«الليل الطويل» يعيد الممثلة الراحلة هند أبي اللمع إلى الشاشة الصغيرة

بعد مرور 20 عاما على غيابها

هند ابي اللمع وعبد المجيد مجزوب في مشهد من «الليل الطويل« («الشرق الاوسط»)
TT

عندما أعلن تلفزيون «المستقبل» عن عمل تلفزيوني يعرض لأول مرة للممثلة الراحلة هند أبي اللمع يجمعها بالممثل عبد المجيد مجذوب التقط اللبنانيون أنفاسهم ينتظرون المفاجأة، خاصة أن الراحلة مضى على غيابها عشرون عاما.

والمعروف أن هذا الثنائي أسهم في إيصال الدراما اللبنانية في السبعينات وأوائل الثمانينات إلى عصرها الذهبي من خلال عدة مسلسلات تلفزيونية بينها «حول غرفتي» و«عازف الليل» و«الانتظار»، و«لا تقولي وداعا» الذي جسدت فيه هند أبي اللمع دور الحبيبة التي تعاني من مرض عضال فأسدلت يومها الحلقة الأخيرة ستارها وهي بين يدي حبيبها عبد المجيد مجذوب جثة هامدة، فشاء القدر أن يكون مصيرها مطابقا لقصة المسلسل؛ إذ لم تمض فترة طويلة حتى اكتشفت وبعد صراع مع المرض أنها ستغادر الحياة حقيقة وهي في ريعان الشباب.

وكان الإعلامي زافين قيومجيان قد كرس حلقتان من برنامجه «سيرة وانفتحت» الذي يعرض على قناة «المستقبل» للتحدث عن هند أبي اللمع كتحية تكريمية لها بمناسبة مرور عشرين عاما على رحيلها، فاستضاف في الحلقة الأولى الممثل عبد المجيد مجذوب، في حين حل إلى جانبه في الحلقة الثانية ابنها الجراح د. ساسين ريمي ضيفا من أهل البيت فأبكى المشاهدين بعدما استرجع ذكرياته مع والدته.

وبالفعل أفرجت قناة «المستقبل» عن المفاجأة، فكانت بمثابة «تيليفيلم» بعنوان «الليل الطويل» وهو من إنتاج التلفزيون الأردني في السبعينات (1976) ومن إخراج زوج الممثلة الراحلة أنطوان ريمي وقد شاركها فيه باقة من الممثلين اللبنانيين. ولم تدفع «المستقبل» مبلغا معينا من المال مقابل الحصول على العمل؛ بل تم الوصول إلى اتفاق ضمني بينها وبين التلفزيون الأردني الذي أخرج من أرشيفه «الليل الطويل» الذي، حسب ما صرح به الممثل عبد المجيد المجذوب، قد كان هو شخصيا نسيه بعد أن مر وقت طويل على تصويره دون عرضه. وفي حديث لـ«الوتر السادس» وصف عبد المجيد مجذوب الراحلة بأنها كانت زهرة على صدر زمنها تفوح بالحنان والرقة واللطف وأنهما في الكواليس كانا زميلين بامتياز فلم يحاول مرة أن يُظهر لها أنه أكثر خبرة أو هدوءا؛ بل كانت تتقبل منه أي ملاحظة بامتنان، كما كان يتقبلها راضيا هو نفسه من زوجها الراحل أنطوان ريمي. وقال: «كان فيها الفرح والطفولة وكثير من الحزن، وكانت تستخرج من هذا الحزن الصدق في مواقفها التمثيلية التي تتطلب هذا الشعور النابع من قلب يعرف الحزن».

ونفى كل ما يتردد عن عدم انسجام ساد التعاطي بينهما، مشيرا إلى أن الزمالة كانت العنوان العريض لعلاقتهما ولا شيء أكثر أو أقل كان يربطهما أحدهما بالآخر.

يذكر أن الممثل عبد الجيد مجذوب يحضر حاليا لمسلسل تلفزيوني يتألف من ثلاثة أجزاء بعنوان «الغالبون» وهو إنتاج لبناني - سوري - إيراني مشترك ويتحدث عن حقبة الأحداث التي لفت لبنان منذ اجتياح إسرائيل للعاصمة بيروت وصولا إلى إغلاق «بوابة فاطمة» على الحدود اللبنانية في الجنوب.

