لمن القمة في ملعب الإخراج والمخرجين؟

الفانتازيات الكرتونية لم تعد حكرا على «ديزني».. وجمهورها من الصغار

جيمس كاميرون
TT

* أول لقطة ذات مرة، قبل نحو أربعين سنة، اكتشفت إعلامية أميركية أن النادل الذي أحضر لها ما طلبته في أحد المقاهي عضو في جمعية مراسلي هوليوود الأجانب. منذ ذلك الحين رددت وردد معها آخرون أن أعضاء هذه الجمعية إنما لديهم أعمال لا علاقة لها بالسينما وثقافتها، وذلك للنيل من الجمعية بأسرها. ربما اضطرت الظروف أحد الأعضاء في ذلك الحين للبحث عن عمل آخر، وربما تضطر الظروف بعضنا، نحن الأعضاء، للبحث عن معين آخر. الحاجة ليست عيبا. كيف تلبيها؟ هي التي قد تكون، والعمل في مقهى ليس عيبا. ها هو الممثل المعروف براد بيت اضطر ليرتدي زي دجاجة وعلى وجهه قناع بمنقار حين عمل مروجا لمحل بيع ساندويتشات دجاج. ما القضية؟

لكن إلى اليوم، وكلما اقترب موعد جوائز الـ«غولدن غلوب»، ردد الإعلام في هوليوود الحكاية ذاتها، وردد أيضا ما يفيد أننا مجموعة من مرتزقة الكتابة، وأننا لا نعدو سوى بضعة صحافيين لا قيمة لرأيهم. الحقيقة أن عددا كبيرا من الصحافيين المحليين، وبعضهم يمثل كبريات وسائل الإعلام، لا يعاملون المعاملة المميزة التي تعامل بها شركات هوليوود أعضاء هذه الجمعية، وهذا ما يثير حنقهم. آخر إشاعة أننا نقبل الرشاوى، والدليل أنه تم تسفيرنا إلى لاس فيغاس للقاء الفنانة شير. هذا مضحك، لأنه تم تسفير الكثير من الصحافيين غير الأعضاء إلى تلك المناسبة أيضا ولم يقل أحد شيئا عنهم... قلنا إنها الغيرة.

* إذا ما نظر المرء إلى ساحة النجاحات التجارية حول العالم، سيجد أن أنجح عشرة أفلام في العام الذي انتهى قبل أسابيع قليلة تتألف من أربعة أفلام أنيميشن هي «توي ستوري 3» (المركز الأول بإيراد بلغ بليونا و63 مليون دولار)، «شرك للأبد» (المركز الثالث: 937 مليون دولار)، «يا لخستي» (المركز الثامن: 542 مليون دولار) و«كيف تدرب تنينك؟» (المركز التاسع: 495 مليون دولار).

مجموعها بضعة بلايين من الدولارات دفعها الجمهور العريض حول العالم لحضور فانتازيات كارتونية كانت ذات يوم حكرا على «ديزني» وجمهورها من الصغار، والآن أصبحت تجذب الكبار قبل سواهم. مبدئيا، مخرج كل واحد من هذه الأفلام كان سببا أساسيا في نجاحها، لكن على عكس مخرجي الأفلام الحية (أي تلك التي يقوم بتمثيلها أناس حقيقيون) لن ينجز أي منهم الشهرة التي يتوخاها. لي أنكريتش، الذي نفذ فيلم «توي ستوري 3» بمهارة تقنية فذة استحق عليها الـ«غولدن غلوب» قبل أيام، وقد يخرج بـ«أوسكار» أفضل فيلم أنيميشن في الشهر المقبل، سيبقى اسما غير معروف إلا ضمن محيطه المباشر، كذلك الحال مع المخرجين الثلاثة الآخرين، وهم على توالي ذكر أفلامهم، مايك ميتشل، بيير كوفين ودين دبوا.

