الرقابة المصرية توافق على عرض «لعبة عادلة» رغم الاعتراضات

حتى لا يصبح الاتهام بالتطبيع طلقات «فشنك»

شون بين وناعومي واتس في لقطة من «لعبة عادلة»
TT

بعد تردد استمر نحو أسبوع وافقت الرقابة المصرية على عرض الفيلم العالمي «لعبة عادلة».. كان اتحاد النقابات الفنية المصرية وغرفة صناعة السينما قد أصدرا قرارين أرسلاهما إلى مدير الرقابة على المصنفات الفنية المصرية سيد خطاب، يطالبان فيهما بعدم عرض الفيلم، حيث تشارك في دور صغير الممثلة الإسرائيلية ليزار شاهي. وفي هذا القرار الذي كان له مذاق الإنذار، أكدا أن عرض الفيلم يعتبر اختراقا لقرار منع التطبيع الثقافي مع إسرائيل.. الغريب أن كلا من الغرفة واتحاد النقابات الفنية قد تراجعا عن هذا القرار بعد إعلان الرقابة الموافقة على عرض الفيلم، مما يؤكد على هشاشة أسباب المنع التي استندا إليها!! «لعبة عادلة» عرض في مهرجان «كان» الأخير، وأثناء مراسم الافتتاح على السجادة الحمراء في قصر المهرجان هناك، تناقلت الصحافة والمحطات الفضائية صور «خالد النبوي»، الذي شارك في الفيلم في دور ثانوي، حيث جمعته أكثر من لقطة مع الممثلة الإسرائيلية التي أدت دور شقيقته في الأحداث.. قال (خالد) أثناء التحقيق الودي الذي أجراه نقيب الممثلين أشرف زكي قبل ثلاثة أشهر إنه لم يكن يعرف أن الممثلة إسرائيلية، وأنه عندما يتعاقد على عمل فني لا يسأل عن جنسيات الممثلين بجواره، وانتهى التحقيق، وأغلقت نقابة الممثلين نهائيا هذا الملف.. ثم عرض الفيلم في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في مهرجان أبوظبي وتجددت النيران والاتهام بالتطبيع مع إسرائيل، واعتبر أيضا اتحاد النقابات الفنية في مصر أن عرض الفيلم يستوجب قرارا بالشجب، وبالفعل أصدر الاتحاد قرارا يحذر فيه الفنانين المصريين من السفر إلى أبوظبي، وإلا اعتبروا أن هذا يعد تطبيعا، وبالتالي يتعرضون للشطب ويحرمون من ممارسة المهنة ولم يكن فقط سر غضب الاتحاد هو عرض هذا الفيلم، ولكن أيضا لأن المهرجان منح منتجة بريطانية تحمل جنسية أخرى إسرائيلية جائزة الجمهور عن فيلمها البريطاني «الغرب غربا»، وتم تحذير أي فنان مصري من السفر مجددا إلى أبوظبي في أي تظاهرة سينمائية يقيمها المهرجان!! الحقيقة أن سلاح التطبيع مع إسرائيل صار كثيرا ما يستخدم عشوائيا بلا منطق فني ولا سياسي.

