قاسم ملحو: دفعت 14 سنة ضريبة انتظار.. وبعض زملائي يركلونني بأكواعهم ليعيدونني للخلف

الفنان السوري لـ «الشرق الأوسط»: اضطررت للعمل 10 سنوات في الرسوم المتحركة كي لا أتسول دورا في التلفزيون

الفنان السوري قاسم ملحو («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن تجربته الفنية تعود لبدايات تسعينات القرن الماضي بعد تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية، فإن الفنان السوري قاسم ملحو لم يبرز ويظهر بشكل مكثف ونوعي في الأعمال التلفزيونية السورية إلا في السنوات العشر الأخيرة، ولعل المخرجين اكتشفوا أداءه الحرفي العالي متأخرين، كما يعتقد بعض المتابعين، ولكن لا بأس، كما يقول هؤلاء، فكل تأخيرة فيها خيرة - كما يقول المثل الشامي الشعبي - فملحو وعبر الأعمال الدرامية التي شارك فيها في السنوات الماضية برز كممثل يمتلك أدواته الفنية بإتقان، خاصة مع تركيز المخرجين عليه في إسناد أدوار الرجل الشرير والمشاكس له، فبرز فيها بشكل لافت، كما برز في الكثير من الأعمال التاريخية والشامية والحلبية كـ«الخوالي» و«عش الدبور» و«عنترة» و«باب المقام» وفي الأعمال الكوميدية كـ«بقعة ضوء» وغيرها، وفي الكثير والكثير من الأعمال الاجتماعية المعاصرة، ومنها «الطريق إلى كابل» و«سيرة الحب» و«لعنة الطين» و«حوش العيلة» و«الانتظار» وغيرها، كما برز في أفلام سينمائية وأعمال مسرحية شارك فيها.. «الشرق الأوسط» التقت الفنان السوري قاسم ملحو في دمشق وكان الحوار التالي:

* ما الجديد لديك في مجال الدراما التلفزيونية والسينما، وما مبدأك في قبول أو الاعتذار عن المشاركة في عمل ما؟

- قرأت عددا من النصوص، ولكن معظمها لم يعجبني، وهناك عمل واحد وافقت على المشاركة فيه وهو «الولادة من الخاصرة» مع المخرجة رشا شربتجي، والكاتب أسامة رضوان الذي كتب نص «لعنة الطين» في الموسم الماضي، ويشارك فيه سلوم حداد وسلاف فواخرجي وقصي خولي وآخرون، وهو نص اجتماعي معاصر وإشكالي. وجميلة مثل هذه الأعمال التي تحقق بالفعل وظيفة الفن في استشراف المستقبل. والنص الذي لا يحمل مقومات إشكالية يطرح من خلالها قضايا المجتمع ومشكلاته مع المحافظة على كل المحرمات، هو نص لا يعنيني. ومن مهام الفن أن يعمل إشكالا وليس تصالحا وطبطبة على الأكتاف، فالمؤشر لدي في بداية قبولي المشاركة هو النص أولا، ثم المخرج، وبينهما مساحة ضيقة جدا، فالنص وما يقوله والمخرج شرطان ضروريان لقبولي أو اعتذاري عن المشاركة في عمل ما، فلا أبحث عن مخرج فقط ليصورني فقط، فهذا لا يمتعني، وما يهمني هنا فقط وجود العين الدقيقة لدى المخرج، حتى أصل معه للمكان الذي يمكن له أن يفاجئ المشاهد في العمل، وأنا لا أرضى أن أكرر نفسي في عدة أعمال ولا يعنيني هنا أن أقوم بالتمثيل ليشهرني ولتعرفني الناس، مع أنه جزء مهم وممتع، على الرغم من أن بعض زملائي لديهم وجهة نظر في هذا المجال ويكررون أنفسهم حتى بالملابس نفسها، بينما أنا لا أستطيع أن أكرر حتى الصوت، هذه طريقتي وأسلوبي في اختيار العمل، قد يكون صحيحا أو خطأ، ولكن هذا أسلوبي، ولست وحدي أعتمد على هذا الأسلوب، هناك زملاء يشاركونني المبدأ نفسه، ويشرفني أنني أنتمي لهذه المجموعة، ومنهم نضال سيجري وأحمد الأحمد ومحمد حداقي وأيمن رضا، فهؤلاء مثلي لا يعملون أدوارا منسوخة. أما في السينما فكانت لي مشاركة مع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد في فيلم «مطر أيلول» الذي شارك في مهرجان دمشق السينمائي الأخير، وسيشارك في مهرجان دبي السينمائي.

