الفيلم اللبناني «شتي يا دني»: عودة إلى قضية المخطوفين اللبنانيين في جوانبها النفسية والاجتماعية

للمخرج بهيج حجيج الذي اختار أن يلقي الضوء على تداعيات الحرب حاصدا بذلك جوائز عدة

جوليا قصار وكارمن لبّس وديامان أبو عبود وإيلي متري في مشهد من الفيلم
TT

في فيلمه «شتّي يا دني»، يستكمل المخرج اللبناني بهيج حجيج مسيرته السينمائية من دون أن يخرج نهائيا أو أن يتفلت من عقال «روح» الحرب اللبنانية التي «كبلت» أفلامه السابقة، وأهمها الوثائقي «المخطوفون»، و«زنّار النار»، لكنه هذه المرة وسع دائرة بحثه فاختار أن «يغوص» في قضية المخطوفين اللبنانيين النفسية والاجتماعية بعيدا عن الجانب السياسي الذي بات عصيا على التفسير أو الوصول به إلى نتيجة شافية. وإضافة إلى قضية «شتي يا دني» الأساسية، نجح حجيج في تسليط الضوء على قضايا اجتماعية في لبنان، لا سيما تلك التي تدور داخل جدران البيوت، من «نضال» المرأة والأم والزوجة اللبنانية، إلى مشكلات الشباب والحياة الاجتماعية. كذلك، وعلى خط درامي آخر، كان لمعاناة أهالي الضحايا وقعها بين مشاهد الفيلم الأساسية، وكانت ذات تأثير واضح في حبكة القضية الأم ومجرياتها، وذلك من خلال إلقاء الضوء على معاناة واقعية عاشتها الصحافية اللبنانية نايفة النجار التي خطف ابنها وهو في سن الـ13 عاما خلال الحرب اللبنانية، وبقيت تكتب له ولخاطفيه مقالات ورسائل على أمل أن تلتقي به مجددا، إلى أن وصلت إلى حائط مسدود وقررت بعد تسعة أشهر من اختفائه الانتحار قبل أن تنعم برؤية طفلها، وقد برعت في تأدية هذا الدور الممثلة اللبنانية برناديت حديب.

وفي ما يتعلق بمحور قضية حجيج الاجتماعية بشكل عام والنفسية بشكل خاص، جاءت القصة المستقاة من نص لمسرحية «إنها تمطر أكياسا»، التي كتبها سام بردويل وإيمان حميدان، وتولى حجيج بنفسه كتابة السيناريو، فهو يرتكز على شخصية رامز الذي برع في تأدية دوره الممثل اللبناني حسان مراد، وهو واحد من آلاف اللبنانيين الذين تعرضوا للخطف خلال الحرب اللبنانية بين عامي 1975 و1990، وقد أفرج عنه بعد اختفائه 20 عاما، ليعود وهو في العقد الخامس من العمر، بعدما ضاعت سنوات شبابه داخل قضبان السجن حيث تعرض للتعذيب، غريبا عاطفيا ونفسيا في كنف عائلته المؤلفة من زوجته التي أدت دورها الممثلة اللبنانية جوليا قصار، وابنه وابنته اللذين يعيشان أهم مرحلة من حياتهما في تقرير مسار مستقبلهما. وقد قامت بدور الابنة، الممثلة اللبنانية ديامان أبو عبود، والابن الممثل اللبناني إيلي متري. وعودة رامز، غير المتوقعة، تجعل أفراد عائلته الذين لطالما انتظروه لكنهم في الوقت عينه اعتادوا على غيابه جسديا ونفسيا، يعيشون مشاعر تتأرجح بين رفضهم لهذه التغيرات المستجدة ومحاولة تأقلمهم مع «الحضور الأبوي» الجديد. وهنا يطلق حجيج العنان لمخيلته الإخراجية لتغوص في تفاصيل حياتية عائلية يومية، وصولا إلى الغربة التي يشعر بها المخطوف العائد المريض والمضطرب نفسيا تجاه زوجته التي تعيش حياتها بحرية اجتماعية واستقلالية تامة وتتولى إدارة البيت بمفردها. واقع الغربة هذا الاجتماعي والنفسي جعل رامز يبحث عما يعوض عنه من ألفة وعاطفة وحب في زوجة لبناني مخطوف آخر لا تزال هي أيضا تعيش على أطلال ذاكرة الماضي بانتظار زوجها الذي اختطف من بيته منذ عشرين عاما على أمل عودته، رافضة حتى التفكير في مجرد احتمال وفاته، وهي الحقيقة المرة التي أخبرها إياها رامز.

وفي مداخلة له خلال العرض الافتتاحي لـ«شتي يا دني» في صالة «سينما سيتي» في بيروت، أشار حجيج إلى أن صعابا كثيرة واجهت تنفيذ الفيلم، لا سيما منها المتعلقة بالناحية الإنتاجية، وفي مراحل عدة كاد يتوقف. وقال «الفيلم له علاقة بتداعيات الحرب، لكنه بعيد عن مشاهدها. جرح قضية المخطوفين والمفقودين ما زال مفتوحا، وهو مطروح دائما في النقاشات السياسية، لكنني شئت أن أعالجه من زاوية ما بعد العودة، لا من زاوية الخطف بالذات». ويلفت إلى حضور نايفة النجار التي وإن ظهرت في مشاهد من الفيلم لا علاقة لها بالقصة الأساسية، فإنها تشكل ضمير الفيلم.

وعن اختياره للممثلين، قال حجيج «حسان مراد كان غائبا عن الساحة الفنية، لكني وجدت فيه ممثلا يمكن أن يؤدي الدور، وقد نجح في المهمة على أكمل وجه». ورأى حجيج أن «كلا من جوليا قصار وكارمن لبّس تتمتع بفرادة تمثيلية خاصة، وهما ممثلتان قديرتان جدا ولكل منهما خط مختلف ومقاربة مختلفة للدور، وهذا أمر يغني الفيلم والشخصية، كما كان لحضور برناديت حديب وقع قوي جدا».

ومنذ إطلاقه نجح «شتي يا دني» في حصد جوائز عدة، منها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي جائزة «اللؤلؤة السوداء» لأفضل فيلم روائي طويل من العالم العربي، في الدورة الرابعة من مهرجان أبوظبي السينمائي، وشارك في مهرجان الدوحة «ترايبيكا» السينمائي السنوي الثاني الذي نظمته مؤسسة الدوحة للأفلام، كما عرض ضمن محور «البانوراما العالمية»، من خارج المسابقة. كما فاز بطله حسان مراد بجائزة أفضل ممثل في المهرجان الدولي السابع والثلاثين للأفلام المستقلة في بروكسل، ونال مخرجه بهيج حجيج جائزة أفضل إخراج في مهرجان وهران الدولي الرابع للفيلم العربي.

وفي ما يتعلق بتكلفة الفيلم الذي صور بكاميرا «سينما رقمية»، قال حجيج «استغرق العمل عليه أربع سنوات، وبلغت تكلفته نحو 500 ألف دولار»، مشيرا إلى أنه أنتج بأموال خاصة وبدعم منظمة الفرنكفونية، ومن صندوق «سند» الذي أسسه مهرجان أبوظبي السينمائي.