سيف الدين سبيعي: رفضت إخراج 4 أعمال مصرية لأن نصوصها ضعيفة

المخرج السوري لـ «الشرق الأوسط»: لن أخرج بعد اليوم أي عمل بيئي شامي لأنها قصص متخيلة لم تحدث ولن تحدث

المخرج السوري، سيف الدين سبيعي
TT

على الرغم من أن تجربته الفنية التي انطلقت قبل نحو 15 عاما بدأها من التمثيل ومن أمام الكاميرا؛ فظهر في كثير من الأعمال التلفزيونية الكوميدية والاجتماعية المعاصرة وغيرها، فإنه، وفي السنوات السبع الأخيرة، قرر أن يكون خلف الكاميرا مخرجا وليس ممثلا، ويبدو أن اختياره كان موفقا، حيث قدم كمخرج كثيرا من المسلسلات التلفزيونية السورية الاجتماعية المعاصرة والشامية والتاريخية والكوميدية، فكان، وحسب كثير من المتابعين لتجربته الفنية من نقاد ومهتمين، ماسكا لكل أدوات الإخراج وفاهما لمتطلباته ومفرداته من حيث إنه يجب أن يكون المايسترو والقائد في أي عمل تلفزيوني ليضبط إيقاعه ويوصله لبر الأمان، منجزا بالشكل التقني والإبداعي المطلوب والمرجع الهادئ للعاملين معه من ممثلين وفنيين بما يحقق مقومات النجاح والتميز ويترك بصمته على العمل التلفزيوني، في ظل وجود منافسين أقوياء له في مجال الإخراج الدرامي السوري. إنه الفنان والمخرج السوري سيف الدين سبيعي، الذي التقته «الشرق الأوسط» في دمشق فكان الحوار التالي:

* ما هي الأعمال الجديدة التي أخرجتها أو تخرجها حاليا؟

- انتهيت مؤخرا من تصوير مسلسل «تعب المشوار»، وهو عمل اجتماعي معاصر يتحدث عن التعب الذي يصادف مختلف الأجيال بسبب الجري وراء تحقيق الأحلام، والانكسارات التي تصيب مختلف الأعمار، وهو من تمثيل مجموعة كبيرة من النجوم، ومنهم عباس النوري وباسم ياخور وكاريس بشار وديمة قندلفت وآخرين، وإنتاج شركة «بانه»، وأحضر حاليا لإخراج مسلسل «طالع الفضة»، وهو اجتماعي تاريخي، وليس له علاقة بالبيئة وعناصر البيئة على الرغم من أن أحداثه تجري بين أعوام 1914 و1920 أيام سفر برلك، وتجري أحداثه في حارة تحمل نفس الاسم، وتقع في آخر سوق مدحت باشا بدمشق القديمة، وكانت تضم أناسا يعيشون مع بعضهم ينتمون للأديان السماوية الثلاثة؛ يهودية ومسيحية وإسلام، وهو يقدم قصصا اجتماعية بقالب تاريخي، والعمل من تأليف الكاتبة عنود خالد زوجة الفنان عباس النوري.

* أخرجت أعمالا من البيئة الشامية، مثل الجزء الثاني من «أهل الراية» و«الحصرم الشامي»، هناك رأي للكثير من المتابعين والمهتمين أن هذه الأعمال خيالية وفانتازيا شامية؟

- «الحصرم الشامي» ليس عملا من البيئة، بل هو تاريخي، وتجري أحداثه في دمشق، وباللهجة الشامية، وشخصياته موثقة وحقيقية، وفيما يتعلق بأعمال البيئة، وعلى الرغم من أنني أخرجت أحدها، وهو الجزء الثاني من «أهل الراية»؛ فلي رأي في هذه الأعمال، وهي أنها «قصص جدات»؛ فلا المكان حقيقي، وكذلك الزمان والظرف ليسا حقيقيين؛ فهي كلها قصص متخيلة الهدف منها تحفيز شعور النخوة لدى الناس من خلال قصص خيالية لم تحصل ولن تحصل، وخطر بذهني أن أكتب في مقدمة عمل «أهل الراية» في الشارة أن هذه القصة لم تحدث ولن تحدث.