* هناك إشكالية ما تسمى «الفنان المثقف» الذي، كما يقال، لا يعجبه العجب ويعقد الأمر لدرجة ينصرف عنه المنتجون والمخرجون ويخسر من كونه مطلبا لهم، كيف ترى ذلك وهل أنت منهم؟

- هناك ممثلون (أقل من قامتي الفنية) ويعملون أكثر مني، بينما قد يعرض علي أكثر منهم، ولكن الفرق بيني وبينهم هو أنني من قلة قليلة في الوسط الفني يعتذرون، وهؤلاء موجودون، فلست صاحب الشرف الوحيد في ذلك، فهناك من يقرأ ويعتذر، وهناك مخرج وهو (الليث حجو) من أكثر المخرجين الذي يعرف كيف ينفذ مشروعه الفني في خارطة الدراما السورية، ولذلك فهو يعتذر عن مجموعة نصوص تعتبر لمخرجين آخرين طموحا لهم، وبالمناسبة البعض يعتقد، وبسبب إعجابي بالليث حجو، أن هناك علاقة وثيقة معه ونسهر سويا ونتسلى بلعب طاولة الزهر، وهذا غير موجود مطلقا، فالليث إذا شعر بأنه لن يقول شيئا في عمل ما فلا يقبل إخراجه، ولذلك لدي قناعة كبيرة بتجربته.

* والمخرجون الآخرون المميزون.. كيف تنظر لتجربتهم؟

- حاتم علي مثلا لم أعمل معه، ولكنه قدم أعمالا مهمة، ونجدت أنزور أحد المخرجين الذين قدموا مساهمة كبيرة في تقديم المشهد الدرامي السوري، ولكن المشكلة فيما بعد دخول عقلية الفنان في عقلية المنتج، فأنت تخسره من زاويته كفنان، وهذا ما حصل مع أسماء فنية مهمة أثرت في المشهد الدرامي السوري، وأنا من مصلحتي أن يكمل نجدت أنزور بالمستوى نفسه الذي بدأ به كما في «إخوة التراب» و«نهاية رجل شجاع» و«الجوارح»، والسؤال الكبير هنا أنه لماذا لم يتذكر الكثيرون سوى هذه الأعمال لأنزور؟! وفي هذا العام قدم عملا إشكاليا وهو «ما ملكت أيمانكم» فعاد ليوضع تحت المجهر وليثير الردود ما بين مؤيد ومعارض لعمله، فأنا مع هذا العمل الذي يسبب إشكالا.

* هل عرض عليك العمل خارج سورية، مع الدراما المصرية مثلا، وما رأيك في مشاركة الممثلين السوريين معها؟

- لم يعرض علي العمل في مصر ولا أستطيع أن أقول رأيي في هذه التجربة لأنني لم أعشها، والعمل الوحيد الذي شاركت فيه تحت إدارة مخرج مصري وصور في سورية هو فيلم سينمائي «باب الشمس» للمخرج يسري نصري، الذي كان يعمل مع يوسف شاهين، أما مشاركة الممثلين السوريين في الدراما المصرية فالقضية هنا عرض وطلب، وفي رأيي أن مشاركة هؤلاء لن تهز الدراما السورية، لأن عددهم قليل مقارنة بالعدد الموجود من الممثلين في سورية فلا توجد مشكلة في ذلك، فالأمر يبقى عملا في مصر أو الأردن أو أي بلد آخر.

* ولكن قيل إن مشاركة هؤلاء النجوم أثرت سلبا على الدراما السورية؟

- لا.. لم تؤثر، فمن يقل ذلك يؤكد مقولة تأثير الدراما المدبلجة على الدراما السورية، بينما هي في الواقع لم تتأثر، بدليل تصوير أكثر من ثلاثين عملا العام الحالي، وبتقديري أن هذه الأعمال كانت معظمها متميزة على الرغم من وجود وجهات نظر حولها، وقد لا يتناسب مع البعض مثل «أبوجانتي» أو «صبايا» مثلا، ولكن تبقى لهذه الأعمال شريحة من المتفرجين، ولا يمكن أن نقدم عملا يتناسب مع كل شرائح المجتمع، ولذلك لا مانع من أن تكون هناك أطياف في المسلسل الدرامي السوري، ما بين البدوي والتاريخي والمعاصر والبيئة.

