فيلم هاري بوتر الجديد.. لا كيمياء ولا فيزياء بل انتظار طويل في محطة بلا قطار

مستوحى من النصف الأول من الرواية السابعة.. ليكون النصف الثاني للفيلم الثامن

دانيال ردكليف وإيما واتسون معا من جديد
TT

الإعلان عن أن آن هاثاواي وجيمس فرانكو سيقومان بتقديم الأوسكار يحمل بعض المعاني التي ربما لم تخطر على بال كثيرين. فالعادة، معظم الأحيان، هي أن تسند المهمة إلى ممثلين فوق الأربعين، وفي أحيان كثيرة فوق الخمسين، ما يدفع للتساؤل حول السبب الذي من أجله تم اختيار ممثلين دون الأربعين، فالممثلة التي نشاهد لها حاليا فيلما محلى بالسكر غير الطبيعي عنوانه «حب وأدوية أخرى» آن هاثاواي في الثامنة والعشرين من العمر وجيمس فرانكو (نراه في «127 ساعة» حاليا)، في الثانية والثلاثين.

الغاية لا ريب لها علاقة بمحاولة الأوسكار رفع عدد مشاهدي حفلته السنوية التي يبيعها لمحطات التلفزيون ووكالات الأنباء. إنها بالتالي مسألة اقتصادية في جوهرها. وهو يرى أن رفع عدد مشاهديه عليه أن يتم عبر جذب الجمهور الشاب، ذلك الجيل الجديد الذي يكترث لبرنامج مسابقات غنائية مثل «أميركان آيدول» أكثر من أي حفلة سينمائية. بالتالي، هي محاولة إنقاذ غارقة من قبل أن تبدأ.

إذا لم يكن هذا التفسير صحيحا فإن السبب الوحيد الذي قد يدفع أكاديمية العلوم والفنون السينمائية المانحة للأوسكار انتخاب نجوم جدد لتقديم الحفل هو أن يكون الأكبر سنا قد رفضوا. في الحالات كلها، هناك دلائل على محاولة رفع نسبة المشاهدين التي تتدنى من عام إلى آخر.. السؤال: كيف؟

خلال تصوير الجزء الأول من الفصل السابع من سلسلة «هاري بوتر»، الذي يحمل اسم «هاري بوتر والمقدسات المميتة»، صرح الممثل دانيال ردكليف، الذي قام ببطولة الأجزاء جميعا منذ أن كان في الـ12 من عمره قبل 10 سنوات، بأنه لم يكن راضيا عن أدائه في الجزء السابق Harry Potter and the Half-Blood Prince.

وقال: «وجدت أن تعبيراتي كانت متشابهة في المواقف كلها». وأضاف: «هذه المرة حرصت على التغيير. وواجهت بالفعل أصعب التحديات بدنيا وعقليا. وما زلت غير سعيد بالنتيجة، لكني على الأقل حاولت».

يحسب للممثل الذي يستعد لوداع هذه السلسلة؛ إذ لم يبق منها سوى تكملة لهذا الجزء الجديد ستعرض في غضون العام المقبل، أنه صريح وربما 40 مليون دولار تقاضاها عن الفيلمين الأخيرين وحدهما تجعله قادرا على أن يكون صريحا إلى هذه الدرجة، كذلك ثقته بأنه أنجز لنفسه وضعا في فن السينما لم ينجزه آلاف من الممثلين الذين صعدوا وهبطوا خلال العقد ذاته من السنين من دون أن يتمتعوا بالفيلم الذي يمكنهم من تحويله إلى منصة انطلاق فعلية.

وردكليف ليس وحده في هذا الوضع، فزميلاه في البطولة روبرت غرينت وإيما واتسون يشاركانه المنعطف نفسه؛ فهما يقفان عند منعطف الطريق بعد انتهاء هذه السلسلة. من المحتمل جدا أن يكملا التمثيل، لكن هل سيحققان النجاح ذاته؟

على الشاشة، يستطيع المشاهد أن يقسم الممثلين إلى ثلاث نتائج:

ممثل أفضل من السابق: دانيال ردكليف.

ممثل أسوأ من السابق (ولو قليلا): إيما واتسون.

ممثل لا يزال يحاول ويحاول لكنه لا يزال نفسه: روبرت غرينت.

إذا كانت النتائج الفنية لأداء هؤلاء هي التي تطالعنا طوال الفيلم، فذلك لسبب واضح: هم كل هذا الفيلم وعليهم أن يحملوا عبأه، سواء أكانوا مستعدين لذلك أم لا.

الآن لدينا فيلم جديد مستوحى من نصف الرواية السابعة على أساس أن النصف الثاني منها سيشكل الفصل الأخير، وبذلك يصبح عدد الأفلام ثمانية وليس ستة كما كان مقررا من قبل. وهو فيلم يختلف عن الأفلام السابقة من عدة زوايا، من بينها أنها انطلقت على أساس مغامرات داخل مدرسة السحرة وأصبحت الآن مغامرة خارجها بالكامل. وكانت الأجزاء السابقة حافلة بالشخصيات المختلفة مع ممثلين معروفين ومرموقين من بينهم فيونا شو، أدريان رولينز، جورج هاريس، غاري أولدمن، ماغي سميث، جولي ولتر، مايكل غامبون، جيم برودبنت وإميلدا ستانتون. هؤلاء كلهم يغيبون هنا، أما تيموثي سبول وبرندان غليسون، وهيلينا بونهام كارتر وألان ريكمان فمساحاتهم باتت محدودة الظهور والتأثير. أما الأكثر حضورا من خارج هذا الثلاثي غير المرح، فهو راف فاينس ولو أن حضوره في النهاية لا يشكل أكثر من 15 دقيقة مجتمعة من أصل الفيلم ذي الساعتين.