* ولكن هذه الأعمال حققت جماهيرية واسعة؟

- أنا شخصيا بت أخاف من مقولة الجماهيرية، ولم تعد تعنيني، لأن الذائقة العامة في تراجع، ولذلك صرت أشعر بأن العمل عندما يصير جماهيريا فهو بالضرورة عمل متراجع، ولذلك صار لدي تصور هنا، هو أن أي عمل أخرجه أرغب في أن أرى أناس أحبته، والعكس بالعكس، وهذا ما حصل في مسلسلي «الخوف» و«العزلة»، وأرى هنا أن العمل الذي يحبه الناس جميعهم هو عمل سيئ فنيا.

* ولكن يقال إن أعمال البيئة الشامية خدمت الدراما السورية وانتشارها؟

- هذه الأعمال أضرت بتاريخ دمشق وبتاريخ المجتمع السوري، وقزمّت شكل المرأة والرجل وصورتيهما لدى الجمهور، ودمشق مدينة أعقد بكثير مما قدمته هذه الأعمال؛ فهي أعقد من «حارة الضبع» ومن «القبضايات»، ولكن هناك نقطتان إيجابيتان لها وهما أنها عملت تسويقا للممثلين وللهجة الدمشقية.

* هل إذا عرض عليك إخراج عمل بيئي شامي لن تقبل؟

- قطعا، لن أخرج بعد اليوم وفي حياتي أي عمل بيئي شامي، وهذا قرار نهائي لا رجعة عنه.

* هناك منافسات قوية تواجه الدراما السورية، ومنها الأعمال المدبلجة والدراما المصرية والدراما الخليجية ما رأيك بذلك؟

- هذا أمر طبيعي؛ فالدراما المصرية تراجعت لفترة، ولكنها عادت بقوة كما حصل في العام الماضي، والدراما الخليجية تتطور باستمرار، إضافة إلى أن المحطات التلفزيونية الرئيسية هي خليجية، أما الدراما التركية فهي خيار وتقدم باللهجة السورية، ولذلك في رأيي أن حماية الدراما السورية تنبع من إيجاد سوق حقيقية لها في سورية، مثل اعتماد المصريين على محطاتهم التلفزيونية، حيث حموا أعمالهم بمحطاتهم، ويمكن بكل بساطة أن يكون في سورية عشر محطات ستستوعب كل الإنتاج الدرامي السوري، حيث لدينا نماذج حياة مختلفة، ولدينا غنى بالتشكيلة الاجتماعية بشكل يساعدنا على تأسيس كثير من المحطات التلفزيونية، وهذه الطريقة الوحيدة لحماية الدراما السورية، وإلا ستتحول إلى منتج غير مرغوب، أو ستقل الرغبة عليه في ظل وجود هذه المنافسة الكبيرة.

* هل عُرض عليك إخراج عمل درامي مصري؟

- عرض علي نحو 4 أعمال، ولكنني اعتذرت لأن النصوص لم تعجبني وأنا لست ضد العمل مع الدراما المصرية، حيث أعمل في أي مكان إذا كان المشروع جميلا والنص جميلا، ولذلك ما عرض علي لم يعجبني على الصعيد الفني، ولم أجد أنه أهم مما أخرجه هنا في سورية، ولذلك عندما أجد العمل المميز، فسأخرج عملا مصريا.

* كيف تنظر لتجربة المخرجين السوريين مع الدراما المصرية؟

- في رأيي أن التجربة الوحيدة المختلفة والمتميزة هي تجربة حاتم علي في الملك فاروق، ولا يمكن اعتبار العمل مصريا لأن الإنتاج سعودي وبطله سوري، وهناك مشاركة ممثلين مصريين، وقد قدمت مقترحا مختلفا وخدمت الدراما المصرية، أما تجربة المخرجين الآخرين فلم أرها متميزة، ولم تضف شيئا مختلفا، ولذلك تجاربهم لا تذكر، وهي عادية، ومرت مرور الكرام ولم تعمل تحولا في الدراما.