هذا مختلف عن مخرجي الأفلام الحية حتى وإن كان جمهور اليوم ليس مؤسسا على حضور الأفلام تبعا لأسماء مخرجيها إلا بمقدار محدد بأهم وأكبر الأسماء وحدها. هذا على عكس الستينات والسبعينات، حين كان الكثير من الإعلاميين والسينمائيين والجمهور يعرف من هو المقصود، حين يتم ذكر اسم أنطونيوني أو فيلليني أو برغمن أو تاركوفسكي أو هيتشكوك أو آرثر بن وسواهم.

والمسألة بالنسبة لهوليوود بها منذ عقدين أو ثلاثة: فقط المخرجون الذين يحققون أفلاما تنجز نجاحا قاطبا على نحو متوال، يمكن بناء جمهور من مشتري التذاكر بناء على تلك الأسماء. بكلمات أخرى، الفارق بين جيمس كاميرون ومايكل مان، أو ستيفن سبيلبرغ وجو جونسون هو أن كاميرون وسبيلبرغ أنجزا أفلاما ناجحة على نحو متلاحق، أما مان وجونسون فنجاحاتهما كانت متباعدة وما إن يتذكر البعض منا اسم الواحد منهما حتى ينساه بحلول الفيلم الآخر.

الأعوام القليلة الماضية، والعام الماضي على نحو خاص، من هذه الزاوية، كانت سنوات سجالات صعبة. هوليوود الحذرة أكثر وأكثر، الجمهور المتقلص تبعا لارتفاع سعر التذكرة وأسباب المعيشة دوما، كما ارتفاع تكلفة صنع الفيلم الواحد، مهما كان بسيطا، كلها تجعل الاعتماد على المخرج المناسب للفيلم المناسب أمرا بالغ الأهمية من دون أن يعني ذلك تقديرا خاصا لمهنته أو إبداعه.

إذا ما قسمنا المخرجين العاملين اليوم، ولو بنجاح متفاوت، إلى شلل ومجموعات، وجدنا أن معظمهم سريعا ما سيتبع خانات خاصة تجمع أعدادا منهم من غير تجانس أو أسلوب مشابه. كلينت إيستوود الكلاسيكي حتى آخر قطرة في أفلامه، هو هناك مع تيم بيرتون الغريب في كل أطواره. وديفيد فينشر الباحث في الفرد وتاريخه جنبا إلى جنب كريستوفر نولان مخرج المغامرات الفانتازية من طراز «باتمان» و«بداية». ولا حتى مخرجو الأفلام المسلسلة متساوون، نولان، وقد ذكرناه مثلا أسهل عليه إيجاد سلسلة جديدة ومكلفة يقوم بتحقيقها من لويس ليتريير، الذي أنجز الجزء الثاني من «الضخم» (ذلك الذي قام إدوارد نورتون ببطولته). في خضم ذلك، هناك مجموعات أخرى، بعضها احتل مكانة عالية ولا يزال ناجحا، وبعضها الآخر احتل مكانة عالية، لكنه - بحسبان الصناعة والتجارة - آل إلى الفشل. ثم ماذا عن المخرجات الإناث؟ أين هو مركز المخرجات اللواتي حققن أعمالا لافتة في العامين الأخيرين؟ هل هم متساوون والفرص الرجالية؟

التالي، إذن، حصيلة البحث حول مصائر بعض المخرجين العاملين حاليا في هوليوود. التجمعات المختلفة التي ينتمون إليها من دون تخطيط أو تدبير.

> مخرجو المسلسلات السينمائية الأعلى نجاحا يأتي كريستوفر نولان في المقدمة هنا. إنه المخرج الذي أحيا سلسلة «باتمان» من جديد، وعلى نحو بالغ النجاح بعدما كانت الفصول الذي أنجزت في التسعينات قضت عليه أو كادت. نولان استغل مركزه التجاري الجيد ليحقق أعمالا لم يكن يستطيع تحقيقها لولا ذلك النجاح. بالتحديد فيلمه للعام الماضي «بداية» (أو «استهلال») الذي جلب من السوق العالمية 824 مليون دولار.