* هل شاركت في الدراما المدبلجة؟

- بعد تخرجي في المعهد سنة 1993، عملت لمدة عشر سنوات في دوبلاج الرسوم المتحركة كي لا أتسول دورا في التلفزيون، وكان هذا الدوبلاج يعمل لي نوعا من الحماية المادية، وأعيش كفاف يومي، وكي لا أضطر، تحت وطأة الوضع المادي، لأن أشارك في عمل تلفزيوني لا يناسب قناعاتي، ولكن بعد ذلك ومنذ مشاركتي في المسلسلات التلفزيونية لم يظهر اسمي شارة ثانية، على الرغم من أن هناك نجوما حاليين ظهرت أسماؤهم شارة ثانية، ولذلك أنا أعتبر أن الحظ وقف بجانبي في هذا الأمر، ولكن هناك أناسا يقولون يا أخي.. قاسم ملحو في السنوات الثلاث الماضية اكتسح المسلسلات التلفزيونية، وهؤلاء لا يعرفون أنني متخرج في المعهد منذ 17 سنة، والـ14سنة السابقة كانت تهيؤا وتحضيرا، وفي السنوات الثلاث التالية كانت للقطاف، ولذلك كانت عندي شجرة زيتون، وهي تستغرق زمنا لتثمر، وليست عندي نبتة تثمر بعد شهر أو شهرين، وبالتالي لم يتهيأ لي الراعي أو العراب كما تهيأ لبعض النجوم من جيلي، وأنا سعيد لأنه لم يتهيأ لي ذلك، ولكنني تأخرت، وحاليا عندما جربت أن أصطف مع نجوم الصف الأول - كما يسمونهم - كانوا يضعون أكواعهم في صدري ليعيدونني للخلف، ويقولون لي أنت لم تدفع ضرائب كما دفعناها نحن - وهذا كلام مجازي يتم من تحت الطاولة - ولكن جوابي عليهم أنني دفعت ضريبة الانتظار، وضريبته مرتفعة، حيث كنت أشاهد ممثلين أنصاف موهوبين كانوا يؤدون الأدوار التي أستحقها أنا ولم تكن تصلني، وهذا حصل وأنا لا أندب ولا أتحسر على تلك المرحلة، ولكن يحق لي أن أقول إنني آخذ شيئا من حقي، فأنا سنويا تعرض علي عشرة أعمال، أشارك في عملين أو ثلاثة فقط. وفيما يتعلق بالدراما التركية المدبلجة شاركت في عمل واحد «وادي الذئاب»، ولم أتابع العمل به لأسباب شخصية مع المنتجين والمشرفين على العمل، وندمت على المشاركة فيه لأنني منذ البداية كنت قد قررت ألا أعمل في الدراما المدبلجة، لأنني منشغل بمشروع تلفزيوني وليس لسبب آخر، وهناك عدد كبير من الممثلين يعملون في هذه الأعمال، وهو أمر طبيعي ولم لا ندبلج نحن، فستذهب هذه الأعمال إلى لبنان أو الأردن أو أي بلد آخر، وبسبب سحر اللهجة السورية ووجود رموز ووجوه فنية ممتعة للشارع العربي أسهمت في دخول اللهجة للمسلسل المدبلج، إضافة إلى أنها تبقى صفقة بين منتجين وقنوات فضائية ليملأوا مساحة البث لديهم بهذه الساعات المدبلجة لأنها أرخص، كتكاليف، بكثير من إنتاج مسلسل سوري.

* يلاحظ تركيز المخرجين على إعطائك الأدوار العنيفة والشريرة، ألا تخاف أن ينسحب ذلك على ما سيعرض عليك مستقبلا ولا تشاهد كشاب رومانسي مثلا؟

- هذا صحيح، في حلقة واحدة من مسلسل «سيرة الحب» ظهرت فيه كرجل رومانسي، وهناك أناس أعجبهم ذلك في شخصيتي، ولكن معظم مخرجينا وأصحاب القرار الفني يرغبون في الأشياء الجاهزة، ولذلك يعتقدون أن الدور الشرير والقاسي سهل بالنسبة لي فلا يريدون الذهاب لممثل ملمحه رقيق جدا، وبالتالي سيعملون على الماكياج وعلى الاستعارات وعلى الملابس ليصلوا لهذا العنف الذي هو موجود في الأساس في شكلي الخارجي، فيعطونني هذا الدور لاعتقادهم بسهولته بالنسبة لي.