* يلاحظ أنك تعاملت مع العملية الإخراجية بإتقان ومهارة، وهناك رغبة لكثير من الممثلين في العمل معك، كيف ترى هذا الأمر؟ وما هي أدوات التميز الإخراجي لديك؟

- الحمد لله، أنا أتمنى أن يعمل جميع الممثلين معي، وفي رأيي أن هذا الشيء سببه الأرضية الصلبة التي أوقفني عليها المخرج هيثم حقي، وهي بشكل أساسي الثقافة، حيث كان المحرض الأكبر لي لأن أكون مخرجا؛ يعرف ماذا يعمل وأهم ما علمني هيثم حقي هو أن أجيب على أي سؤال أتعرض له؛ فأي شيء أعمله في الإخراج يجب أن يكون جوابه حاضرا، وهذا الأمر جعلني أعمل بمسؤولية وأعرف أين أضع الكاميرا وأحركها في الاتجاه الصحيح، ولذلك الممثل يرتاح عندما يشعر أنه يعمل مع مخرج يعرف ماذا يريد؛ فيقرر أن يكون معه بكل تفاصيل الدور، لأن الممثل بحاجة دائمة لمن يراقبه بالشكل الصحيح.

* يقال إن المخرج الديكتاتوري العصبي يبتعد عنه الممثلون.

- في رأيي أن كل شيء له علاقة بالعصبية يكون ناتجا عن قلة ثقة بالنفس، ولذلك يحاول أن يغطي هذا الشيء بالصراخ وبترهيب الناس، بينما كلما كان المخرج يعرف ماذا يعمل ويعرف ماذا يريد؛ فلا حاجة للصراخ ولا للديكتاتورية؛ فعندما يأتي ممثل ولديه اقتراح، فإذا كان متناسبا مع وجهة نظر المخرج للنص فيجب على المخرج الأخذ بهذا الاقتراح، أما إذا لم يتناسب فيقول له «لا يمشي الحال للأسباب كذا وكذا»، فلماذا يرد المخرج على اقتراح الممثل بديكتاتورية وعدم اكتراث، لماذا لا يبرر له عدم قبوله لمقترحه بكل بساطة وهدوء؟

* ما صفات المخرج المجتهد والناجح في رأيك؟

- الثقافة.. فلا يجوز أن يكون مخرجا وغير مثقف، ولا يجوز ألا يعرف بكل شيء؛ حتى الطبخ والسياحة والكتب والروايات والأدب والرسم، فسلاح المخرج الثقافة، فلا يمكن أن أرى مخرجا لم يقرأ على الأقل 200 رواية، كيف يمكن أن يكون مخرجا ولم يقرأ عشرات الروايات ومئات المسرحيات؟! كذلك عليه أن يكون متابعا للتطورات والأحداث فمهنة الإخراج مهنة لا تنتهي عند حد معين، وأي مخرج يشعر أنه وصل لذروة المهنة فعليه أن يتقاعد عن العمل الإخراجي، فالمطلوب من المخرج أن يظل يتعلم طيلة حياته، حتى لو صار في الثمانين من العمر، المخرج العالمي ريدلي سكوت عمره في السبعينات وما زال يقدم مقترحاته.

* ما رأيك بتجربة الممثلين المخرجين؟

- هناك تجارب نجحت وأخرى فشلت وتوقفت، وعرف الممثل أنه ليس مخرجا؛ فالعمل الإخراجي متعب، والبعض من الممثلين يعتقد أن العملية الإخراجية نزهة، فيدخلها، ولكنه يشعر حينها بتعبها وكيف عليه الاستيقاظ مبكرا ومتابعة الكادر والممثلين، فيعدل عن العملية الإخراجية.

* ما رأيك في الدراما المدبلجة؟

- هي تشبه أي شيء سائد يحبه الناس، وكما تستفز الدراما الشامية النخوة لدى الناس فإن الدراما التركية المدبلجة اخترعت عالما رومانسيا طويلا وممطوطا ومملا، ولكن الناس تحب متابعته بشكل يومي، ولكنه يبقى عالما رومانسيا فيه الحب والعلاقات المتباينة من «زعل» وأحداث طويلة، مرة شاهدت حلقة كاملة من عمل مدبلج لم يحصل فيها أحدث! ولذلك يكون المسلسل مائة حلقة وأكثر، ولكن يبقى لها فوائد، حيث وفرت فرص عمل لممثلين كثر لم يكونوا يعملون في التلفزيون وكانوا يعيشون من الإذاعة أو من مشاركات بسيطة، ولذلك الدراما المدبلجة فتحت باب رزق، ولذلك هي شيء جيد.