وكانت الممثلة الراحلة قبل دخولها عالم التمثيل تعمل كملاحظة سيناريو مع زوجها المخرج أنطوان ريمي وكانت تصف هذه المرحلة بأنها أعدتها تدريجيا لتصبح ممثلة. وبسبب طبيعة عملها كريبورتر في إحدى الإذاعات في تلك الفترة التقيت «الأميرة» هند أبي اللمع ريمي أكثر من مرة، وكان الجميع يسمونها «الأميرة» لأنها من آل أبي اللمع وهي عائلة لبنانية عريقة توارثت الإمارة أبا عن جد.

وأذكر مرة في أحد لقاءاتنا ما قالته عن بداياتها عندما ذكرت أنها كانت شخصا لا يعرف التعبير عن مشاعره من خلال ملامح الوجه، إلا أن عملها في مجال التمثيل علمها كيف تظهر خوفها أو فرحها أو لا مبالاتها. وقبل رحيلها بفترة قصيرة روت لي كيف تلقت خبر نتيجة مرضها وهي موجودة في إحدى العيادات الطبية المشهورة في لندن والمتطورة في معالجة مرضها وقد نقلتها إليها يومها المطربة سميرة توفيق فروت متذكرة: «كنت في غرفتي في المشفى أنظر من خلف النافذة إلى الحديقة في الخارج عندما دخلت علي الطبيبة تشرح لي حقيقة مرضي ثم أنهت بالقول: (سيدتي يؤسفني أن أعلمك أنه لم يبق لك سوى أشهر قليلة وتغادرين الحياة لأن مرضك لم يعد يتفاعل معه أي علاج)». وتنهدت هند أبي اللمع وهي تسترجع هذا الموقف الحرج ثم نظرت إلي وقالت: «كنت أظن أنني أحلم فأنا غارقة في اللوحة الطبيعية أمامي في الحديقة فلم أصدق ما قالته لي الطبيبة، وعندما استوعبت الحقيقة وعدت إلى لبنان رحت أفكر ماذا بإمكاني أن أفعل في الأيام القليلة المتبقية لي فلم أستطع أن أصل إلى برنامج معين».

وكانت «الأميرة» تتحدث إلي وهي متعبة، فمرضها كان ينمو في قلبها وأي جهد تقوم به يظهر جليا عليها وكانت مقتنعة أن ما حصل لقلبها هو نتيجة لفحة هواء أُصيبت بها في أحد أيام الصيف الملتهب؛ إذ جلست مقابل المروحة الهوائية فغفت وهي تشعر بالحر وتتصبب عرقا. فكانت تبحث دائما عن سبب وقوعها في هذا المرض الذي لا يصيب إلا قلة نادرة من الناس. ويومها زودتني بنصيحة فقالت لي: «تذكري أن لا شيء في هذه الحياة يضاهي أهمية صحتك فلا تدعي دمعة تسقط من عينيك إلا لهذا السبب، وأي شيء آخر يبقى ثانويا، فأنا (التهيت) بأمور كثيرة وأمضيت معظم أوقاتي في المنزل ولم أتوقع يوما أنني سأندم لأنني لم أغرف من الحياة وبكميات كبيرة ما كان باستطاعتي أن أغرفه. فلا تحزني على شيء واغتنمي فرصة الحياة بكل جوارحها ونبضها ولحظاتها، فلا تأسفي إلا على صحتك إذا أصيبت بأي سوء».

ورحلت «الأميرة» في الخامس عشر من سبتمبر (أيلول) عام 1987 عن عمر يناهز الخمسين عاما وبقيت في ذاكرة الناس أجمل وجه تلفزيوني وصاحبة الابتسامة الرقيقة والأداء العفوي المفعم بالحيوية، وقد أخذت معها سر الحزن الذي كان يسكنها ويلمسه فيها كل من تعرف إليها عن كثب.