوات الخمس الأخيرة بين نجوم الصف الأول ونجوم الصفوف التالية، والمشكلة لدينا أن الفنان السوري ليس لديه ضمان صحي، فقد يقع من على الحصان وهو يمثل ويجلس في منزله أربعة أشهر من دون دخل مادي ومن دون أن يعوض عليه بسبب ما تعرض له أثناء تصويره للدور.

* هل أنت راض عن أجرك؟

- ماشي الحال!

* هل لديك هوايات؟

- الصيد، وأقوم دائما برحلات صيد في مناطق البادية وغيرها، وكذلك السباحة، ولكن بشرط أن لا يزيد عمق الحوض عن 180سم أي أقل من طولي بـ10سم حتى أبقى طافيا على السطح، فأنا أحب السباحة وأخاف منها!

* وهل تحب المكدوس في الواقع كما تابعك المشاهد في «ضيعة ضايعة» تأكله بنهم من منزل صهرك أسعد؟

- لا، لا أحب المكدوس في حياتي العادية ولكن «ستنكو» في «ضيعة ضايعة» كان يحب المكدوس ومن مهمة الممثل في أعماله أن يقنع المشاهد بما يقدمه فكانت شخصية «ستنكو» إنسان شره، فكان لا بد من ذلك من أجل الإقناع.