* أخرجت كل أنواع الأعمال التلفزيونية؛ أين تجد نفسك؟

- في النص الجيد مهما كان نوعه، حتى لو كان بدويا، فعندما يكون معك ورق جيد يكون المسلسل جيدا، أما إذا كان الورق ضعيفا فلن يخرج عملا تلفزيونيا جيدا، ولذلك مهما كانت المادة ونوعها فإنها تغريني إذا كانت جيدة وبنية النص جيدة، حيث لا يوجد لدي تحفظ على أي نوع درامي ولا على المكان، في ظل وجود النص الجيد.

* حتى لو كان هناك أفكار ونصوص مكررة؟

- أفكار ماذا؟ لم يعد هناك أفكار جديدة، فكلها مكررة، مثل الحب والزواج والطلاق والخيانة وغيرها، كلها قدمت عبر تاريخ الدراما، ولكن طريقة تناولها وعرضها هنا هو المختلف ما بين العمل والآخر.

* ما العمل الذي كنت ترغب في إخراجه، ولم تتح لك الفرصة لذلك؟

- لا أرى أن هناك عملا كبيرا تمنيت أن أخرجه أنا وأخرجه غيري، ولكن هناك عمل قديم تمنيت لو كنت أخرجته، وهو مسلسل «وادي لمسك» وكنت طفلا عندما قدم، حتى إنني ظهرت في مشهد فيه أسير وأنا طفل بجانب والدي في الحارة، وحتى الآن لدي رغبة في إعادته كإخراج جديد، ومن الممكن أن يحصل ذلك من خلال ممثلين جدد.

* هناك ظاهرة حاليا في الدراما السورية، وهي إعادة إنتاج وتصوير أعمال قديمة، مثل «أسعد الوراق» و«دليلة والزيبق»؛ كيف تنظر لهذه الظاهرة؟

- في رأيي أن إعادة مسلسل «أسعد الوراق» أضر به، لأن حكايته بسيطة وصغيرة، وما أساء له هو تقديم عالم آخر ليصبح العمل أطول وفي ثلاثين حلقة، وهذا ما أضر بحكايته الأساسية التي قدمت في سبع حلقات فقط، ولذلك لم أكن مع هذا العمل وإعادته بهذا الشكل، أما إعادة إنتاج وتصوير أعمال قديمة فهذه طبيعية وموجودة في كل الأمكنة والبلدان، حيث أعيد تصوير أفلام سينمائية عالمية لمرتين وثلاث.

* هل لديك هوايات أخرى؟

- أحب الغناء، ولدي فرقة، وأغني معها، ولكن لا أقدم نفسي كمطرب، بل أغني ضمن إطار هذه الفرقة، واسمها «مرمر»، وتقدم حفلات ونحضر لألبوم غنائي جديد سيظهر في شهر فبراير (شباط) المقبل، وهي تقدم موسيقى غربية شبابية، ولكن كلمات أغانيها عربية، ومواضيعها سورية. ولدي هواية القراءة ومشاهدة أفلام بكثرة، ولكن أعمالي لا أشاهدها عند عرضها، حيث أكون قد شاهدتها عدة مرات في المونتاج والمكساج وغير ذلك، فلا أطيق مشاهدتها على القنوات التلفزيونية.

* كيف هو وضعك العائلي؟

- لدي وزوجتي، سلافة معمار، طفلة بعمر أربع سنوات، واسمها «دهب».

* هناك من يتساءل عن سبب انخفاض وزنك بشكل كبير في السنة الأخيرة؛ ما الأسباب؟

- خفضت وزني 44 كيلوغراما، ووصلت حاليا لوزني الطبيعي، وقد أجريت عملية تصغير معدة.