تساؤلات عن إمكانية سقوط الفن الهابط على يد الثورات العربية

الصافي: أدعو إلى إحداث رخاء في الوضع الفني * فرنسيس: سنشهد تغييرا في التعاطي الإعلامي * شرارة: الثورات الشعبية لا تغير الفنون

TT

انتفاضة الشعوب العربية، يبدو أنها مستمرة، فبعد سقوط نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك، واقتراب موعد سقوط نظام معمر القذافي، يلحظ البعض تأثيرا لما يحدث على الفن.

أثناء ثورة 25 يناير واحتشاد الناس على اختلاف فئاتهم في ميدان التحرير، غاب صوت تامر حسني وعمرو دياب عن الساحات والأسماع، ووجد الثوار في أغنيات سيد إمام وعبد الحليم حافظ صدى حقيقيا يعبر عن مطالبهم وهواجسهم، وبعد تحقيق أهداف الثورة، خسر تامر حسني لقب «مطرب الجيل»، الجيل الذي خذله وفضل عليه النظام، ومثله لم يعد عمرو دياب «مطرب مصر الأول»، بعدما غادر مصر هو وأسرته أثناء الثورة، ثم غنى للشهداء فيما بعد، مما أثار سخط الكثيرين واتهاماتهم، حتى إنهم أنشأوا «غروبات» وصفحات على «فيس بوك» تحمل عنوان «وداعا عمرو دياب أقعد في البيت أحسن».

وبما أن الفن هو مرآة المجتمع ويعكس أحوالها سلبا وإيجابيا، فهل يمكن أن تشهد المرحلة المقبلة ثورات على الفن الهابط، وتقوم المجتمعات بإسقاط أغنيات «الهشك بشك»! الفنان الكبير وديع الصافي دعا إلى تحقيق رخاء فني يلي الرخاء السياسي والاقتصادي الذي دعت إليه الشعوب «من واجبي أن أدعو إلى خطوة مماثلة، لأن الفن الجيد هو وحده الذي يدوم، ولذلك أتمنى أن تلي اليقظة السياسية والاجتماعية، يقظة فنية، وهذه المسؤولية يتحملها المواطن، لأنه هو من يجب أن يقوم بـ (الفلترة)، من خلال رفض ما تفرضه عليه التلفزيونات والإذاعات التجارية، والبحث بنفسه عن العمل الجيد، لأنه قادر على التمييز بين الفن الراقي والفن الهابط.

الشاعر نزال فرنسيس رأى أن تغيير الأنظمة يؤثر على أداء الإعلام الذي يعتبر عصب الشعوب ومرآتها «لا شك أننا سنشهد في المرحلة المقبلة تغييرا في التعاطي الإعلامي مع الفن، من خلال استبعاد الأعمال والمواضيع غير الأخلاقية والمتوفرة بكثرة في هذه المرحلة في الإذاعات والتلفزيونات، كما أعتقد أننا مع الوقت لن نعود نرى ونسمع ما نراه وما نسمعه حاليا». وتابع فرنسيس «لطالما كان الفن الرديء موجودا إلى جانب الجيد والرديء، وهذا أمر طبيعي، لأنه ولكي نتمكن من معرفة قيمة الجيد، يحب أن يكون الرديء إلى جانبه. حتى في زمن محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، كان هناك فنانون يقدمون فنا هابطا، ولكن عدد وسائل الإعلام كان محدودا جدا ولم يكن هناك مجال لانتشاره، على عكس الوضع الذي نحن عليه اليوم والذي يشهد وفرة في عدد الإذاعات ومحطات التلفزة. مصر مثلا، في حقبة الستينات لم يكن يوجد فيها سوى محطة واحدة، تهتم ببث أغنيات فناني الدرجة الأولى، وتستبعد كل الفنانين الذين يقدمون فنا هابطا. حتى رجال السياسة في تلك المرحلة كانوا أهم من رجال السياسة الحاليين، لأنه كان لديهم إيمان كبير بكل ما له علاقة بالثقافة والفنون ويخصصون لها الكثير من وقتهم واهتمامهم. فالفنان محمد عبد الوهاب مثلا، لقب بـ«مطرب الملوك»، أما الفنانة أم كلثوم، فكانت تحظى باهتمام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان يحضر حفلاتها ويحرص على الجلوس في الصفوف الأولى، هذا عدا عن أنه أمر بتخصيص وقت خاص لبث أغنياتها في الإذاعة، والأمر نفسه ينطبق على الفنانة فيروز والأخوين رحباني الذين كانوا يحيون المهرجانات في بعلبك بحضور رئيس الجمهورية والوزراء.

