الفنان الأكثر ثورية ليس بالضرورة الأكثر إبداعا

شركات الإنتاج تبحث عن النجم الذي سوف «يقُش» الإيرادات في المرحلة القادمة

TT

مشاعر الناس تلعب دور البطولة في اختيار أبطال الدراما القادمة. الكل يريد أن يستغل الموقف لصالحه.. الكل يريد أن يحسبها اقتصاديا رغم أن الثورة بطبيعتها تحمل عمقا رومانسيا خياليا.. لم يمسك أحد ورقة وقلما وحدد موقفه من الانضمام إلى الثورة أو الوقوف بعيدا بناء على ما سوف يجنيه في الحالتين!! لو ألقيت نظرة على حال الدراما القادمة ستكتشف أن شركات الإنتاج تحسبها حاليا لتعرف إلى أين تتجه رؤوس الأموال، من هو النجم الذي سوف «يقُش» الإيرادات في المرحلة القادمة، ولهذا فإن القسط الوافر من شركات الإنتاج أمام الخوف من ضبابية المشهد الفني أوقفت العدد الأكبر من المسلسلات التي تعاقدوا عليها قبل 25 يناير (كانون الثاني)، وما لم يتم استكماله هبطت ميزانيته التقديرية إلى النصف، وبدأ البعض يتحدث عن نوعيات مختلفة من الأنماط الدرامية مثل السهرة والسباعية حيث تتضاءل في هذه الحالة التكلفة وأيضا المخاطرة.. قبل 25 يناير كان الموسم الرمضاني هذا العام يعتبر هو صراع الكبار، حيث إن أكثر من نجم قرر أن يقتحم لأول مرة الشاشة الصغيرة!! إلا أن أحداث الثورة غيرت الكثير من الحسابات ودفعت البعض إلى الانسحاب أو على أقل تقدير إلى التأجيل.. مثلا، تامر حسني أوقف مسلسله «آدم». وكان تامر قد رفع الرقم الذي حصل عليه إلى 35 مليون جنيه مصري، أي أكثر من 5 ملايين دولار، وهو رقم غير مسبوق في التعاقدات الإنتاجية في دراما الشاشة الصغيرة، ولكن تامر كعادته يحرص على أن يظل في مكانة بعيدة يرنو إليها الآخرون ولا يصلون إليها.. أعتقد أنه اكتشف أن أجر عادل إمام 30 مليونا فأصر أن يتفوق عليه بـ5 ملايين جنيه.. الآن تامر يدفع ثمن موقفه المتردد من الثورة وتناقضاته بين تملق مبارك ثم تملق الثورة بعد ذلك، وهو ما أدى إلى واقعة طرده من ميدان التحرير التي تم تناقلها عبر الإنترنت والفضائيات، وأصبح الحل الوحيد المتاح أمامه هو تأجيل مشروعة التلفزيوني! وإذا كان تامر لم يجد أمامه سوى التأجيل فإن هناك حلولا أخرى مثل تخفيض الأجر.. كانت الحياة الدرامية تسير في مجراها الطبيعي قبل 25 يناير، غادة عبد الرازق ترفع أجرها إلى 11 مليون جنيه مصري في مسلسل «سمارة» بعد النجاح التجاري الذي حققته في مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة»، متفوقة على كل النجمات التقليديات أمثال يسرا وليلى علوي وإلهام شاهين اللاتي توقفن عند رقم 7 ملايين، وكان أجر غادة في «زهرة» لا يتجاوز 5 ملايين.. غادة عادت إلى رقم 5 ملايين!! محمود عبد العزيز كان قد قرر العودة إلى التلفزيون بعد تردد اقترب من عشر سنوات في أعقاب عرض مسلسله «محمود المصري» الذي كان يروي حياة الملياردير المصري محمد الفايد، وجاء هذا المسلسل بعد النجاح الطاغي الذي حققه في مسلسل «رأفت الهجان»، وبالطبع كان نجاح «محمود المصري» متواضعا بالقياس للهجان فلم يشف غليل محمود.

