سمعة مصر في المهرجانات السينمائية

البعض يطالب بأفلام الـ«كارت بوستال»

صورة جماعية لابطال فيلم «شوق» خلال عرضه لاول مرة في مهرجان القاهرة السينمائي («الشرق الاوسط»)
TT

داخل المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي عرض فيلم «الشوق» للمخرج خالد الحجر، ممثلا للسينما المصرية، وعلى الرغم من ذلك، لاحقه قبل وأثناء العرض اتهام بأنه يسيء إلى سمعة مصر؛ حيث إن أحداثه تجري داخل الحارة لنرى كيف يتواطأ الفقر والمرض والموت والجنس والاستغلال والإحباط الذي يعيشه أهل الحارة ليغتال آدميتهم.. وفي مهرجان «دبي» الذي يفتتح الأحد المقبل يشارك أيضا في المسابقة الرسمية للمهرجان فيلم «678» للمخرج محمد دياب، صاحب هذا الفيلم اتهام مماثل قبل عرضه وبمجرد الإعلان عن ترشيحه للمهرجان؛ حيث طالته أصابع الاتهام التي تشير كالعادة إلى أنه يسيء لسمعة مصر. وطالب أحد المحامين بمصادرته ومنعه من الخروج من مصر إلى دبي، على الرغم من أنه لم يكن قد شاهده ولكن فقط سمع عنه؛ حيث إنه يتناول ظاهرة التحرش الجنسي التي كثيرا ما تتناولها الصحف والإعلام، بل إن بعض دور العرض في وسط المدينة شهدت تحرشا ضد بعض الفتيات داخل هذه الدور وأيضا في الشوارع القريبة منها.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها مثل هذه الاتهامات معلقة فوق رؤوس الكثير من الكتاب والمخرجين.. في أغلب دول العالم الثالث كثيرا ما يصبح مطلوبا من الأعمال الفنية أن تتحول إلى «كارت بوستال» لتجميل وجه البلد أو هكذا يعتقد البعض، سواء في المجالس النيابية أو حتى بين عدد من المسؤولين يتصورون أن دور الفن والسينما تحديدا هو تقديم الوجه الإيجابي المشرق للبلد، وكثيرا ما وصل أمر الغاضبين إلى ساحة القضاء.. هذا الاتهام بالإساءة لسمعة مصر مثلا لم يسلم منه مخرجو أفلام الثمانينات في السينما المصرية أمثال عاطف الطيب، خيري بشارة، داود عبد السيد، محمد خان؛ حيث قال المخرج الراحل حسام الدين مصطفى، واصفا أفلامهم بأنهم يقدمون أفلام «الصراصير» يقصد أن أفلامهم تتعرض للعشوائيات التي تعيش فيها الصراصير.. إلا أن قضية الإساءة لسمعة مصر تعود إلى مطلع الخمسينات، المخرج صلاح أبو سيف طالته الاتهامات نفسها بسبب عدد من أفلامه الواقعية، بينما كان أكثر مخرج ضربته هذه الاتهامات في مقتل هو يوسف شاهين بعد أن عرض له عام 1991 فيلمه «القاهرة منورة بأهلها» في قسم أسبوعي المخرجين بمهرجان كان.. الفيلم يمزج بين الرؤية الدرامية والتسجيلية، تحدث عن مشكلات الشباب وطموحاتهم التي تصطدم بفساد الدولة، لم يكتف البعض فقط باتهام يوسف شاهين بالإساءة لسمعة مصر بل طالبوا في إحدى الجرائد الكبرى في مصر بسحب جواز سفره المصري واعتبروه مجرد «خواجة» يعيش في مصر ويحمل جنسيتها، لكنه لا ينتمي لها وكم جرحت هذه الكلمات يوسف شاهين، لكن عددا من الكتاب دافعوا بضراوة عن يوسف شاهين وحقه في التعبير.. أتذكر أن المخرجة اللبنانية جوسلين صعب قدمت فيلما اسمه «دنيا» قبل نحو 5 سنوات وعرض أيضا في مهرجان القاهرة وتناول في جانب منه ختان البنات.. أحداث الفيلم اللبناني تجري في حارة مصرية ولهذا ارتفع الصوت الذي يقول إن المخرجة اللبنانية تسيء إلى مصر وسمعتها وعليها أن تكتفي بعرض ما يجري في شوارع وحواري بلدها! هذه المرة قبل أن يعرض فيلم «الشوق» في المسابقتين الدولية والعربية بمهرجان القاهرة لاحقه الاتهام من أحد المحامين بالإساءة لسمعة مصر، وبعد عرض الفيلم تعالت همسات بعض الزملاء الصحافيين التي تؤكد أنه يعرض غسيلنا القذر على الأجانب، بل تساءلوا: كيف لمهرجان أن يعرض مثل هذا الفيلم؟ لي ملاحظات فنية عدة على الفيلم سوف أتناولها في مقال خاص قريبا، لكن ما علاقة سمعة مصر بما يجري داخل أحداث الفيلم؛ حيث إننا نرى فتاتين، هما «روبي» و«ميرهان»، تمارسان الجنس مع شابين؟ الفيلم يبرر في جزء منه هذه الخطيئة التي أدى إليها غياب الأم الدائم عن البيت وذهابها من الإسكندرية إلى القاهرة، كما أن الأب كان دائم السكر لا يعرف شيئا عن ابنتيه.. أيضا حالة الفقر التي تنضح بها بيوت هؤلاء والتي دفعت الأم إلى أن تتسول رزقها بالشحاذة وتلتقي امرأة هي أيضا تتسول رزقها في بيع الأشياء الصغيرة.. ينتهي الفيلم بموت الأم بينما الأموال التي اكتنزتها الأم من الشحاذة تتقاسمها الابنتان وقبل أن تغادرا منزلهما تتركان البقايا للأب.. الفيلم في جانب منه يحاكي مسرحية دورينمات الشهيرة «زيارة السيدة العجوز» لكنه لا يمنح السيناريو دوافع تلك السيدة التي تحاول شراء كل أهل قريتها انتقاما منهم بعد أن طردوها وهي شابة ولوثوا سمعتها، بينما هذه المرأة التي لعبت دورها سوسن بدر لم تجد أن الانتقام يملك منطقا، خاصة أننا بصدد شخصية من البداية مريضة نفسيا.. هكذا جاء بناء السيناريو.. تبقى هذه كلها ملاحظات فنية عابرة ولكنها في الحقيقة لا تعني أبدا اتهاما للفيلم بالإساءة لسمعة مصر!! وفي مهرجان دبي يعرض أيضا نهاية هذا الأسبوع الفيلم المصري «678»، المقصود بهذا الرقم هو الأتوبيس الذي يجري داخله جزء كبير من أحداث الفيلم؛ حيث يتم التحرش بالفتيات والسيدات.. ولقد أتيح لي مشاهدة الفيلم كنسخة عمل وهي مرحلة تسبق إعداد النسخة النهائية قبل المونتاج والمكساج النهائي للشريط السينمائي؛ حيث يتم التحرش الجنسي بالفتيات ويقدم الفيلم تنويعات على التحرش بالفتيات ونرى نساء من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية يعانين التحرش الذي أدى إلى إصابة البعض بأمراض نفسية.. بالفيلم توجيه مباشر يرفض التحرش الجنسي، وهو في الحقيقة يقدم الدوافع النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى ذلك حتى بين المتزوجين!! هذا التعبير «الإساءة لسمعة مصر» أطل قبل نحو 3 أعوام أيضا في مهرجان دبي مع فيلم «لولا» المغربي الذي أخرجه نبيل عيوش؛ لأنه قدم رحلة داخل مصر في لقاء مع راقصة وأتذكر أن عددا من الفنانين كانوا بين حضور المهرجان مثل النجم الكبير محمود ياسين الذي انتفض غاضبا داخل صالة العرض بعد نهاية عرض الفيلم واعتبره مسيئا لسمعة مصر وعندما رشح هذا الفيلم للعرض في افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي قبل عامين وبعد الإعلان عن افتتاحه للمهرجان حدث اعتراض عالي الصوت وتم إلغاء العرض في اللحظات الأخيرة.. وعلى الجانب الآخر غضبوا أيضا في المغرب من الفيلم المصري «الوعد».. الغريب أن محمود ياسين شارك في بطولته أمام «روبي» و«آسر ياسين».. الفيلم عرض قبل عامين. وسر غضب المغرب أن جزءا من الأحداث يجري في شوارع الدار البيضاء عن عصابة تتم مطاردتها.. تكرر الأمر مؤخرا ولكن تلفزيونيا هذه المرة مع المسلسل المصري «العار» عندما شاهدنا ضمن أحداثه فتاة ليل مغربية غضبت الجمعيات النسائية في المغرب واعتبر هذا الموقف يحمل إهانة للمرأة المغربية وهكذا نكتشف أن العرب الذين اختلفوا في السياسة والاقتصاد اتفقوا على شيء واحد وهو مواجهة الأعمال الفنية؛ حيث يعتبرون أن أي سلبيات تقدمها الأفلام تقع تحت طائلة قانون الإساءة لسمعة البلد وكأنهم يريدون من صناع الأفلام أن يعبئوا أشرطة سينمائية تتغزل في محاسن البلد على طريقة الصور السياحية «الكارت بوستال»!