غور فربينسكي مخرج آخر أنجز نجاحات كبيرة عبر سلسلة واحدة هي سلسلة «قراصنة الكاريبي»، إذ حقق منها ثلاثة (الرابع من تحقيق روب مارشال، المعروف بأعمال تنحو للفن الاستعراضي من قبل آخرها «تسعة»).

فربينسكي يشترك مع المخرج سام رايمي في غموض المستقبل، فسام أيضا هو مخرج مسلسل سينمائي ناجح، هو «سبايدر مان»، ومثله تمت تنحيته عن الجزء الرابع. كلاهما عليه أن يجهد في سبيل البقاء على السدة، بصرف النظر عن اسميهما المعروفين.

إلى هؤلاء الثلاثة، هناك جون فاريو، الذي انضم منذ عامين إلى هذه المجموعة لأنه أنجز الجزءين الأول والثاني من «آيرون مان»، كذلك غويلرمو دل تورو، صاحب «هل بوي» في جزءيه وبانتظار معرفة من الذي سيلي الأول في الجزء الثالث من «آيرون مان» بعدما تردد أنه سوف لن يخرجه.

> مخرجون على قمم فنية هذه المجموعة اعتادت على حسن استقبال أفلامها عاما بعد عام. لا تحقق النجاحات التجارية الكبيرة التي ينجزها آخرون كثيرون، لكن هوليوود ما زالت تؤمن بهم وتعاملهم على أساس أنهم قمم فنية.

كلينت إيستوود المخرج الذي لا يتوقف عن العمل، على الرغم من أنه تجاوز الثمانين من العمر. فيلمه الأخير «من الآن» لم ينجز النجاح الكبير الذي تمناه البعض له، لكن إيستوود من المخرجين الذين يفضلون القيمة على الرواج، وهذا، لجانب أنه لا يتطلب ميزانيات تقصم الظهر، يعتبر من حسناته ويقرب هوليوود إليه.

في المجموعة نفسها، نجد مارتن سكورسيزي، المخرج الأكثر تمتعا بالجوائز وشهادات التقدير في السنوات الثلاثين الأخيرة. أفلامه تزداد جودة مع الزمن وهو لجانب إيستوود، الأكثر نشاطا بين مخرجي السبعينات، خصوصا حين مقارنته بفرانسيس فورد كوبولا وبرايان دي بالما من بين آخرين.

تيم بيرتون، مخرج آخر يستحق القائمة. أميركي عرف بأفلامه الغرائبية، مثل «الكابوس قبل الكريسماس» و«سيزر هاندز» و«سويني تود». آخر أفلامه للآن، «أليس في أرض العجائب» هو الثاني في مرتبة أعلى إيرادات العام الماضي، إذ حقق عالميا بليونا و24 مليون دولار.

أيضا في القائمة كل من كونتن تارانتينو، ستيفن سودربيرغ.

> وجوائز الجمهور تذهب إلى....

في صناعة مبنية على النجاح الجماهيري، فإن البقاء على السدة أمر يحدث مرة واحدة وإن فعل فإلى الأبد. ها هي أسماء خمسة ليس بالإمكان زحزحتهم حتى ولو سقط الفيلم المقبل لهم، وهو أمر ليس محتملا.

جيمس كاميرون: مخرج «أفاتار» و«تايتانيك» وكلاهما، كما هو نفسه، غني عن التعريف.

ستيفن سبيلبرغ: ليس لديه فيلم كل عام، لكن كل فيلم يقدمه يتحول إلى حدث.

جورج لوكاس: هذا المخرج تخصص في سلسلة واحدة بالطبع هي سلسلة «ستار وورز»، يعيد ويكرر نفسه بلا توقف ويقبل الجمهور على أفلامه بلا توقف أيضا.

ريدلي سكوت: إنه في الحقيقة مخرج حائر بين عدة قوائم، هو هنا لنجاحات سابقة، وربما لاحقة لأنه سيعود إلى واحد من أكثر أفلامه نجاحا، وهو فيلمه الخيالي العلمي، الذي كان بداية لسلسلة رائجة، وهو Alien.