ما هو التطبيع مع إسرائيل؟ هل عندما تدخل مثلا منتجة بريطانية إلى أراضي دولة الإمارات العربية.. هل يعد هذا تطبيعا؟ ثم عندما تحصل على جائزة وتعلن أن لديها جنسية أخرى إسرائيلية، هل يعد هذا تطبيعا؟ ما هي مسؤولية المهرجان - أي مهرجان - عن تصريحات ضيوفه؟ وهل المهرجانات المصرية تتأكد أن ضيوفها لا يحملون أي جوازات سفر أخرى قد تكون إسرائيلية؟ إن العبرة هي أن المهرجان وجه الدعوة للفنان، بناء على جنسية أوروبية أو أميركية، وليست إسرائيلية.. ويبقى السؤال عن التطبيع مع إسرائيل.. صارت هذه الكلمة مطاطة وتحتاج إلى أن يجتمع اتحاد النقابات الفنية مرة أخرى بعد 30 عاما من صدور قرار منع التطبيع لوضع الأسس التي يتحدد على أساسها معنى التطبيع مع إسرائيل حتى لا يجد الفنان أنه معرض لهذا الاتهام مثلا عندما يغني الفنان العربي في حفل يقام بـ«رام الله» أو يشارك في تظاهرة ثقافية، هل يعد هذا تطبيعا مع إسرائيل؟ بعض الفنانين مثل «هند صبري» واجهت هذا الاتهام عندما شاركت قبل عام في إحدى هذه الفعاليات الثقافية.. المطرب مدحت صالح قبل بضع سنوات واجه اتهاما مماثلا كان يؤكد أنه قد ذهب للغناء في «رام الله» من أجل الفلسطينيين، وأنه لا يجوز أن يعزل الفلسطينيين مرتين من سلطات القمع الإسرائيلية ومن العرب، يكفيهم عزلا واحدا وعلى الرغم من ذلك، تم التحقيق معه وأعلنوا براءته، بعد أن أكد في نقابة الموسيقيين المصرية أنه لم يقصد بغنائه في رام الله التطبيع مع إسرائيل.. لقد صدر قرار ملزم من اتحاد النقابات الفنية برئاسة الكاتب الراحل سعد الدين وهبة يمنع التطبيع الثقافي مع إسرائيل قبل نحو 30 عاما، وذلك في أعقاب اتفاقية السلام التي عقدها الرئيس السادات مع إسرائيل، وشهد المعرض الدولي للكتاب في القاهرة أول ثورة غضب، عندما قرر السادات إقامة جناح إسرائيلي في المعرض، واندلعت مظاهرات وحرائق داخل المعرض، احتجاجا على الوجود الإسرائيلي، ولم تستطع إسرائيل بعدها أن تقيم معرضا آخر في مصر.. إلا أنها لم تتوقف أبدا عن محاولاتها اختراق الصف من أجل أن تنفذ أفلامها إلى المهرجانات السينمائية العربية، تحديدا «القاهرة»، على اعتبار أن بينها وبين مصر اتفاقية سلام، ومع تعاقب القيادات على مهرجان القاهرة ظل الرفض هو سيد الموقف، منذ الراحل كمال الملاخ، ثم سعد الدين وهبة، الذي اعتبرته إسرائيل عدوها اللدود، بعد ذلك جاء حسين فهمي وشريف الشوباشي، وأخيرا عزت أبو عوف، ولا يزال القرار هو المنع.. لقد حاولت إسرائيل عام 2007 أن تنفذ إلى مهرجان القاهرة ثم أبوظبي، وجاء الرفض قاطعا.. الفيلم الذي وجدت فيه إسرائيل أنه سلاحها للنفاذ إلى مهرجانات العالم العربي هو «زيارة الفرقة» الذي يقدم الشخصية العربية برؤية إيجابية، وعلى الرغم من ذلك فقد رفض المهرجانان (القاهرة وأبوظبي) في نفس التوقيت عرض الفيلم، لأن الموقف هو «لا لإسرائيل»!! إسرائيل تسعى لأن تجد فرصة لكي تنفذ إلينا ثقافيا عن طريق عرض الأفلام التي نرى فيها انحيازا للشخصية العربية، إلا أن المبدأ هو لا لأي فيلم يحمل الجنسية الإسرائيلية أو يتعاطف مع إسرائيل، وهكذا مثلا كان موقف المثقفين المصريين عندما اعترضوا على عرض فيلم فرنسي لمخرجة إسرائيلية في مهرجان «الصورة» في شهر أبريل (نيسان) 2010، الذي يقيمه المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة، وعلى الرغم من أنه طبقا للقانون من حق السفارة أن تستضيف ما يراه من الفنانين والأفلام، وهو غير ملزم بتطبيق قرار اتحاد النقابات الفنية، الذي يرفض التطبيع، إلا أن الموقف الذي اتخذه الفنانون والمثقفون هو مقاطعة المهرجان، وهذا هو ما حدث، حيث تم إلغاء المسابقة الرسمية لمهرجان الصورة، الذي اضطر إلى ذلك بسبب انسحاب صناع الأفلام المصرية.. بل إن قصر السينما التابع لوزارة الثقافة المصرية أقام مهرجانا موازيا، شاركت فيه كل الأفلام التي انسحبت من مهرجان الصورة.. إنها بالتأكيد مواقف تؤكد إلى أي مدى هناك رفض لأي وجود إسرائيلي في المهرجانات العربية، إلا أن المطلوب الآن هو أن نحدد المواقف التي تعتبر تطبيعا مع إسرائيل والأخرى التي لا تحمل هذه الشبهة.. إن الاتهام الذي من الممكن أن يطال الجميع ينبغي أن نرصده ويتم تقنينه، لأن أغلب الفنانين معرضون لمواقف مماثلة، أتذكر أن عمرو واكد واجه أيضا نفس الاتهام، حيث إنه شارك قبل ثلاثة أعوام في بطولة فيلم أميركي «النهر»، ثم اكتشف عند عرض الفيلم أن من شاركه البطولة يحمل الجنسية الإسرائيلية وأثناء التحقيق معه في نقابة الممثلين، أكد أنه لم يكن يعرف أنه إسرائيلي وانتهي التحقيق ببراءة عمرو واكد!! الأمر يحتاج ليس فقط إلى رؤية محددة وثاقبة من اتحاد النقابات المصرية، ولكن أيضا إلى رؤية عربية من اتحاد الفنانين العرب من خلال جلسة موسعة تناقش خلالها ما هو التطبيع الثقافي مع إسرائيل؟ وهل مشاركة فنان عربي في فيلم عالمي مثل ، تعد تطبيعا، لأن فنانة إسرائيلية شاركت بالفيلم الذي كان يدين أميركا في غزوها للعراق، مشيرا إلى أنها لم تمتلك الدليل الذي يؤكد أن العراق لديه أسلحة دمار شامل.. الفيلم أميركي الجنسية، لأنه من إنتاج شركة سينمائية أميركية وأغلب عناصره الفنية أيضا أميركية، وشاركت في إنتاجه إحدى شركات الإنتاج في أبوظبي.

هل ارتكب الممثل المصري خالد النبوي خطأ عندما شارك في الفيلم؟ وإذا تصورنا أنه اعتذر بعد أن علم بأن فنانة إسرائيلية سوف تشترك في الفيلم، أليس من المحتمل أن يسند دوره إلى ممثل إسرائيلي؟! ينبغي لنا أن نحدد على وجه الدقة ما هو الذي يعد تطبيعا ثقافيا؟ ويجب أن يلتزم كل فنان عربي بتلك القواعد، وما هو الذي لا يندرج تحت هذا المسمى؟ وإلا وجدنا أنفسنا نمسك بهذا السلاح جزافا ونرمي طلقاته في وجه من يختلف معنا، الكل معرض إلى أن يطوله هذا الاتهام وتطارده تلك اللعنة، ونحن نقول له «امسك مطبع»!!