من يعرف محمود عن قرب يكتشف أنه يتحمس في البداية للعمل الفني ثم بعد لحظات يفقد حماسه وكأن شيئا لم يكن، إلا أن عودة عادل إمام بعد غياب ربع قرن إلى الدراما التلفزيونية أشعلت بداخله الحماس لكي يعود أيضا في رمضان القادم.. كان محمود يتفاوض على رقم 15 مليونا، وأغلب الظن أن شركة «غوود نيوز» تعاقدت معه قبل الثورة على هذا الرقم، وهو نفس الأجر الذي وصل إليه يحيى الفخراني في مسلسل «بواقي صالح» الذي رشح ابنه شادي لإخراجه ليقدمه في رمضان القادم، ولكن من الواضح أن محمود ويحيى قد أرجآ المسلسلين بسبب عدم استقرار سوق بيع الدراما هذا الموسم!! يسرا كانت تستعد بمسلسل اسمه «شربات اللوز»، شركة الإنتاج التي كانت تتعاقد معها، وهي شركة «العدل غروب»، مُنيت في العام الماضي بخسارة فادحة بعد مسلسل «بالشمع الأحمر»، إلا أن دخول التلفزيون المصري كطرف في العرض على شاشته ساهم في إيجاد شركة أخرى تحمست للإنتاج لأن التلفزيون يشارك في دفع عجلة الإنتاج عندما يوافق على العرض مسبقا، وبالتأكيد فإن يسرا هي واحدة من أكثر النجمات اقترابا من أسرة حسني مبارك، وخصوصا ابنيه علاء وجمال. وعندما تغيب عن الشاشة من الممكن أن تصدر تعليمات للرئيس السابق لاتحاد الإذاعة والتلفزيون بشراء مسلسل يسرا.. المسلسل أيضا تم تأجيله، ولكن يسرا تقدم فيلما قصيرا عن أحداث الثورة يخرجه يسري نصر الله.. كان يسري واحدا من أعلى الأصوات التي أيدت الثورة منذ بدايتها، وبالتأكيد فإن فيلمه يبارك الثورة، فهل تلعب يسرا بطولة فيلم ضد مبارك والعائلة الحاكمة وكانت هي من أقرب الأصدقاء إليهم؟! ليلى علوي أيضا تربطها صلة نسب بعائلة مبارك، حتى الآن لم تصرح بشيء يتعلق بالثورة، وكان قد وقع اختيارها على مسلسلين عدد حلقات كل منهما 15 حلقة، وهو نفس ما لجأت إليه إلهام شاهين. ومنذ العام الماضي الكل كان مستقرا إنتاجيا.. ليلى أرجأت التصوير ولكن إلهام تستكمل حاليا تصوير مسلسلها «قضية الوزيرة».. أسماء مثل خالد النبوي وخالد صالح وخالد الصاوي وهاني رمزي وغيرهم، كل منهم كانت لديه خطته الرمضانية حتى جاء 25 يناير لتعيد شركات الإنتاج النظر في كل تعاقداتها السابقة.. لا أتصور أن المنتجين تعنيهم الثورة، ولكن مكاسبهم هي بالدرجة الأولى ما يحرك بوصلة الاتجاه، كل جهة إنتاجية وضعت خطة.. عادل إمام فوجئ بدرجة لا يمكن إنكارها من الرفض الجماهيري، ومن الصعب تجاهلها، ولكن لديه أمل أن يتمكن من تخطيها.. كانت أكبر عقبة واجهته هي أن شركة «فودافون» اضطرت لإيقاف عرض الإعلان الذي سجله في نهاية العام وتقاضى مقابلا ماديا غير مسبوق ارتفع إلى 4 ملايين دولار.. وجدت الشركة أن الإعلان يأتي بنتيجة عكسية، ولهذا أوقفت عرضه في كل القنوات، أرضية وفضائية، تلفزيونية وإذاعية.. بالطبع إن إيقاف العرض حاليا لا يعني أن الإعلان لن يقدم مرة أخرى، لكن هناك ولا شك برودة في المشاعر أدت إلى أن الإعلان تحول من عامل جذب إلى عامل طرد.. ربما تفكر الشركة في تصوير إعلان آخر مستوحى من روح ثورة 25 يناير، ربما يلعب عادل دورا في أن يزيح حالة البرودة التي رأيناها بقوة بينه وجمهوره بسبب ارتباطه بالعهد السابق، وكان هو صاحب الصوت الأعلى بين كل النجوم في تأييد مبارك حتى يوم الجمعة 28 يناير، ظهر في قناة «دريم» في برنامج «واحد من الناس» وهو يقول للجمهور: «ليه يشتموا مبارك؟ عمل لهم إيه؟ إزاي ده يحصل؟».. وكاد أن يبكي، ولم يذكر كلمة واحدة في صالح الثورة ولا الثوار. صحيح أنه بعد ذلك سعى للظهور في كل البرامج وعبر كل الفضائيات مثل «الجزيرة» و«العربية» و«إم بي سي» وغيرها للإشادة بالثورة والثوار، مؤكدا على أنه ثوري، ولولا الخوف من إصابته بضربة طائشة أو طوبة في رأسه قد تحول دون استكماله التصوير لاتجه يوميا إلى ميدان التحرير.. الحقيقة أن كل هذه المحاولات جاءت بنتيجة عكسية تماما تحولت إلى مادة ساخرة عبر النت، حيث قدموا له مقاطع تؤكد تناقضاته مرة وهو يدافع عن مبارك ويهاجم المتظاهرين، وأخرى وهو يكيل المديح للثوار!! عادل لم ينتظر طويلا، استكمل تصوير مسلسله «فرقة ناجي عطا لله» بعد تنحي الرئيس مباشرة.. الرقم الذي حصل عليه عادل كأجر تردد أنه اضطر إلى تخفيضه بنسبة 30 في المائة، أي أن أجره انخفض إلى 20 مليون جنيه.. في كل الأحوال فإن رهان عادل الآن على الزمن. إنه ينتظر مرور بضعة أشهر حتى يأتي رمضان في شهر أغسطس (آب)، ولديه أمل أن ينسى الجمهور موقفه من الثورة ودعمه الدائم لمبارك وابنه ويشاهدوا العمل الفني فقط، كما أن عادل لديه معادلة اقتصادية مختلفة، فهو يراهن بقوة على بيع المسلسل للقنوات العربية والجمهور العربي كما يعتقد عادل، ويتمنى أن يشاهده بعيدا عن أي تأثيرات متعلقة بالثورة.. مشاعر الشباب لا تزال حتى الآن تتوجه إلى روح الثورة في الإحساس بالفنانين.. صحيح أنه لا ينبغي أن نخلط الأمور، فليس الأكثر ثورية هو الأكثر إبداعا أيضا، ليس كل من ذهب إلى ميدان التحرير كان ثوريا ومؤمنا بتلك المبادئ.. بعض الفنانين رأيناهم وهم يقفون في مرحلة متوسطة، عين على الثورة وعين على مبارك. بعض الأزواج من الفنانين كان الزوج يذهب إلى ميدان التحرير بينما زوجته تتوجه إلى ميدان مصطفى محمود لتأييد مبارك، مثل مها أحمد ومجدي كامل. ذهبت مها إلى مصطفى محمود بينما مجدي في اليوم التالي ذهب إلى الميدان وحملوه على الأعناق، بعدها ذهب مع مها بعد تنحي مبارك إلى التحرير.. لا أتصور أنها ديمقراطية بقدر ما هي محاولة لكي يظل الفنان وزوجته في مرحلة آمنة إذا نجحت الثورة، فهو كان هناك، وإذا استرد مبارك العرش فهو كان معه من خلال زوجته، فلا يمكن أن تكافأ زوجة ويعاقب زوجها، ولا يمكن أيضا أن نتقبل ببساطة العكس!! لا تستقيم هذه المعادلة، الأكثر ثورية ليس هو بالضرورة الأكثر موهبة، إلا أن مشاعر الناس لا تزال تحسبها هكذا.. الثوري هو الفنان المحبوب، والمتردد أو المؤيد لمبارك هو المرفوض، ولا شك أن هذه المشاعر سوف تلعب دورا رئيسيا في دراما رمضان القادم وحتى إشعار آخر!!