وفي الوقت الذي تعوَّد فيه المشاهد على متابعة أحداث تقع في مدرسة هوغوورتس للسحرة، وهي مدرسة تشبه القلعة الفيكتورية ومبنية في عالم مواز تدخله حين تدلف جدار أحد أرصفة محطات القطار كما بين لنا الفيلم الأول، أو عن طريق الطيران إليها كما بين لنا الفيلم الثالث وما بعد، أصبحت الأحداث الآن تقع في غابة شاسعة يمر بها نهر جليدي وتتوسطها صخور بيضاء. في مكان ما فيها نصب الثلاثة خيمتهم فيها يعيشون وفيها ينامون وفيها يتدارسون كيفية الخروج من الورطة التي هم فيها.

هذه المرة، يقول لنا السيناريو الذي وضعه ستيف كلوفز ونفذه ديفيد ياتس (الذي أخرج الجزأين الخامس والسادس): الفتيان كبروا. صاروا في الفترة من العمر حيث تختلط المراهقة بالنضج، وحيث العواطف تعلو وتهبط تتخللها في ذلك أحاسيس من الغيرة والشك والحب. كونها غابة شتوية فإنها تخلو من الزهور، وإلا لقطف رون (روبرت غرينت) زهرة وسحب أوراقها، تحبني، لا تحبني، تحبني، لا تحبني. والفيلم سينتهي ونحن لسنا واثقين من ذلك، ففي حين أن الفيلم السابق مهد لأن هرمايني (إيما واتسون) تبادل رون الشعور العاطفي، إلا أنها هنا تبدو كما لو كانت تتمنى لو أنها في فيلم آخر. هذا يترك الممثل المندهش دائما غير واثق لا منها كشخصية فقط، بل من نفسه أيضا. في هذه الدلالة، هناك مشهد له يقع بعد أن اعتقد أن صديقه هاري (ردكليف) قد خطفها منه (برضاها) فغادر الفيلم ثم عاد إليها. في هذا المشهد يضع يده حول كتفها كمن يقول: إنها تنتمي إلي. لكن من بعد فشل إدارة المخرج لممثليه بدا أن المشهد ليس أكثر من يد ممدودة حول كتف مستسلمة. ليس هناك كيمياء ولا فيزياء. مجرد لقطة.

المهم أيضا هو أن أبطالنا الثلاثة هم في مرحلة عليهم فيها النجاة. في الأفلام السابقة واجهوا دائما المخاطر وعادوا منها منتصرين إلى عرين هوغوورتس. في هذا الفيلم المدرسة اختفت (استولى عليها الشرير اللورد فولدرمورت «رالف فاينس» والسقف انهار وهروبهم مفتوح على الاحتمالات وليست لديهم أي فكرة عما سيحدث لهم).

لقد هربوا إلى عدة مواقع بعد بداية لافتة هي الأكثر تشويقا من باقي المشاهد، ثم انتقلوا من موقع إلى آخر وصولا إلى تلك الغابة التي لن تكون ملاذا دائما لكنها ستكون محطة طويلة يطرحون فيها أسئلة من نوع: كيف نتصرف؟ وهل سنستطيع العودة؟ وماذا سنفعل الآن؟ في النهاية الجواب عن مستقبل هؤلاء ومصائرهم يترك مفتوحا حتى الفيلم المقبل.

ديفيد ياتس، ككل مخرجي الأجزاء السابقة، مايك نيوول، ألفونسو كوارون وكريس كولمبوس، لديه مهمة معقدة ومؤلفة من عدة طبقات: عليه أن يسرد حكاية مثيرة بحد ذاتها، وعليه أن يستفيد من معطياتها وما توفره، طبيعيا، من مؤثرات وأجواء غرائبية، وعليه أن يحرص على وضع درامي متبلور هو البطانة التي تحيط بكل شيء وتمنحه ثقله وضرورته.

لكن في حين أن نيوول وكوارون نجحا في تأمين توليفة شاملة لكل هذه المهام، بينما مال كريس كولمبوس إلى الخفيف والسهل وإن كان بإثارة، يبدو ياتس موزع الغايات من دون تحقيق أي منها على قدر كاف. لقد أنجز عملا أفضل حين تسلم المهمة سنة 2007 عندما أخرج «هاري بوتر وجماعة العنقاء»، لكنه أطاح بحسناته في فيلمه التالي «هاري بوتر والأمير خليط الدم» (2009) وهنا أوصل السلسلة إلى منحدر جديد. ليس أن الذنب ذنبه بقدر ما هو ذنب خطة تقسيم رواية واحدة إلى فصلين، ما جعل هذا الفصل يبدو تلخيصا لما سبق ومحطة انتظار لما سيلي.

ما واجهه المخرج هنا هو سيناريو يحتوي على حالة فراغ مملوءة بالحوار الذي يكرر الحالة بكلمات أخرى طوال الوقت. وفي حين أنه من المثير عادة أن يكون البطل في وضع متأزم وخطر طوال الوقت، لكن العادة ذاتها عليها أن تحتوي عناصر لعبة الكر والفر عوض الفر وحده كما الحالة هنا. ذلك الجزء الطويل الذي يدور في تلك الغابة وهي محطة لقطار تأخر وصوله. في الحقيقة، انتهى الفيلم والقطار لم يأت مطلقا.