* ما رأيك في ظاهرة مسلسلات البيئة الشامية وجماهيريتها الكاسحة؟

- في رأيي أن دراما البيئة الشامية هي النوع الكسول من الفن، لأن هذه الأعمال تكتب لحالة سياحية، وتعمل بحالة تسويقية سياحية، ولذلك الأداء فيها يعمل تحت هذا السقف، وهذا لا يعني أنه لا توجد أعمال بيئية جيدة، ولكن قصدي هنا أن المبالغة في نسخ هذه الأعمال هي التي تضع الدراما السورية بشكل عام في حالة قلق وخوف، لأن هذه الأعمال تقدم نماذج متشابهة، حيث القنباز والياسمينة والبحرة، لدرجة أن هناك مشاهدين من العرب كانوا يعتقدون أننا ما زلنا نعيش هكذا حتى الآن، أحدهم زارني قبل فترة من خارج سورية وسألني أين مفردات هذه الأعمال، لم نجدك في منزلك، فأجبتهم أن هذه الأعمال تصور زمنا غير زماننا.

* هل يمكن أن نشاهدك مخرجا؟

- حتى الآن لم يغوني المشروع الإخراجي، وأنا لا أرى أن الإخراج درجة أعلى في سلم المجد الفني، وأذكر أن صديقي وزميلي فايز قزق عندما تسلم إدارة المسارح والموسيقى كان هناك طابور من المخرجين واقفين يريدون إخراج عمل ما، فطالبني بإخراج مسرحية، فقلت له إن المشروع الإخراجي ليس في ذهني، وسألني عن السبب، فأجبته بأنني أشعر بأن الإخراج عبارة عن عقل وسلطة وإدارة، بينما أشعر بأن التمثيل انعتاق وانقلاب وثورة وأشعر بنفسي أقرب للمزاج الثاني، وأتذكر مرة قلت هذا الرأي للفنان غسان مسعود وأسعده، فمازحته ألا يسرقه مني ويدلي به للصحافة على أنه إنجازه وليس إنجازي.

* هل ترغب في تجسيد شخصية ما تاريخية أو معاصرة؟

- سبق أن عرض علي أداء دور في مسلسل «الزير سالم» واعتذرت لأنني طلبت من المشرف على المسلسل، آنذاك، الفنان سلوم حداد أن أجسد شخصية جساس، ولكنه قال لي إنه وعد به الفنان عابد فهد، فاعتذرت عن المشاركة في المسلسل لأنني وجدت أن شخصية وحيدة فقط تناسبني وهي جساس.

* كيف هي علاقتك مع زوجتك الفنانة آمال سعد الدين، وما يقال عن إشكالات الزواج بين الفنانين؟

- هناك أناس يعتقدون، لأنني أجسد الأدوار القاسية والشريرة، أنني هكذا في منزلي، ولذلك عزلت زوجتي وحولتها لسيدة منزل فقط، وهذا طبعا غير صحيح، فهي مقلة في أعمالها لأنها لا ترضى أن تشارك في أي عمل، ولذلك فضلت التوجه نحو الرسوم المتحركة وجسدت شخصية لطيفة حققت من خلالها معجبين على مستوى العالم العربي، ولم تقبل أن تكون «تكميلة عدد» في المسلسلات التلفزيونية، وهذا حقها، فهي كانت الأولى على دفعتنا في المعهد العالي للفنون المسرحية، وحققت أفضل ممثلة في مهرجان القاهرة المسرحي عن عرض «سفر برلك»، ولذلك فضلت البقاء في المنزل ورعاية ابنتينا حنين وشام، وعندما جاءتها تجربة «ضيعة ضايعة» انتبه المعنيون والناس لها، وقالوا ما هذه الممثلة تأخذ العقل! فإذا كانت هكذا لماذا لم تنتبهوا لها من قبل، والطريف هنا أنه بعد «ضيعة» صارت تأتيها النصوص التلفزيونية بكثرة.

* وهل زوجتك تتناول البذر وتفصفصه بكثرة كما شاهدناها في «ضيعة ضايعة»؟

- نعم.. فهي تحب الموالح، وكذلك ابنتاي تحبانه أكثر من الحلويات، ولذلك كيس الموالح موجود دائما في المنزل.