سيسيل دو فرانس لـ«الشرق الأوسط»: حياتي هي أفلامي وأنا كتاب مفتوح

الممثلة الفرنسية بين الحياة والموت

سيسيل دو فرانس مع المعلم كلينت إيستوود
TT

على الرغم من اسمها، فإن سيسيل دو فرانس بلجيكية، ولدت في مدينة اسمها نامور قبل 35 سنة. وحين كانت في السادسة عشرة من عمرها، قررت أن تنزح إلى باريس لكي تدرس الفن الدرامي. بعد ثلاث سنوات أخذت تظهر على خشبة المسرح الفرنسي، وفي عام 2000 ظهرت في أول فيلم لها، دراما عاطفية بعنوان «انظر إلي»، لم يكن دورها في ذلك الفيلم ثانويا، تدرجت بعده في أدوار بطولة، بل الدور الرئيسي، وكان مقدمة لسلسلة أفلام بلغت حتى الآن ثلاثين فيلما في غضون إحدى عشرة سنة.

حاليا تظهر في فيلم كلينت إيستوود الجديد «من الآن»، حيث تؤدي شخصية مقدمة برنامج لقاءات في إحدى المحطات الفرنسية كانت في زيارة سياحية لبلد آسيوي حين وقع تسونامي. كانت تتمشى في السوق المحلية حين شاهدت جبل الماء آت. تركض أمامه قدر استطاعتها، لكن الأمواج تصل إليها وللمئات سواها. تموت؟ لا نعلم. لقد انتشلت من الماء ساكنة لا تتنفس. لكن الحياة تعود إليها فجأة كما لو كانت في زيارة قصيرة للموت وانتهت، لقد خبرت الموت، وباتت تراه من حولها، وعليها الآن أن تعرف كيف تتأقلم مع تلك التجربة الفريدة.

تجربة مدهشة

* كيف تنظرين شخصيا إلى الحياة بعد الموت؟

- ليس لدي اعتقادات ثابتة حول هذا الموضوع. ليس لدي آراء معينة. لقد قرأت الكثير حول الموضوع حين كنت أحضر للفيلم، وما قرأته كان مثيرا. وأعتقد أن المثير أكثر من سواه هو الغموض الذي يحيط بما يلي الموت، كل مفكر أو صاحب وجهة نظر في هذا الشأن يمضي باتجاه مختلف، لكني أعتقد أن التخمينات متعددة، والحقيقة غير واضحة. بالنسبة لي أنا أعيش في الحاضر واستمتع بكل يوم فيه، والموت عندي هو جزء من الحياة ذاتها.

* ماذا عن مراحل الحياة نفسها؟ هل تخشين مثلا الشيخوخة؟

- بصراحة لا. على العكس، أعتقد أن التقدم في السن يفتح مجالات رحبة. لا أحد يستطيع أن يدرك كل شيء في السنوات العشرين أو الثلاثين الأولى. كلنا نواصل التعلم كل يوم في حياتنا، وكلما عشنا أكثر أصبحنا نملك خزينة من المعلومات. حسنا، ربما ليس كلنا؛ فهناك من يرفض مبدأ أن يتعلم، لكن هذه مشكلته. بالنسبة إلي لا نهاية للعلم. والإنسان سيبقى مصرا على طرح الأسئلة، بما فيها السؤال عما إذا كان الموت هو نهائيا، أو أن هناك حياة من بعده، وما هو شكل هذه الحياة.

كيف كانت تجربة العمل مع المخرج إيستوود؟ ما الذي خرجت به منها؟

الحقيقة هي أنها كانت تجربة مدهشة جدا. أول ما يخطر لي هو أن إيستوود وثق بي، وعلى نحو كامل. وحين يثق بك مخرج في مكانة إيستوود فإن ذلك هدية من السماء. مع إيستوود لا بد أن تشعر بالقيمة التي يفرضها طريقة عمله وتوجيهه للممثلين. إنه يكتفي باللقطة الأولى في الكثير من الأحيان، ويثق بأنك تستطيع أن تؤدي المطلوب منك في هذه اللقطة الأولى. لن يعيدها إلا إذا كان هناك خطأ شنيع (تضحك)، وهذا لا يحدث، لأنه يعرف ما يريد، ولن يبدأ التصوير إلا بعد أن تعرف أنت ما يريد. بعد ذلك هي مسألة ثقة بك في كل يوم عمل.

* تتكلمين الإنجليزية جيدا، وبالتالي لا أعتقد أن التفاهم بينكما كان صعبا. لكنك في الفيلم تتحدثين الفرنسية؛ هل كان عليك تفسير أي تعبير معين قمت به أو أي عبارة أردت استخدامها؟

- لا. كان الحوار متفقا عليه من قبل التصوير، وكل ما كان علي القيام به هو قراءته وتنفيذه. إيستوود لم يكن يمانع لو خرجت قليلا عن النص. لكن حواري كان مكتوبا جيدا، ولم يحتج إلى تطوير.

* ماذا عن مات دايمون..؟ مع العلم بأن مشاهدكما معا قليلة.