فرنسيس بدا متفائلا بالتغيير الذي حصل في مصر ووجد أنه سينعكس إيجابا على الفن، «أتمنى أن يتم استبعاد 10 في المائة فقط من الفن الهابط، وأنا متأكد بأن نوعية الفن سوف تتغير في لبنان كما في الوطن العربي».

لكن الملحن وسام الأمير بدا مترددا في إمكانية حصول تغيير فني «ربما يكون هناك توجه في المرحلة المقبلة لإنتاج أغنيات وطنية، إلا أنني أشك في إمكانية حصول تغيير جذري في الأغنية، خاصة أنني لا ألمس رغبة عند الناس في ذلك. الفن لم يعد من أولويات الناس، لان لديهم هواجس أخرى، ومن وجهة نظري فإن الفن هو الذي يجب أن يؤدي إلى تغيير الأنظمة وليس العكس. صحيح أن الجيل الشاب يبدو واعيا وهو الذي أحدث التغيير، ولكنه لا يبدو ناقما على الفن، لأنه يتماشى مع متطلبات العصر. أما بالنسبة للفن الهابط، فهو سيزول من تلقاء نفسه بدليل أننا لم نعد نسمع بأسماء كنا نسمع بها سابقا...أين هن نانا ودانا و«مانا» والأخريات؟.

الموزع الموسيقي هادي شرارة رأى أن «الثورات الشعبية لا تغير الفن، بل الثورات التي تقوم بها الدول والحكومات من خلال تشكيل لجان فنية يكون دورها إجراء رقابة على الأغنية، بهدف إبعاد الرديء والإبقاء على الجيد، كما يحصل في مجالي السينما والتلفزيون، حيث تخضع الأفلام والمسلسلات للرقابة، قبل عرضها. أما بالنسبة إلى مصر على وجه التحديد، فقد تشهد المرحلة المقبلة إقصاء للفنانين الذين كانوا مقربين من نظام حسني مبارك».

ويشير شرارة إلى أن كل ما له علاقة بالثقافة والإبداع، لا يحظى بالاهتمام في الوطن العربي وليس الفن وحده «هذا الأمر ينطبق على كل الدول العربية باستثناء أبوظبي، سورية، دبي والمملكة العربية السعودية. أبوظبي كرمت زياد الرحباني، وسورية احتضنت كبار الفنانين حتى غير السوريين منهم، كما فعلت مع وديع الصافي وصباح وفيروز، فهم يبادرون إلى تكريم الفنان معنويا، وحتى ماديا، هم لا يقصرون في حقه على الإطلاق. الفن باق كما هو عليه إلا في حال نشأت أنظمة شبيهة بنظام صدام حسين، تقضي على الفنانين غير المؤهلين».

الفنانة باسمة رحبت بالتغيير الذي يحصل في الوطن العربي «بدأ التغيير في لبنان ومن ثم انتقلت العدوى إلى كل الدول العربية، ولا شك أنها عدوى إيجابية جدا، وإن كنت أشعر بالحزن والأسى على سقوط الشهداء. وأنا متأكدة من أنه بعد سقوط الأنظمة الديكتاتورية، ستقسط الديكتاتوريات الفنية، وسنتخلص من الفن الهابط الذي سيطر على الساحة الفنية لفترة طويلة. في الفترة المقبلة، لن نشاهد فنانا ليس بفنان، وستتحرر الساحة الفنية من الدخلاء الذين تعدوا على المهنة.. من الآن وصاعدا يجب أن يبدع كل شخص في مجاله، لكي ينال ما يستحقه».