- عملنا معا ليومين فقط، وكان ذلك مدعاة حزن لي، لأنه لم يكن هناك وقت للتعارف جيدا. لكنه ممثل ودود ومتواضع، أذكر أنهما (إيستوود ودايمون) كانا كثير الضحك، وهو ما أشاع جوا مريحا. بعض الذين عملوا مع إيستوود من قبل قالوا لي أن هذا الجو متاح في كل أفلامه. هل تعلم أهمية ذلك بالنسبة للممثل؟

* هل تحدثت وإيستوود عن تجربة الحياة بعد الموت؟

- لا، مطلقا. لا مع إيستوود ولا مع دايمون. الموضوع لم يرد في أحاديثنا. ربما تجد ذلك غريبا، وربما معك حق، لكننا لم نتحدث في هذا الموضوع.

* كلهم يريدون أن يعرفوا كيف صورتِ مشهد التسونامي.

- كانت هناك ثلاثة طرق لتصوير هذا المشهد. الشارع الذي كنت فيه حين يهبط علي الإعصار كان بالطبع خاليا من الماء، كنت أمثل أنني مهددة بالأمواج الكبيرة، هذا تمثيل مؤلف من رد فعل على شيء ليس موجودا. ثم هناك حوض الماء الكبير الذي صورت فيه مشهد غرقي، ثم هناك المشهد الذي صورناه قرب الشاطئ أنا والفتاة الصغيرة التي كانت معي. الأمواج في هذا القسم كانت حقيقية وكانت كبيرة فعلا، طبعا ليست بكبر الأمواج التي في الفيلم. لقد فوجئت بإيستوود ومدير تصويره وهما بالقرب مني ومن الفتاة، فبدلا من تصويرنا من مكان بعيد، كانا في الماء معنا.

* بدأت التمثيل حين كنت في السابعة عشرة من العمر أو نحو ذلك. ما الذي دفعك لدراسة التمثيل في باريس وليس في بروكسل مثلا؟ هل لاسمك سبب في ذلك؟

- (تضحك).. ربما، لست متأكدة، لكنه اسمي بالفعل وليس مستعارا كما سألوني قبل أيام. لقد مثلت على نحو غير محترف منذ أن كنت في السادسة من عمري. كانت لدينا حصة مدرسية لإلقاء الشعر، وكنت أحب أن أمثل ما ألقيه (تضحك). كانت المدرسة تسأل الطلاب من تريدون لإلقاء الشعر، فيقولون سيسيل.. لكن فعليا كنت في السابعة عشرة من عمري حين بدأت أدرس التمثيل ودرست لعامين في مدرسة خاصة في البداية، ثم ثلاثة أعوام في مدرسة للتمثيل المسرحي.

* أفلامك متتالية منذ عام 2000؛ هل تحبين التمثيل أم تحبين العمل؟

- أحب التمثيل، وأحب أن أبقى مشغولة أيضا. أعتقد أني أحب الناحيتين، وأحيانا تجد نفسك تعمل في فيلم كنت تعتقد أنك ستحب التمثيل فيه فيتحول التمثيل إلى تنفيذ عقد.

* ماذا تفعلين إذن في أوقات فراغك على قلة هذه الأوقات؟

- أحب تصليح منزلي، أقوم بالتصليحات بنفسي وأقوم بمهمة الاعتناء بحديقتي بنفسي.

* في الفيلم تقررين أن تضعي كتابا يلخص التجربة التي خضتها (رحلتك بين الحياة والموت) لو أردت في الواقع وضع كتاب واحد في حياتك، أي نوع من الكتب سيكون؟ وما هو الموضوع الذي ستختارينه؟

- حياتي كلها هي الأفلام التي مثلتها، ولا أشعر أن عندي حاجة لكي أؤلف كتابا. نعم، الشخصية التي أمثلها تريد أن تضع تجربتها الصعبة في كتاب، لأنها تعتقد أنها لن تستطيع التخلص من آثارها إلا إذا نقلت ما حدث لها للقراء. وأعتقد هذا مفهوم. لكن حياتي تختلف بالطبع، ولا أملك تجربة مماثلة تحفزني لكي أضع كتابا عنها، كذلك لا أشعر بأني أريد أن أؤلف كتابا في يوم ما. أنا الكتاب، وهو كتاب مصور مؤلف من أفلامي كلها.

* هل لديك الآن شروط حيال أي فيلم توافقين على بطولته؟

- حاولت من البداية أن يكون عندي مثل هذه الشروط، وأعتقد بأن ذلك ليس أمرا سهلا، لكنه ممكن. وفي أغلب الأحوال مارست شروطي علي أولا أن أقع في حب السيناريو وفي حب الشخصية وفي حب المخرج. المسألة مؤلفة من هذا الثلاثي. الشخصية يجب أن تكون مثيرة، والقصة تتطلب بذلا وتستطيع أن تجذب الجمهور إليها، والمخرج لأنه سيكون الموجه الحقيقي لي. سيكون حاضرا في حياتي لشهرين؛ إذا لم يكن مخرجا جيدا فإن الحياة معه خلال العمل ستكون صعبة، أما إذا كان جيدا فأنا أسعد امرأة في العالم.